Sunday 31th October, 1999 G No. 9894جريدة الجزيرة الأحد 22 ,رجب 1420 العدد 9894


رسالة مفتوحة إلى مدير عام اليونسكو الجديد السيد ماتسورا

(1)
توضيح
في البداية، أوضح للسيد ماتسورا وللدكتور غازي القصيبي وللدكتور إسماعيل سراج الدين وللقراء الكرام أن هذه الرسالة متعددة الاغراض بشكل قد يبدو متنافراً: فهي تهنئة، وهي اعجاب بالمتنافسين الكبار الثلاثة الذين كسب السباق بينهم السيد ماتسورا, الرسالة ايضاً دعوة صريحة ومباشرة، علنية بلا مواربة، للسيد ماتسورا ولليونسكو بالالتفات العملي المستحق إلى مشروع الموسوعة العربية العالمية وتشجيعه, والرسالة - إلى كل ذلك - تحمل بعض الآراء الشخصية في عدم فوز الدكتور غازي القصيبي وفي العمل الثقافي في المشهد العالمي.
عذري في الفقرات القادمة والمتنوعة ان الرسالة حرة غير بيروقراطية تعكس وجهة نظري الشخصية، وتحاول الاخلاص للشأن الثقافي الإنساني - على اختلافات تعريفات الثقافي - الذي لم يكن في يوم من الايام احادي الغرض، سواء أُعلن عن ذلك أم لم يُعلن.
(2)
تهنئة
خالص التهنئة للسيد ماتسورا بمنصب مدير عام اليونسكو, فهو بخبراته وعلمه يستحق هذا المنصب, مع دعائي له بالتوفيق وخدمة التربية والثقافة والعلوم في جميع بقاع العالم, وحظاً وافراً للدكتور غازي القصيبي، والدكتور اسماعيل سراج الدين في كل ما يطمحان اليه، وكل منهما يستحق المنصب، ان لم نقل ان كلا من السيد ماتسورا والدكتور القصيبي والدكتور سراج الدين اكبر من المنصب من حيث امكاناتهم الشخصية وخبراتهم.
ولابد من الاشادة الخاصة بالوضوح وبالاصرار والشجاعة التي ظهر بها الدكتور القصيبي في ادارة حملته الانتخابية للمنصب رغم ان المملكة العربية السعودية كانت في احايين كثيرة عرضة لسهام التجريح غير المبرر، قبل وأثناء الحملة, وقد كانت الحملة فرصة للدكتور القصيبي لتوضيح كثير من الامور في الدوائر الخاصة والعامة, وهذه حسنة من حسنات ترشيح الدكتور القصيبي للمنصب.
(3)
عدم حصول القصيبي على المنصب
الآن وقد انجلت الهيجاء، وفاز السيد ماتسورا بجدارة واستحقاق، فإني من غير الآسفين على عدم حصول مواطني الدكتور غازي القصيبي على المنصب، لأسباب عديدة خاصة وعامة أهمها:
3 - 1 - لو فاز الدكتور القصيبي بالمنصب، فإن القراء سيخسرون كتابا ادعوه الى كتابته بكل الصراحة الممكنة عن تجربته منذ الترشيح وحتى انتهاء الانتخابات مرورا بالحقائق والاعاجيب, إن معظمنا - بعد الصخب - قد يتطلع الى قراءة اكبر قدر معرفي مشوق ومثير من جوانب (الحكاية من الداخل) كما يقولون، في تقديري ستكون تلك رواية مثيرة حقا، معلوماتية ووثائقية ذات اكثر من مغزى للثقافة وللتاريخ.
3 - 2 - لو فاز الدكتور غازي بالمنصب، لقال كثيرون ان حكومة المملكة العربية السعودية اشترت ذمم الحكومات والمؤسسات والمثقين، ودفعت فانتصر المال، والمال وحده!.
3 - 3 - لو فاز الدكتور غازي بالمنصب، فإني - شخصيا ومعي مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع (الجهة القائمة بدراسة وتنفيذ مشروع الموسوعة العربية العالمية) لن نتمكن من الالحاح على اليونسكو باقتناء عدد من نسخ الطبعة الثانية من الموسوعة العربية العالمية وتوزيعها باسمها على عدد من دول العالم النامي العربية والإسلامية الفقيرة، ومدارس وجامعات ومعاهد ومؤسسات, سيكون الامر محرجا له ولنا - كجهة ناشرة - في المملكة, اما الآن والسيد ماتسورا سيباشر عمله قريباً، فإني اكتب اليه هذا الخطاب مهنئاً وسأتصل به، واخبره - متفجعا - أن سلفه السيد فيدريكو مايور وقسم النشر في اليونسكو لم يشجعوا مشروع الموسوعة العربية العالمية، واعتذروا عن شراء اي نسخ، ولا نسخة واحدة (هل تصدقون؟)، لا من الطبعة الاولى (عام 1996م) ولا من الطبعة الثانية التي صدرت بداية عام 1999م, اخبرني قسم النشر في اليونسكو على الدوام - رغم الالحاح - انه لا ميزانية لديهم لشراء اي كتب، الا من بعض الكتب التي تسهم اليونسكو في نشرها, والأعجب ان قسم النشر في اليونسكو طلب من مؤسستنا مؤخرا نسخة على سبيل الهدية لوضعها في مكتبة اليونسكو!!.
عجباً، كيف يمكن ان تعتذر اليونسكو بميزانية النصف مليار دولار عن شراء بضعة آلاف من النسخ من مشروع رأى فيه مديرها العام السابق السيد فيدريكو مايور فور صدور الطبعة الاولى من الموسوعة (1996م) مايلي:
(إن صدور هذه الموسوعة يؤكد ان العالم العربي الإسلامي على مشارف الألف الثالثة الميلادية يستطيع ان ينجز عملاً يضاهي كبرى الموسوعات العالمية المعاصرة,, وترى منظمة اليونسكو في الموسوعة العربية العالمية دليلا على قدرات المملكة).
قاله السيد مايور في خطابه في احتفال خاص بصدور الطبعة الاولى من الموسوعة العربية العالمية (1996م)، وسعى اليه - مشكورا - الصديق الاستاذ الدكتور محمد احمد الرشيد بمقر اليونسكو بباريس بحضور اعضاء المجلس التنفيذي بعد التنسيق معنا بالرياض.
* ومع ذلك، يحلو لبعض المثقفين من ذوي الاحكام الجازمة ان يقول، بلا تمييز وبعمومية تتقصد الايذاء، إن المملكة بلد لا يهتم بالثقافة على الاطلاق!.
* ومع ذلك ايضاً، فاليونسكو تدعم وتشجع الثقافة والعلوم والفنون في جميع انحاء العالم، وبخاصة العالم النامي الذي شاء الله وشاءت الظروف والسياسات ان يكون معظم العرب والمسلمين منه!.
ليس المقام هنا مقام التعريف بالموسوعة العربية العالمية فهي عمل سمع عنه قطاع واسع من المثقفين في جميع ارجاء العالم العربي, لكنه قد يكفي القول هنا ان هذا العمل مبادرة من سمو الامير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود في 30 مجلداً (17000 صفحة، متوسط حجم المجلد 566 صفحة)، وموارده البحثية تربو على 130 الف مادة وصورة وايضاحاته وخرائطه على 18000، وشارك في انتاجه اكثر من 1000 عالم وباحث ومؤلف ومترجم ومراجع علمي ولغوي من جميع البلاد العربية وهو عمل غير مسبوق من حيث الحجم والمنهج والاغراض على الساحة العربية والإسلامية، وهو مرجع موسوعي عربي وإسلامي عالمي شامل، يتوخى النزاهة والمصداقية والشمول والتوازن والحوار البناء بين الحضارات، وهو ضروري للمدرسة والجامعة والمؤسسة والمعلمين والمثقفين، ولابد من القول ان معظم ريع هذا المشروع يمضي الى تطوير المشروع نفسه والى اعمال الخير ممثلا في مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية الجهة الممولة والمشرفة على المشروع.
ومن المهم ان يقرأ السيد ماتسورا هذا الخطاب المفتوح بعد ان يترجم له، فيرى - كما يُرجى - ومعاونوه واهل الاختصاص الذين يعنيهم الامر قيام اليونسكو بشراء آلاف النسخ من الطبعة الثانية من الموسوعة العربية العالمية لتوزيعها على مدارس وجامعات ومعاهد ومؤسسات البلاد الفقيرة مالياً في العالمين العربي والإسلامي، بالاسم الانساني الثقافي العالمي لليونسكو وأملي في سعادته كبير.
3 - 4 - لو فاز الدكتور غازي القصيبي، لزادت الحساسيات العجيبة بين بعض الحكومات العربية والإسلامية، تلك الحساسيات التي لا تسعى ولم تسع المملكة العربية السعودية في احداثها او زيادتها، ولا يسعى ولم يسع الدكتور القصيبي في نشوئها، ولا يسعى ولم يسع المواطنون السعوديون في تأجيجها.
3 - 5 - لو فاز الدكتور غازي القصيبي، فإنه سيُفتح سوقٌ امام بعض المثقفين العرب وغيرهم، وستروج الى حين بضاعة الهمز واللمز، والقدح والتسفيه، وسيصحو هؤلاء وينامون - وقد لا ينامون - على لحن واحد، وكأنه ليس في المسعى الثقافي الانساني النبيل غير هذا اللحن، لحن الاساءة وبإطلاق وتعميم، احيانا من باب التحيزات والمواقف المسبقة، واحيانا من باب الجهل، واحيانا من باب التعصب للرأي، واحيانا من باب الابتزاز، وهناك فروق بين النصح والمعارضة والنقد والمطالبة والالتزام بالمواقف الشريفة من اجل الخير والاصلاح والكمال لله وحده، وبين فتل العضلات وادعاء البطولات وتعميم الاحكام وإثارة الفتن والزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة.
(4)
هموم ثقافية أيضاً
لقد فاز السيد ماتسورا فوزا باهرا مستحقا، ولابد ان يكون كثير من المثقفين في المملكة العربية السعودية والبلاد العربية والاسلامية فرحين بذلك يدفعهم الى ذلك اعجابهم ببلاد الشمس وثقافتها وتاريخها وأدبها العظيمين والنجاح التعليمي والتقني والصناعي والمالي الذي حققته منبثقة من الدمار بعد الحرب العالمية الثانية.
وهناك عمل شاق ينتظر السيد ماتسورا، ومن المؤمل ان يرتفع صوت وفعل اليونسكو وتصبح ذات حضور فاعل اكبر في المجالات الثقافية الانسانية المتنوعة.
اليابان قادرة مالياً على كسب بعض تحديات ومتطلبات العمل الثقافي لليونسكو الذي يشغل أعلى المناصب الآن احد مواطنيها, ونحن، مع العالم، ننتظر الانجازات الجديدة لليونسكو في زمن متداخل المصالح ويحتاج اكثر من اي وقت مضى الى حوار وفعل ثقافي انساني يقوم على الاحترام والمحبة والسلام وصالح الانسان روحيا وماديا, وبطبيعة الحال فاليونسكو منظمة عالمية تحتاج الى دعم مالي ومعنوي من جميع الدول المقتدرة في العالم، وليس اليابان وحدها.
هناك في العالم اليوم فقر وحرمان ثقافي لا يقل خطورة ولا تعقيدا من مجرد محو الامية الهجائية ومحو امية الكمبيوتر، وصيانة الآثار، وهناك ثقافة عالمية جديدة تتشكل من خلال الفضائيات والانترنت, ويتوقع من اليونسكو ان تسهم في التأثير الكمي والنوعي لهذه الثقافة العالمية - مسرحا وموسيقى وسينما وادبا واعمالا علمية وابداعية اخرى - لصالح الانسان دون الاستسلام لمنطق الربحية التجارية السائدة في المساعي الثقافية, ليس من احد يجادل اليوم في سيادة مفاهيم ومنطق السوق الانتاجي الثقافي، كما انه لا يستطيع احد ان يحجر او يحارب او يمنع المنتجين والمستهلكين من النظر والتعاطي مع الاعمال الثقافية كبضاعة، كما لا ينبغي مصادرة حرية الانتاج والاستهلاك، لكن الذين فرقوا بين الثقافة والاقتصاد والسياسة كانوا مخطئين، بقصد وبغير قصد.
ولعل اليونسكو تتوجه بمزيد من الواقعية والحزم نحو مزيد من الانتاج الثقافي وتوزيعه في العالم باسعار مالية مشجعة تغطي التكاليف، وتضمن استمرارية وتنوع الانتاج الراقي شكلا ومضمونا، هناك احتمالات اعمال عديدة اكثر عددا وتنوعا مما انتجته ورعته اليونسكو حتى الآن يمكن تبنيها ودعمها في عالم النشر والموسيقى والمسرح والسينما والفنون الأخرى والعلوم والتربية, ويحتاج هذا الى ميزانيات هائلة ودراسات وتخطيطات ومتابعات واشراف وهو صعب التنفيذ لاسباب عديدة، لكن اليونسكو - مع ذلك - قادرة على الابتكار وانجاز عمل غير قليل في هذا المجال المليء بالتحديات, لابد من رؤية جديدة، ولابد من فعل جديد وتعامل واقعي مع ما يموج في المشهد الثقافي العالمي - الذي هو واحد ومذهل التنوعات - وما ينطوي عليه من روائع وانجازات ممتازة، وما ينطوي عليه ايضاً من عنف وفوضى وفقر وحرمان ثقافي انساني لملايين البشر، الثقافة الجادة الرفيعة مطلب حضاري لحماية الوجود الثقافي النبيل لسكان الكوكب، وهو وجود ثقافي انساني واحد رغم الخصوصيات والتنوعات والفروقات البادية على السطح فقط.
كما هو معلوم، لا يستطيع احد او منظمة او دولة ولا مجموعة دول مهما كان شأنها ان يخطط لمظاهر وتشكلات الثقافة العالمية بالقلم والمسطرة ووضع الاهداف وبرامج العمل، فقضايا الثقافة وتشكلاتها اكثر تعقيداً كما يعلم المختصون, لكن المطلوب في هذا الخضم العالمي المائج هو مزيد من الخدمة الثقافية والنبيلة والمخلصة للانسان، بأسعار زهيدة لملايين البشر المحرومين، دون املاءات قسرية، سياسية او حضارية.
إني واحد من الذين ينتظرون من اليونسكو بقيادة السيد ماتسورا عملاً كثيراً ومتنوعاً وفاعلاً ملموساً.
للسيد ماتسورا ومعاونيه وكبار المسؤولين في اليونسكو خالص التحية.
* رئيس مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع ومدير عام مشروع الموسوعة العربية العالمية

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
لقاء
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved