الرئة الثالثة خسرت الثقافة,, وربح الدولار؟! عبد الرحمن بن محمد السدحان |
رُفعت الأقلام,, وجفّت الأوراق، وأُشهرت النتائج، معلنةً انتهاء (أمّ المعارك) بين أحد عشر مرشحاً جاءوا الى باريس من أقصى الشرق والغرب ليتنافسوا على ولاية (اليونسكو)، وأمسى مرشح اليابان ماتسورا مديراً عاماً للمنظمة الدولية، وأُسدل بذلك الستارُ على مسرحية انفرد فيها الدولار بالبطولة شبه المطلقة!.
***
وقد أثارت هذه المعركة فتنة الجدل في نفوس الكثيرين: سياسيين ومثقفين وعابري سبيل، داخل بلادنا وخارجها، وشهدت قاعات المنظمة الدولية في باريس العديد من المشاورات والمداولات بين ممثلي الأمم المعنية بالسباق وتناقلت الأسماعُ عبر دهاليز المنظمة مساجلات يتقاسمها الوعد والوعيد!.
***
وقد تابعت مثل غيري تطورات هذا الماراثون الثقافي منذ اللحظة الأولى التي فتح فيها باب الترشيح للمنصب الاول في المنظمة الدولية، وازددت اهتماماً وحماساً حين أعلن ترشيح معالي الدكتور غازي القصيبي لذلك المنصب، لا لأن غازي صديق عمر، ولكن,, لأنه رمز جميل للإبداع الثقافي في عالمنا العربي، حين يتنفس شعراً، وحين يهدر نثراً، وهو قبل هذا كله، رجل دولة وادارة، وهو بعد هذا كله، سياسي وخبير سياسة.
في البدء رحبتُ بترشيح الدكتور القصيبي للمنصب الكبير أملاً في أن يُزَفَّ إلى الثقافة,, أو تُزفَّ هي اليه عبر عشّ (اليونسكو) وكنتُ لفرط طيبتي وحسن ظني أحسب ان الثقافة وغازي هما ضيفَا الشَّرف في ذلك (الحفل) المهيب!.
* * ثمّ,, سرعان ما تبدّل عندي الحال,, وتبدّد الظن، وتلبّد الخاطر بسوء الفال، حين برزت الى الساحة أمور عديدة خلتُها دخيلةً على الشأن الثقافي! رأيتُ سياسةَ المصالح الاقتصادية أو مصالح الاقتصاد السياسي، تتسَلّل عَبر ثقوب الخلاف والاختلاف والمساومات بين بعض المقترعين على المنصب، ومَن يقف وراءهم، فتُعشي البصرَ، وتفتن العقلَ، وتلّون الارادة!.
وقد علّمنا الزمنُ الصّعبُ أن السياسة لا تغشى شأناً لا شأن لها به، إلّا أفسدته، وشوّهته: آليةً وسياقاً!.
***
لن أوغلَ في الحديث عمّا حدث، فالكلّ قرأَ وسمعَ عن ذلك الكثير، وأكتفي هنا بتدوين ملامح وانطباعات قصيرة حول الموضوع، أوجزها في التالي:
1 - في ضوء كلّ التداعيات التي نافست وقائعَ الحدث الكبير، بدءاً ونهايةً، لم تفاجئني نتيجةُ السباق,, بقدر ما أسعدتني، لا بل جعلتني (اتنفس الصعداء),, حمداً لله وشكراً، وقلت لمَن حولي لحظتئذ: هنيئاً ل(غازي) بالنجاة من ذلك الموقف المفخّخ بألغام السياسة والاقتصاد، وعزاءً للثقافة التي زُفّت إلى الدولار! وتذكرت في هذا الصوب مثلاً جميلاً قاله الأجداد: (اللّي هذا أوّله، ينعاف تَاليه).
***
2 - حاول بعض المرجّفين في الارض الزجَّ باسم بلادنا في لجة السباق الى سدة (اليونسكو) واسقاط التهم والظنون عليها، تقليلاً من شأن مرشحها,, بل بين افراد يُفترض أن يخضع اختيارُ أحدهم لمواهبه وقدراته,, لا إلى (مؤهلات) بلاده، سياسة واقتصاداً!.
***
3 - كان واضحاً منذ انتهاء الشطر الأول من السباق أنَّ الفوز معقود للمنافس الياباني المدجّج بسطوة بلاده، مالاً واقتصاداً!.
ولِمَ لاَ، واليابان تنفق سنوياً بلايين الدولارات الأمريكية مِنحاً لما يزيد على أكثر من خمسين دولة في معظم القارات، من بينها دول كثيرة ممثَّلة في المجلس التنفيذي لمنظمة (اليونسكو)!.
***
4 - أزعم هنا، ولا أجزم، انه ربما كان وراء الحملة اليابانية المكثفة (رسالة) مبطنة الى أهل المشرق والمغرب تقول: اذا كانت اليابان الحديثة معقلَ الإبداع التقني والصناعي، فإن بامكانها ان تكون منبراً للإبداع الثقافي، ولذا، راهنت على فوز مواطنها ماتسورا بالمنصب الثقافي الأول في العالم!.
***
5 - وأخيراً,, هنيئاً لمرشح اليابان ماتسورا، سواء كانت مطيّةُ فوزه الثقافة أم الدولار! وتحية صادقة للدكتور غازي القصيبي الذي لم يقعده ضياعُ الفوز بالمنصب عن الذهاب فور اعلان النتيجة الى مكتب منافسه الياباني مهنئاً، وسط دهشة الأخير: تقديراً واعجاباً!.
|
|
|