لما هو آتٍ الأستاذ والطالب في الجامعة!! د , خيرية إبراهيم السقاف |
يقال: إن لكل إنسان همومه الخاصة به، وتظل في نطاق الخصوصية حين تخصه وحده,, لكن الثاقب النظر في أمور (الإنسان) المخلوق الأول المستفيد من الحياة والصانع لأوجه هذه الحياة، يجد أن لا هموم خاصة إلا في حدود الأثر الذي يتركه السبب، إذ إن مصنع الإنسان الداخلي الذاتي لا يخلق همَّه في معزلٍ عن (الآخر) أو (الخارج) عنه,, بمعنى (الآخر) من جنس البشر الذي يقدَّر لهذا الإنسان أن يتعامل معه في أضيق وأقرب موقع منه أو على تفاوت مسافات المواقع بينهما، وعلى اختلاف نمطية العلاقة التي تجمعهما، أما (الخارج) عنه، فهي مجمل أو جزء من أجزاء الأمور، والموضوعات، والقضايا التي تدور لها، ومعها، وعنها طواحين الحياة,,.
من فئة الناس الذين يقفون على مساحات مواقع ذات صفات محددة يتشاركون في الهموم الواحدة ويتقاسمونها على وجه المثال (أساتذة الجامعات) و(طلابها),,, بجنسيهم إذا أخذنا بعين الاعتبار مُطلقية الإنسان فيهما, فلهؤلاء همومهم بلا ريب، وهي كثيرة تمتد من حدود (الحقوق) لهؤلاء و(الواجبات) لأولئك، ولا تنتهي عند آخر حرف من حدود (الواجبات)، و(الحقوق) لكليهما.
فهناك علاقة وطيدةٌ وأساسٌ بين (عضو هيئة التدريس) وبين (طالب الدراسة) في هذه المؤسسة العلمية العليا,,، تبدأ من اللحظة التي يسجل فيها الطالب دراسته لمقرر ما مع أستاذ بعينه، وتنتهي شكليا عند استلامه لكشف درجاته نجاحاً او إخفاقاً أو بينهما, والقصد من النهاية الشكلية أن العلاقة دائمة ومستمرة ولا تنتهي إذا ما تلقى الطالب الخبرات من (إنسان) هدفه البناء والنماء والتواصل الذي لا ينقطع بانقطاع علاقة الالتقاء المباشر, فهناك علاقة عقل وفكر، ومبادىء، وقيم وتوجه، وموقف، وسواها مما هي من المفترضات المسلمات البدهيات لنواتج عطاء أعضاء هيئة التدريس.
ولكن السؤال بل الأسئلة الكثيرة التي تصرخ ولا تهدأ فوق أرضية الجامعة، داخل قاعات الدرس، وداخل حجرات الأساتذة، وفي المراكز والردهات، وأي موقع التقاء بينهما تتمحور فيما يلي: كيف هي العلاقة بين عضو هيئة التدريس والطالب؟ من الواقع العملي وليس من فوق صفحات اللوائح والأنظمة والجمل المنمقة في صياغات مغرية ومشهية للآمال والأحلام!! ثم هل هناك فعلا علاقة غير تلك الصامتة أو المقتضبة أو المبرمجة داخل قاعات الدرس؟
فإن كانت هناك علاقة وكانت لها كيفية، فمتى تتم وكيف تتم؟ وعندما تتم أيضا كيف ولِكَم من الزمن تكون؟ وما هو مضمونها؟ بل على وجه التحديد ما نمطية العلاقة بين عضو هيئة التدريس والطالب؟ وفي شكل أكثر حساسية، ما هي نسبة درجة الحرارة أو البرودة في هذه العلاقة؟ وفي حالة حرارتها ما هي محاور هذه العلاقة، وفي حالة برودتها ما هي عوامل هذا التدنِّي فيها؟
وهل تتوقف العلاقة على إعطاء الطالب ما يتعلق بموضوع الدرس؟ أم تخرج عنه وهل للعلاقة بينهما علاقة أخرى ترتبط بالأخذ من الطالب؟ إذا سلَّمنا بأن هناك علاقة تبادلية بين طلاب الدراسات العليا والأساتذة تؤمنُ بها فئةٌ من أعضاء هيئة التدريس، وتمارسها، بينما تقنن أوجهها، وأسلوبها، وأبعادها فئة أخرى المقصود من ذلك على سبيل المثال اعتماد فئة من أعضاء هيئة التدريس على طلاب الدراسات العليا في جمع معلومات أبحاثهم، وتوزيع واستعادة استماراتها، ونحوه ، وهل عضو هيئة التدريس يستطيع خلع (قبعة) الأستاذ من أجل التواصل مع طلابه؟ وإن خلعها فهل وكيف يواجه الانتقادات من زملائه؟
و,, و,, أسئلة كثيرة يقابلها: هل الطالب يعي مسئوليته قبل حقوقه في الجامعة؟ وهل هو يدرك ما عليه وما له؟ وهل قبل أن يضع قدمه في قاعة المحاضرات أو مكتب الأستاذ يكون قد تعرف على (الحدود) أو (القيود) أو (النظام) أو (الأسلوب) أو (الشخصية) أو (المفروض) أو (الممنوع) أو (المسموح) له، وعنه، ومنه، ومعه، داخل هذه القاعة أو المكتب مع هذا الإنسان عضو هيئة التدريس؟
ولماذا لا يزال سور الصين العظيم ينتصب بين أستاذ الجامعة والطالب فيها على وجه التغليب؟,, ولماذا يتذمر كل الذين يقفون خلف هذا السور، من هؤلاء الأساتذة من أولئك الزملاء الذين حطموا هذا السور وقفزوا على بقاياه ليمدوا أيديهم لطلابهم؟
وألا يُفترض أن تؤسس العلاقة بين الفئتين من منطوق ومنظور إنسان لإنسان؟ وأب لابن، وأستاذ لمريد؟!
وكيف يمكن أن ينمو هذا الأستاذ في علاقته نموا علميا وسلوكيا؟ ومتى يشار لأساتذة الجامعات بالبنان ويطلبون بأسمائهم للدرس معهم، والأخذ عنهم؟
ولماذا لا يتاح للطالب اختيار من يُدرِّسُه؟,.
أسئلة هامة بأهمية المؤسسة العلمية التي تصرخ فيها هذه الأسئلة؟
وهي تحتاج الى إجابات صريحة، وواضحة، ومجردة، تسمو عن الحساسية، وتترفع عن الخصوصية,, وتضع هذه العلاقة في مواجهة مع الواقع بوصفه هماً مشتركاً بين عضو هيئة التدريس وطلابه.
والمحصلة النهائية هي الأداء العلمي والفكري في الجامعة لأنه (ممارسةٌ) من قبل عضو هيئة التدريس، و(استقبالٌ) من قبل طلابه، وفي الأخير كيف؟ وكم؟ وإلى أي مدى؟ وما هي النوعية؟ وكيف هي الكيفية؟
والواقع يؤكد أن الجامعة حتى الآن هي مطلب حاجة للحياة وللمعاش أكثر منها مطلبا للحاجة الذاتية للمعرفة بذاتها,, والسبب هو الفئة الأكثر من أعضائها الذين يحتاجون بكل صدق إلى أن يتعلموا من جديد كيف يكونون أساتذة إنسانيين.
فليسأل كل منهم نفسه ما سبق من الأسئلة وعندما يكون صادقاً مع نفسه سوف يرفع قبعته عن رأسه.
|
|
|