Sunday 31th October, 1999 G No. 9894جريدة الجزيرة الأحد 22 ,رجب 1420 العدد 9894


عبقريات العقاد بين المتن والإسناد
الحلقة رقم 83
صالح بن سعد اللحيدان

وقال الإمام ابن الجوزي في كتابه: الموضوعات: (واعلم أن حديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم - منه - وقلبه) ص103 وفيها أورد: (قال الأوزاعي: كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابه كما يعرض الدرهم الزائف، فما عرفوا منه أخذنا وما أنكروا منه تركنا).
وقال قبل ذلك من كلام نفيس في ص30/31: (ولتكريم هذه الأمة اسباب هيأها الله عز وجل لها وأكرمها بها منها: وفور العقل وقوة الفهم وجودة الذهن، وبهذه الأشياء تعرف وجود الصانع، ويظهر دليل التوحيد ونفي المثل والشبه، وبذلك ينال العلم ويخلص العمل، ولماعدمت هذه الاصول عند عامة بني إسرائيل قالوا (إجعل لنا إل هاً كما لهم آلهة) ولقوة أذهان أمتنا قدرت على حفظ القرآن، وقد كان من قبلهم يقرأ كتابه من الصحف، وبقوة الفهم تلمحوا العواقب فصبروا على الجهاد وذلوا النفوس، وقد عرضت لمن قبلنا غزاة فقالوا (اذهب أنت وربك فقاتلا) وفضائل أمتنا وما ميزت به كثير إلا أن من أعجب ذلك حفظ الله عز وجل لكتابنا عن تبديل قال الله عز وجل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فما يمكن تبديل كلمة منه وقد بدلت الكتب قبله، ومن ذلك ان سنة نبينا صلى الله عليه وسلم مأثورة بنقلها خلف عن سلف ولم يكن هذا لأحد من (الأمة قبلها) الأمم، ولمالم يكن أحد ان يدخل في القرآن شيئا ليس منه أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقصون ويبدلون ويضعون عليه ما لم يقل فأنشأ الله عز وجل علماء يذبون عن النقل ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح، وما يخلي الله عز وجل منهم عصراً من العصور غير ان هذا النسل قد قل في هذا الزمان فصار أعز من عنقاء مغرب)، ثم أورد ما كنت قد نقلته من قبل يقول في ص31/32 (وقد كان قدماء العلماء يعرفون صحيح المنقول من سقيمه، ومعلوله من سليمه ثم يستخرجون حكمه، ويستنبطون علمه، ثم طالت طريق البحث من بعدهم فقلدوهم فيما نقلوا، وأخذوا عنهم ما هذبوا، فكان الأمر متحاملا إلى أن آلت الحال إلى خلف لا يفرقون بين صحيح وسقيم، ولا يعرفون نسراً من ظليم ولا يأخذون الشيء من معدنه، فالفقيه منهم يقلل التعليق في خبر حدثنا خبر خبره، والمتعبد ينصب لأجل حديث لا يدري من سطره، والقاص يروي للعوام الأحاديث المنكرة).
ولا بأس من أن أنظر في مقدمة الامام ابن حجر التي اودعها كتابه (تقريب التهذيب) فإن هذه المقدمة العلمية ذات ميزات عالية لا أظن أحداً ممن يشتغل بالعلم والتحقيق والدرس والفتيا والقضاء والتاريخ والأدب إلا وهو بحاجة إليها ينظر حال السلف كيف كان أمرهم من الشدة والورع والتأني والبصيرة حتى وقفوا على الأسانيد وأحوال الرواة حتى يصح لديهم الأثر أو حتى يظهر ضعفه فيأخذ به العلماء ومن ذكرناهم او هم يتركونه، وعلم الرجال اصل مهم لان الرجال هم سلسلة السند المؤدي إلى المتن.
يقول غفر الله تعالى لي وله: (أما بعد فإنني لما فرغت من تهذيب الكمال في أسماء الرجال الذي جمعت فيه مقصود التهذيب لحافظ عصره ابي الحجاج المزي من تمييز احوال الرواة المذكورين فيه وضممت إليه مقصود إكماله للعلامة علاء الدين مغلطاي مقتصراً على ما اعتبرته عليه، وصححته من مظانه من بيان احوالهم ايضا وردت عليهما في كثير من التراجم ما يتعجب من كثرته لديهما ويستغرب خفاؤه عليهما ووقع الكتاب المذكور من طلبة الفن موقعا حسنا عند المميز البصير إلا انه طال إلى ان تجاوز ثلث الاصل، والثلث كثير، فالتمس مني بعض الاخوان ان اجرد له الاسماء خاصة فلم اوثر ذلك لقلة جدواه على طالبي هذا الفن.
ثم رأيت ان اجيبه إلى مسألته وأسعفه بطلبته على وجه يحصل مقصوده بالافادة ويتضمن الحسنى التي اشار إليها وزيادة وهي انني احكم على كل شخص منهم بحكم يشمل اصح ما قيل فيه وأعدل ما وصف به بألخص عبارة وأخلص اشارة بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالبا يجمع اسم الرجل واسم ابيه ومنتهى اشهر نسبته ونسبه وكنيته ولقبه مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف، ثم صفته التي يختص بها من جرح او تعديل، ثم التعريف بعصر كل راو منهم بحيث يكون قائما مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه إلا من لا يؤمن لبسه وباعتبار ما ذكرت انحصر الكلام لي على احوالهم في اثنتي عشرة مرتبة: وحصر طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة فأما المراتب:
فأولها : الصحابة فأصرح بذلك لشرفهم.
الثانية: من أكد مدحه - إما بالفعل كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظا: كثقة ثقة، او معنى كثقة حافظ.
الثالثة: من أفرد بصفة كثقة، او متقن، او ثبت، او عدل.
الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلا وإليه الاشارة: بصدوق، أو لا بأس به: أو ليس به بأس.
الخامسة: من قصر عن (الرابعة) قليلا وإليه الإشارة: بصدوق سيىء الحفظ، او صدوق يهم او: له اوهام، أو يخطئ: او تغير بآخرة، ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة كالتشيع، والقدر، والنصب، والارجاء والتجهم مع بيان الداعية من غيره.
السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الاشارة بلفظ: مقبول حيث يتابع وإلا فلين الحديث.
السابعة : من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الاشارة بلفظ مستور، أو مجهول الحال.
الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الاشارة بلفظ: ضعيف.
التاسعة: من لم يرو عنه غير واحد ولم يوثق وإليه الاشارة بلفظ: مجهول.
العاشرة: من لم يوثق البتة، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الاشارة بلفظ متروك، او متروك الحديث أو واهي الحديث او: ساقط.
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب والوضع.
وأما الطبقات:
فالأولى: الصحابة على اختلاف مراتبهم وتمييز من ليس له منهم إلا مجرد الرؤية من غيره.
الثانية: طبقة كبار التابعين كابن المسيب فإذا كان مخضرما صرحت بذلك.
الثالثة: الطبقة الوسطى من التابعين: كالحسن وابن سيرين.
الرابعة: طبقة تليها جل روايتهم عن كبار التابعين كالزهري وقتادة.
الخامسة: الطبقة الصغرى منهم، الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش.
السادسة: طبقة عاصروا الخامسة لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج.
السابعة: كبار اتباع التابعين كمالك والثوري.
الثامنة: الطبقة الوسطى منهم كابن عيينه وابن عالية.
التاسعة: الطبقة الصغرى من اتباع التابعين كيزيد بن هارون والشافعي وابي داود الطيالسي، وعبدالرزاق.
العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الاتباع ممن لم يلق التابعين كأحمد بن حنبل.
الحادية عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك كالذهلي والبخاري.
الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الاتباع كالترمذي.
والحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة الذين تأخرت وفاتهم قليلا كبعض شيوخ النسائي وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم فإن كان من الاولى والثانية فهم قبل المائة، وان كان من الثالثة إلى آخر الثامنة فهم بعد المائة وان كان من التاسعة الى آخر الطبقات فهم بعد المائتين ومن ندر عن ذلك بينته, أ,ه.
وهذا من الامام ابن حجر جليل القدر عالي القيمة وان كنت قد خالفته في الطبقات في كتابي كتب تراجم بين الجرح والتعديل إلا انه قد بعد غوره وصعب مرقاة وبان فهمه فأجاد وأفاد.
ومثله فعل او تعداه: البخاري، وابن ابي حاتم، وابن سعد والمزي وسواهم من كبار علماء هذه الامة في: تأصيل: علم الحديث/ والرواة/ والجرح والتعديل/ والاحكام.
فهل يصح في العقل السليم ان ينقل احد ما رواية أو خبراً او أثراً من (الأغاني) أو (العقد الفريد) أو (مروج الذهب) مثلا.
أو ينقل من (الفتنة الكبرى) أو (علي وبنوه) أو (على هامش السيرة) أو (فجر الاسلام) أو (ضحى الاسلام) أو (محمد رسول الحرية) أو (حياة محمد) مثلا.
هل يصح ان ينقل احد ما دون العلم بحقيقة صحة او ضعف الرواية أو الخبر دون العودة إلى مثل ابن حجر للحكم على السند من خلال معرفة حال الراوي الوارد ذكره في هذه الرواية او تلك، او دون العودة إلى ذوي الاختصاص في علم الحديث رواية ودراية خاصة (الجرح والتعديل) لا جرم ان لم تكن شنشنة معروفة من اخزم فهي جهل وتسويد بياض وكلاهما شر ونقب هل ترى من محيص، وأبصر فسوف يبصرون.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولـــــــــــــــى
محليــــــــــــــات
مقـــــــــــــــالات
المجتمـــــــــــــع
الفنيـــــــــــــــــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
لقاء
تقارير
عزيزتـي الجزيرة
ساحة الرأي
الريـــــــاضيــــة
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved