لما هو آت كلام جرائد,, ولكن ,,, ؟ د, خيرية ابراهيم السقاف |
سلطة الإعلام ووسائله بالغة الأثر، سريعة التغلغل في خلايا الإنسان إن صح لي استخدام هذه الكلمة، ليس بمفهوم مصطلح الأطباء ، وإنما بمفهوم مصطلح المفكرين ,,.
فالإنسان إذا استطاعت الكلمة والفكرة وأثرهما الاندماج بما فيه من فكر وحس وشعور، وقدرت أن تؤثر فيه، وتصبح جزءاً من سلوكه في قوله وتوجهه وفكره، فإنها تكون قد لعبت دوراً في خلاياه بلا ريب!,.
من هذا يمكننا الثقة في هذا الدور المهم لوسيلة الإعلام على اختلافها، ووضعها موضع العناية والرعاية بل والتقدير,.
وإن ذهبت أقول إن الإنسان عرف هذه الحقيقة وعلى وجه الخصوص في الدول التي نفغر أفواهنا دهشة أمام منجزاتها الكبيرة، والمفاجئة في كل لحظة فلست آتي بجديد.
لكنني أتساءل كيف لا يُدرَكُ ذلك بشكل واعٍ وشاملٍ في مجتمعنا الذي يُفترض أنه وصل إلى الحد المناسب من الوعي بمثل هذا الأمر وعلى وجه الخصوص بين الأكاديميين الذين يتعاملون مع وسائل الإعلام ولكنهم يتعاملون معها في الجوانب التي تفيدهم وتخدمهم حتى إذا ما تعرضوا إلى جعلها مصدراً من مصادر بحوثهم أو قياسهم اعتبروها كلام جرايد أو غير معتد بتوثيقه ,,!!
قادني إلى ذلك مقال قرأته بشكل عابر لتربوي أمريكي قبل أسبوع لا يحضرني اسم الكتاب الذي تضمنه، إذ كنت في زيارة لاحدى الجامعات العربية، والتقيت إحدى أعضاء هيئة التدريس فيها واعتقدت أنها ستزودني في حجرتي الفندقية الهادئة بالكتاب حسب وعدها، لكن طارئاً لابد أن أعاقها فلم تفعل فلم أتذكر الكتاب ولا الكاتب,, وخانتني الثقة في الحصول عليه دون أن أسجل عنوانه,, هذا الكاتب يؤكد على أن ما حدث في أمريكا بعد الانتكاسة الأولى اجتماعياً وعلمياً في بدايات القرن الماضي,, جعل المربين يعيدون النظر في عوامل دفع التعليم، محور التغيير نحو صنع مجتمع قوي ناهض وناجح ودفعهم لأن يتلمسوا آراء المفكرين,,, وكانت الصحافة ووسائل الإعلام هي المصدر الأول لاستقاء الآراء، وتلمس المقترحات، ودراسة الاحتياجات، أي بمعنى آخر يمكننا أن نقول: إن ما تقدمه وسائل الإعلام من آراء ومناقشات ومقترحات تخص التعليم واحتياجات الأفراد، وتوجه إلى نقاط الخلل والضعف والقصور ليست كلاماً جرائدياً من نافلة الكلام,, وإنما هي مؤشرات إلى ما يجب درسه وفحصه ومن ثم الاستنارة به, وكان هذا ولا يزال ضمن قناعاتي الشخصية.
ذكرني ذلك ببعض الزملاء إن لم يكن مجملهم في الجامعة عندما ترد في أي بحث أو ورقة عمل الإشارة إلى صحيفة أو برنامج أو مجلة بوصفها مصدر المعلومة,, يترددون بل يرفضون هذه الإشارة مستخدمين العبارة التقليدية كلام جرايد لا يُعتد به وكأن هذه العبارة هي روب المحامي أو عباءة الطبيب أو نظارة أستاذ الجامعة !! أو حتى عصا المحامي !,, بينما هذا الكلام هو المؤشر الحقيقي لنبض البيت والشارع، ومكتب العمل، ودائرة الإنتاج، ومصنع التصدير، أي بوتقة التفاعل التي تمنح المادة الخام لأفكار الدارسين، ودراسات الباحثين,, وهي إن كانت كذلك في الدول متعددة مصادر المعلومة والدراسات والبحوث، فإنها لا تزال في هذا العالم العربي النامي المحتاج إلى تلمس نبض الفرد واحتياج الجماعة هي مصدر الرأي وقناة الفكر، ووسيلة التعبير والتوصيل من وإلى الآخر.
إن ما تنشره الصحف على وجه الخصوص من وسائل الإعلام، سواء من أفكار لكتابها في مناحي الحياة أو ما تقدمه لقرائها من تعليقات ومناقشات وحوارات تحمل المقبول والمرفوض لما يكتبه كتابها هو مادة خام لأروقة الدرس كي يتحقق المتطلب الجمعي عندما يكون الرأي المنشور مرتبطا على وجه الخصوص بمجالات عملية تمس الأمور التي يُفترض أن تبحث فيها مؤسسات التعليم والعمل.
وإذا كان كتّاب الصحف هم إما من فئة الأكاديميين الذين لهم قدم هنا وقدم في مؤسساتهم التعليمية، وإما من المفكرين الذين يحملون على أسنة أقلامهم أحلام القوم، أو من المتفاعلين مع الحياة المنهمكين في دواليبها الذين يعيشون مع الحاجة لحظة بلحظة فيعلمون منها مالا يعلمه الحالمون والمنظِّرون فإن أمر الأخذ بما يقولون لابد أن يسلم به.
تبقى هناك مهمة مسؤولي هذه الوسيلة المناط بهم أمر ما ينشر فيها، فإن عليهم حسن الاختيار فيمن يكتب وفيما ينشر.
وهي مسؤولية لا يخفى أنها لا تعجزهم,.
وكل كلام جرائد وأنتم مستفيدون، ومفيدون.
|
|
|