تحديات تواجه الإدارة العربية في القرن الحادي والعشرين
العولمة والتكتلات الاقتصادية والتحالفات الاستراتيجية أهم المشاكل
ضرورة تبني الفكر الاستراتيجي في ممارسات المنظمات العربية
محاولات عربية جادة لتطوير الأداء الإداري من خلال الجودة الشاملة
* القاهرة- مكتب الجزيرة- عبدالله الحصري
يتفق الكثير من الباحثين والخبراء في مجال الادارة على ان سنوات العقدين الاخيرين من القرن العشرين قد افرزت الكثير من التحديات الادارية التي يصعب مواجهتها او التعامل معها من خلال اساليب او مداخل تقليدية مما يستلزم اعادة النظر في النظم والسياسات والبرامج الحالية في الدول العربية حتى يمكن تحقيق التوافق المرغوب مع هذه التحديات التي تكمن في العولمة والتكتلات الاقتصادية والتحالفات الاستراتيجية والتطورات الهائلة في تكنولوجيا الانتاج والاتصالات.
بالاضافة الى تصميم معايير عالمية للجودة، حيث قامت المنظمة الدولية للمعايرة بتصميم مجموعة من المواصفات القياسية لغالبية المنتجات عرفت باسم ISO9000 اعتبرت اساسا في الحكم على مدى ملاءمة المنتج للتسويق علميا ويمكن التحدي لمنظمات العالم الثالث ومنها المنظمات العربية في حقيقة ان عدم القدرة على تحقيق التوافق مع متطلبات نظام الجودة العالمي سيحد من انطلاق منتجات تلك المنظمات في الاسواق العالمية بل في اسواقها المحلية، حيث سيميل المشتري سواء كان فردا عاديا او منظمة الى تفاصيل المنتجات ذات المواصفات القياسية العالمية الامر الذي سيعود في النهاية الى وضع منتجات المنظمات العربية في وضع تنافسي غير مرغوب.
واشارت دراسة للدكتور جمال الدين مرسي استاذ ادارة الاعمال المصري الى ان اهم هذه التحديات ظهور فلسفات واساليب ادارية جديدة، حيث شهد الربع الاخير من هذا القرن ظهور بعض الفلسفات والاساليب الادارية الجديدة التي تستهدف رفع كفاءة الاداء الاداري وزيادة الفعالية وتدعيم القدرة التنافسية للمنظمة ومن امثلة هذه الفلسفات والاساليب ادارة الجودة الشاملة واعادة هندسة العمليات والاداء الاسترشادي/ المقارن وتصغير حجم المنشأة وتمكين العاملين وادارة سلسلة الامدادات واستراتيجيات الادارة السريعة للوقت وتحقيق الرضا الكلي للعميل.
ان المنظمة العربية تعيش واقعا جديدا تحت مظلة نظام عالمي جديد تتلاشى فيه حدود الزمان والمكان وتقوى فيه حدة المنافسة ويكون البقاء فيه للاقوى اقتصاديا والاكفأ اداريا مما يستلزم الاجابة على سؤال: الى اي مدى يتوافر لدى المنظمة العربية القدرة على التعامل مع هذه المتغيرات وما يرتبط بها من تحديات؟
واجابة على السؤال السابق تؤكد الدراسة مبادرة العديد من الكتّاب والباحثين للاجابة على هذا السؤال الهام وخلص معظمهم الى القول بأنه على الرغم من وجود محاولات جادة لتطوير الاداء الاداري والتي تمثلت في تبني بعض الفلسفات الادارية الحديثة مثل الجودة الشاملة واعادة تصميم العمليات اضافة الى تصميم وتنفيذ برامج تدريبية متقدمة وعقد الندوات والمؤتمرات عن الاتجاهات الحديثة في الادارة اضافة الى التطور الهائل في نشاط النقل والترجمة الا ان ذلك لم يتمخض عنه تحسن ملموس في اداء المنظمات عموما حيث لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الواقع والمأمول.
وتضيف الدراسة ان الادارة في منظماتنا تنظر بعين الاعجاب لما يدور في العالم الخارجي دون ان تترجم هذا الاعجاب الى واقع ملموس يرفع من كفاءة الاداء ويزيد من قدرتها التنافسية في اسواقها المحلية والخارجية، وقد عبر الباحثون عن هذا الواقع بما يسمى بالمشكلة الادارية والتي تعكس وجود مجموعة من العوائق او القيود التي تحد من انطلاق الادارة في تلك المنظمات وتضعف من قدرتها على التعامل مع التغيرات التي تموج بها بيئتها الخارجية ومن ثم عجزها عن تحقيق اهدافها المنشودة.
وتحصر الدراسة ابعاد المشكلة الادارية في المنظمات العربية في القصور في السياسات والخطط وضعف ممارسات التخطيط الاستراتيجي وفقدان الرؤية المستقبلية الشاملة والمغالاة وعدم الواقعية في صياغة الاهداف وعدم استقرار السياسات الادارية وارتباطها بالاشخاص وافتقار السياسات الموضوعية للوضوح والمرونة الكافية وغياب التنسيق بين الخطط والسياسات وسوء تحديد الاولويات وافتقار المشاركة في التخطيط.
اضافة الى ضعف الفاعلية التنظيمية الذي ينعكس في ازدواجية وتكرار التخصصات مما يقود الى بطء الانجازات وارتفاع التكلفة والاهتمام بالشكل دون المضمون والارتباط بالاشخاص دون الاعتبارات الموضوعية وتعدد المستويات التنظيمية والمغالاة في المركزية ومحدودية تفويض السلطات والتضخم التنظيمي وتعقد انظمة واجراءات ونماذج العمل وغموض الاختصاصات وعدم وضوح العلاقات التنظيمية وضعف انظمة التوجيه والقيادة الذي يتمثل في سوء اختيار القيادات واستخدام انماط غير سليمة وتعقد عمليات الاتصال وافتقارها الى الثقة والانفتاح ومحدودية فاعلية انظمة الحوافز وتضارب القرارات والتعليمات اضافة الى قصور انظمة المتابعة والرقابة المنعكس في غياب وجود مؤشرات للاداء تتسم بالموضوعية والملاءمة وعدم وجود انظمة متكاملة للمتابعة وسيطرة المفهوم السلبي للرقابة وتعدد الاجهزة الادارية وتداخل ادوارها والبطء او التقاعس في تقييم الانحرافات,وتضيف الدراسة الى ما سبق ضعف فعالية انظمة ادارة الموارد البشرية ويكمن ذلك في النظرة المتواضعة لدور العنصر البشري في تحقيق اهداف المنظمة وضعف ممارسات تخطيط القوى العاملة والنظرة المستقبلية للاحتياجات من الموارد البشرية وسيطرة الاعتبارات الشخصية على عمليات الاختيار والتعيين والافتقار للاسس السليمة في تحديد الاحتياجات التدريبية والتسرب المستمر للكفاءات والخبرات المميزة وضعف الجهود المبذولة لتنمية وتطوير مفاهيم العمل الجماعي وفرق العمل والضغوط والمؤثرات الخارجية مثل عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي وضغوط المنافسة التجارية والتأثير السلبي للثقافات الاجنبية وتقديم الاعتبارات السياسية والاجتماعية على الاعتبارات الادارية.
وانطلاقاً من العرض السابق للمستجدات في بيئة الاعمال العالمية وواقع الادارة في المنظمات العربية تؤكد الدراسة ان هناك حاجة ملحة لاعادة النظر في سياسات واستراتيجيات وانظمة العمل بتلك المنظمات حتى لا تتحول هذه التحديات الى تهديدات تؤثر في قدرتها على تحقيق اهدافها المرجوة وعلى مكانتها محليا وعالميا وبالتالي دورها في خدمة الاقتصاد الوطني.
وتلخص الدراسة اهمية هذه الحاجة الى التغيير في الانماط والاساليب الادارية السائدة في المظمات العربية بالحاجة الى ثورة ادارية جذرية تتضمن فكرا جديدا ونظرة تقويمية فاحصة للممارسات القائمة وتعديلها او تغييرها جذريا في ضوء المتغيرات المحلية والعالمية.
وحول سبل زيادة فاعلية وكفاءة الادارة العربية ترى الدراسة انها تنحصر في تجارب المؤسسات الناجحة محليا وعالميا بالاضافة الى نتائج الدراسات والبحوث التي تركزت حول هذا الموضوع ويمكن استعراض اهم هذه الوسائل باختصار فيما يلي:
اهمية تبني الفكر الاستراتيجي في ممارسات المنظمات العربية وتنمية واستخدام انماط قيادية فعالة حيث اعتادت القيادات الادارية المصرية والعربية لفترات طويلة ممارسة وظائفها في ظل ظروف الحماية الكاملة والاستقرار البيئي وغياب المنافسة وضعف فاعلية انظمة الثواب والعقاب مما ادى الى انخفاض الكفاءة الادارية وهو ما يتطلب تكوين القيادات الادارية القادرة على استيعاب التحديات البيئية والتعامل معها بشكل واقعي والحاجة الى إيجاد ثقافة تنظيمية مميزة والاستخدام الفعّال لقواعد المعلومات الادارية وتطوير انظمة واساليب الانتاج والعمليات وتفعيل دور فرق العمل وتطوير الجانب المهاري للقائمين على الادارة.