خيول ومربعات مرايا د, عضيمة اليابانية! 4 علي الدميني |
حين تنهي قراءة مرايا د, عضيمة الهجائية المطولة للمجتمع الياباني المعاصر، سيفتح التساؤل ابوابه امامك حول مصداقية تلك الهجائية وحول الجرأة المندفعة لكتابتها كنص يزاوج تجربة المعاينة بالوثيقة والمعلومة ليخرج باحكام شاملة ليس من السهولة الاخذ بها مأخذ الجد، - وان كنت مثلي - فلن تقتنع بتلك الاحكام إلا بالرحيل الى اليابان لتلمس الحقيقة في واقعها هناك مباشرة، وهذا ماأصبحت افكر فيه جدياً.
وسأسأل محمدو - سان الاستاذ عضيمة مايلي: الا يداخلك الشعور الآن - بعد ان قضيت عشر سنوات في اليابان وبعد ان دخلت حياتهم واقمت لك نسباً بهم- بانك قد افرطت في هجائهم لانهم لم ينسجموا معك كغريب ، او لانك كنت تحلم بان تكون جسراً او رأس حربة لجسر يعرف اليابان بالثقافة العربية فخذلوك حين اكتشفت انهم ليسوا على قدر من الجدية في التعرف على ثقافتنا العربية؟
هل اغضبك انهم خلال نصف قرن لم يترجموا الى اليابانية اكثر من عشرين كتاباً بينما ترجموا من الانجليزية والفرنسية والايطالية كل ما انتجته تلك الحضارات من ارث ثقافي؟
هل استثارك ان ترى المستعرب الياباني وهو يتعامل مع مادته العربية بصفتها بضاعة لا اكثر، وبصفته تاجراً لا اكثر كما تقول في كتابك؟
الا ترى - كما أرى- بان النعرة العربية قد حملتك على ذلك المركب الوعر الذي بلغته حين قلت ان المستعرب الياباني لا يرى في العربي اكثر من مستهلك طفيلي، ولا ينظر الى الثقافة العربية إلا بصفتها ثقافة مغلقة، اصولية، متعصبة، وقد خلقت ووجدت للمتخلفين، ولا يمكن لها ان تكون إلا للعرب، لانها خصوصيتهم؟
ربما كانت جملة هذه الانطباعات التي كونتها في ايامك الاولى هناك دفعتك الى البحث عن ذاتك في قاع المدينة، ولعلي ساشكر لهذه الصدفة المبكرة كرمها وقدرتها السحرية على تحفيزك لكتابة بعض المرايا بحرقة جمر سيال، وبرغبة معلنة للتعرية والكشف عن مستويات رسوبيات الذهن الياباني فيما اشرعت الابواب للذئب الكامن في احشائك العربية لان يعب من متع ماتحت السطح حتى امتلأ فانجز هذه الهجائية؟
حسناً سأترك لك هذه الاسئلة واذهب الى موضوع آخر حول خصوصية المجتمع الياباني - التي تحدثنا عنها سابقاً- لاسأل امتنا العربية عن امكانية سلوك المسلك الياباني في الاخذ والتقليد والاضافة من الآخر؟
نعلم ان انموذج المجتمع المصري - وارث الثقافة الفرعونية هوالاقرب في هذا الجانب الى بنية المجتمع الياباني، ونعلم ايضا ان اليابانيين في بداية نهضتهم الحديثة قد درسوا تجربة محمد علي باشا التحديثية المتمثلة في ايفاد الطلاب الى الغرب لدراسة مختلف التخصصات، وما صاحب ذلك في مصر من توسع في التعليم والاخذ بالاساليب الاقتصادية والادارية الحديثة، ولكننا نرى ان اليابانيين قد بلغوا قمة ذلك الدرب التحديثي والحداثي حتى نافسوا بكل جدارة آباء نهضتهم الحديثة في الغرب، بينما حافظ العرب - ومصر بالتحديد- على مواقعهم القديمة!
هل المشكلة في النظام، ام البرامج التعليمية، ام في تركيبة الذهنية العربية؟
هل يمكننا النظر الى امكانية استنساخ الذهنية اليابانية او أي اجراء آخر يساعد على الافادة من تجربة ماثلة امامنا انجزت مهامها التحديثية وحافظت على مقومات تراثها وبأعقد الصور ايضاً.
هل نطالب بالمزيد من الصهر للانسان العربي ليصبح مخلصاً للوطن ومن ثم يتحول الى ياباني يبدع في الآخر تقليداً واضافة من خلال هذه العلاقة؟
اسئلة قد لا تبدو مقبولة وان كان الهدف يبرر مشروعيتها اذا اردنا تقليد تجربة اليابان المبهرة للحاق بركب الحضارة والتقنية؟
ولكن عضمية -وان لم يقصد ذلك- قد حذر من تأثير ذلك الفرن الهائل الذي ينصهر فيه اليابنيون حتى وان بلغوا تلك القمم التكنلوجية حيث يقول: لست من انصار الفوضى، ولا العبث, واعتقد ان مجتمعاً كالمجتمع الياباني يحتاج الى هامش من الفوضى، وإلا فان الامراض والاوبئة النفسية سوف تهدد بانتاج شعب عدواني، يسعى الى السيطرة على بعضه البعض او على الشعوب المجاورة ,اذن حتى الفرن الحراري التاريخي محفوف بالمخاطر وحتى الاستنساخ له عواقبه المعقدة، فماذا بقي لنا؟
لم يبق لنا إلا التركيز على تأسيس قيم الحوار الاجتماعي وتفعيل مناخات حرية الانسان المسؤولة مادام ليس امامنا أي مساحة او آلية خرافية للحاق بالركب التقني الياباني او سواه.
|
|
|