Sunday 31th October, 1999 G No. 9894جريدة الجزيرة الأحد 22 ,رجب 1420 العدد 9894


على الهامش
للأصوات وجوه 2
حسين المناصرة

وكما ذكرنا فان افتتاحية نص نجوى هاشم في كتابها للأصوات وجوه توحي بعمق التأزم من جهة كايحاء بتفرد الشخصية الرئيسة، في النص المشابه للقصة المنفتح تجنيسياً، في تلقي المعاناة بين ركام الواقع ورماديته,, ومع ذلك يبقى هناك جزء كامن للحلم بتغير الذات والعالم معا: على نحو الافتتاحيات التالية: يخيل اليك انك تقف على ناصية صباح موسم بالضوء وبدا لي ذات يوم انك مستمع جيد لي خصوصا في صمتي .
و تحلم,, تحلم بجديد يطلعك من الزمن والأشياء ولصوتها فيروز طعم الليل عندما يتمدد في عروق السهارى ولايزال المتفائلون يرون انه لابد من استعادة الثوب القديم وهل تستطيع أن تعيش خارج نطاق دائرة الآخرين؟ او هل تستطيع ان تقاوم الناس دون استثناء؟
وهكذا فان من يتتبع نصوص نجوى هاشم لاشك انه سيجد انها نصوص تتشكل في مجملها لتعيد نفسها الى نص واحد في تقنية كتابته القائمة على رؤية ذاتية للعالم بين مكنونات النفس الرافضة لاشكال الواقع المعاينة، وبين التوق الى التحرر ولو بطريقة تأملية من خلال هذا الواقع لبناء قيمة حياتية حلمية، او ان شئت فقل طوباوية على طريقة المدينة الفاضلة، حيث تحفل نهايات النصوص بقيم مثالية، تشكل الواقع في اطار المأساة، وتنظر الى الذات نظرة ليس بامكانها ان تتبلد لتتعايش مع هذا الاطار المأساوي من وجهة نظر الرؤية الرومانسية المتشكلة في اطار الواقعية النقدية والمتشككة في امكانية وجود حياة حقيقية، لاستمرارية النظرية الى الحياة بوصفها شريحة سلبية سوداء، مقابل وجود الذات المنيرة غير المتواصلة مع الآخر العالم المحيط ، وهنا وجدنا الحياة بمعنى نهر الرماد المأساة المحيطة بك كمبدع رومانسي: تختبىء نفسك بنفسك، وتجبن من ان تسمعها، وتشعر بحصار شديد يطبق عليك، ويفقدك وعيك، ويعمق مأساة هنا حولك , فهذه الفكرة التي تنهي بها الكاتبة نصها الاول تكاد تتكرر في خواتيم نصوصها كلها، ولنتأمل على سبيل المثال بعض النهايات الممتلئة بالفردية الرومانسية.
* تغادر المكان صامتا بسرعة شديدة والرعد يقصف، والبرق يزداد، والدائرة تشتد حولك، وتخنقك متكئا على بعض ماتبقى من تشابك حضاري داخلك .
* تجد نفسك وانت كالعصفور المحلق تبحث عن زوايا ارض لم تزرع فيها نفسك بعيداً عن احتفالية الصور، وتجد نفسك تفيض على نفسك في لحظة استرجاع ثقة لم تكن غائبة، بل لاتزال تشتعل كقوس قزح في دمائك .
* تجد نفسك تتفجر على مرأى من نفسك، وزمنك الاليم تتساءل: هل كنت مثالياً؟ هل انا مثالي؟ لست مثاليا كل ماهنالك انني مازلت احتفظ ببعض الاحلام التي لم تفقد الصبر!!!
* تنسجم مع ذلك الاحساس الرائع وانت تستمع بمثالية الى الصمت، وتجيد الحديث معه!
* لعل البحث لايزال قائما عن حلم يجمع الاركان الارضية,, ويوحد الشواطىء والرمال ويختصر كل ما كان في لحظة تقود الخطى الى عالم تستعيد فيه الارض اعشابها الخضراء,,
* تغلق القلم وتمزق الورق صامتا، هادئا مستكينا، مؤمنا بان ما كنت سوف تفعله، قد يفقدك توازنك، وانت في اكثر الاحتياج له .
* لتقبض على مكتسباتك الصامتة بكل اصابع حلما او حقيقة .
* تفكر قليلا، يذوب الثلج امامك، وانت تراه بعد زمن مضى حاضرا حاضرا، يركض بمن معه ومن لا يعرف نحو معالم مجهولة، وصور لايمكن ان تحدد وجها لها .
وما انا الآن؟ وما جنون الانسان المعاصر؟ وكيف يصنف المجانين؟ اسئلة تتوالى دون اجابات!!!
لم يكن القصد من حشد بعض نهايات النصوص في الكتاب تضخيم حجم الكتابة هنا، بقدر كون القراءة نفسها استدعت هذا الحشد للتأكيد على ظاهرة أساسية حكمت نص نجوى هاشم في كتابها المذكور، وهي ظاهرة تعمق النص في احتضان منولوج الذات، لذلك تشابهت النصوص في عناوينها، ومفتتاحاتها، وامتداداتها، ونهاياتها، وكأن هذه النصوص هي من انتاج لحظة شعورية نفسية واحدة مأزومة رومانسيا,, بحث تكون الذات روح الخير المعطلة، ويكون الموضوعي/ العالم المحيط جد الشر الذي عطل روحه الذات !!
وفي المحصلة النهائية، ليست كتابة نجوى هاشم سوى كتابة تحمل خاصية الكتابة العربية المتجددة التي فرضتها طبيعة العلاقة المتجددة بين الكاتب والكتابة الصحفية، وخاصة الكتابة الصحفية شبه الالزامية في عمود يومي أو اسبوعي، وانه ليس من حق أي قارىء ان يحجر على هذه النوعية من الكتابة، ويعدها حالة ارتكاس في الكتابة العربية، كما تصورها بعض النقاد الحاملين لمعيارية النقد الكلاسيكي، مغيبين مسألة خصوصية جيل ثقافي كامل انخرط صحفيا في تشكيل كتابته الذاتية المتجددة التي ليست بذات خصائص كلاسيكية تراثية، وانما هي محاولة لاحياء مدرسة ادبية رومانسية، شاعت في كتابات بعض الرواد، وخاصة في كتابات الادباء العرب المهجريين.
وعلى اية حال، فان هذا النص الجديد الشائع في سياق الكتابة الادبية الصحفية المتجددة، هو نص جلّ الكتاب المتعاملين مع الصحافة، وهو بالتالي نص له خصائصه المشتركة بين الكتاب، لعل من ابرزها ضرورة ان يكتسب هذا النص مشروعية ثقافية ناتجة عن عمق ثقافة الكاتب نفسه، كما يفترض أن تكون الكتابة متنوعة الرؤى، متنوعة التداخل مع النصوص، متعددة المستويات والاصوات، مقلة من الاستغراق في البناء الذاتي الشعوري المزاجي، كما من المفترض ان تكون الكتابة هنا ذات قوة في تقنيات الكتابة العربية، كما هي حال اللغة الادبية الفصيحة الوسطى، التي لا توغل في القدم، ولا تبتذل نفسها الى درجة التعبيرات الجاهزة الركيكة.
ولعلنا نختم نهاية بهذا المقطع الحواري باقتباس من نص عفوا تمسك بتوازنك للتدليل على جمالية انهاض اللغة الادبية في الكتابة الجديدة على اللغة المألوفة، ولكن بطريقة جمالية.
يمتد الحديث بين الحاضرات تلوكه احداهن مكررا عن فلانة وعلانة، وتلك التي غادرها زوجها فجأة بعد عشرة خمسة عشر عاماً، وتزوج من زميلة لها، دأبت على مكالمتها منذ البدايات الاولى للعمل,, يمتد الحوار، وترتفع الصيحات، ويزداد التذمر:
- لم يعد للرجال أمان!
- ومنذ متى كانوا آمنين؟
- الخيانة لم تعد تأتي إلا من اقرب الصديقات.
- عشرة، معايشة يومية، وافشاء اسرار استغلتها لمصلحتها الخاصة، ونفذت من خلالها اليه.
كلهم خونة الرجال والصديقة التي خطفت .
ثم ينتهي النص/ القصة بلحظة عبث الكتابة وهي تعبر عن هذا الواقع: تغلق القلم، وتمزق الورق صامتا، هادئا مستكينا، مؤمنا بان ما كنت سوف تفعله قد يفقدك توازنك، وانت في اكثر الاحتياج له, تصمم على ان معرفة مانفعل قد يعطل العقل .
وليس بوسعنا الا ان نعد هذه الكتابة حالة من التداعيات التي تحيل الكتابة الى حالة من التأمل النفسي المنفتح تعبيريا وجماليا وثقافياً على الحياة بمنظار رومانسي طوباوي.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
لقاء
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved