مسؤولية العلم، ومكانة المثقف د, علي بن محمد التويجري |
في خطاب شهير لعالم القنبلة الذرية الأمريكي، الذي قاد تجميعها لأول مرة في لوس الاموس بالولايات المتحدة، والذي حاول مقاومة صناعة القنبلة النووية فيما بعد، وفشل في ذلك كما نعلم، تحدث هذا العالم، محاولا أن يصف سرعة التغير التكنولوجي في النصف الثاني من القرن العشرين، فقال ما نصه:
ان الشيء الجديد حقا هو سيطرة الجدة، ودرجة واتساع التغير نفسه, ان الانسان ليجد ان العالم يتغير حوله وهو يسير فيه، حتى اصبح الانسان الفرد في سنوات عمره لا يشهد مجرد نمو بسيط أو اعادة ترتيب أو تعديل فيما تعلمه في طفولته، بل اصبح يشهد انقلابا كاملا عظيما .
وهذا التغير الكبير الذي يحسه الفرد في حياته القصيرة وهو الأمر الذي يلقي على التعليم، وقبل ذلك على التفكير مسؤوليات كبيرة للملاحقة والفهم والاستعداد والتكيف، ولسنا بحاجة كما يقول أوبنهايمر الى تعداد جوانب هذا التغير أو أوجهه، فقد يكفي للانسان ان يسير في العالم ، وان يتعرض كما نفعل جميعا، وكما لا نستطيع إلا ان نفعل، للمستجدات في التكنولوجيا وفي أساليب تجميع المعلومات، وفي القفزات الرائعة والمخيفة في علوم المعلومات والبيولوجيا ووسائل السيطرة والاستغلال للطبيعة والبيئة من حولنا وما يصيبها أو قد يصيبها من كل ذلك.
ان الحديث عن التغيرات العلمية والتكنولوجية قد يكون الآن مكررا ومعادا، ولكن الحديث عما فعلنا أو نفعل لملاحقة هذه التغيرات ولتطوير فكرنا أو تعليمنا لملاحقتها، يجب ان يظل متجددا وحاضرا في أذهاننا، وان نتآزر جميعا لسماع هذه الدعوات الضرورية التي يعبر عنها مفكرونا وبحاثنا للتغيير وللتطوير.
وتكوين الرأي العام وتوجيهه، وهذه مسؤولية يقع عبئها الأكبر على المفكرين والدعاة والكتاب والعاملين في ميادين العلم والاعلام والثقافة, وهؤلاء جميعا فئة ممتازة من العلماء والمثقفين الواعين يتميزون بمواهبهم وقدراتهم كما يتميزون بحريتهم وتطوعهم لهذا العمل الكبير.
وأظننا نعلم جميعا ان قدرة هؤلاء من علماء ودعاة وكتاب وصحافيين وعاملين بأجهزة الاعلام، تتأثر تأثيرا كبيرا بمدى ما يتوفر لهم من معلومات لابد ان يحرص المسؤولون على توفيرها لهم حتى يؤدوا دورهم وحتى يكون تحقيقهم لهذا الدور نافعا مؤثرا كما نريد.
ان المثقفين في مجتمعنا الاسلامي يعيشون مثل وقيم المجتمع الاسلامي الذي يفرض علينا التساند والنصيحة والذي يعلمنا ان الكلمة الصالحة مثل البذرة الصالحة كثيرة البركة وفيرة المحصول, ومسؤوليات المثقف في مجتمعنا هي مسؤولية يفرضها الشرع كما تفرضها مسؤولية العلم ومكانة المثقف, وعلينا من جانبنا ان نوفر لمثقفينا ما يستحقونه من تقدير وان نهيىء لهم من المعلومات ما يجعل آراءهم ودعواتهم مبنية على الحقائق الكاملة والمعرفة السليمة بجوانب ما يتعرضون له من موضوعات, ولاشك عندي ان مجتمعنا سائر بإذن الله الى تحقيق كل هذا وان دور المثقفين عندنا يزداد ويتعاظم مع تطورنا ونمونا الحضاري في اطار شريعتنا السمحاء، وقيادتنا الحكيمة.
والله الموفق.
|
|
|