ما مدى علاقة الكاتب بقلمه؟ نعلم ان بعض الكتاب لديهم طقوس خاصة للكتابة وهنالك من يفضل قلم الرصاص وبعض آخر يفضل القلم ذا اللون الأزرق أو الأخضر، وحسب معلوماتي الخاصة ان الآلة الكاتبة لم تنافس القلم لعدم تعود أغلب الكتاب العرب على استخدامها للطباعة أولاً ولتغير مواقع الحروف في اغلب الطابعات، حاليا ومع وجود الحاسب الآلي والبرامج الحديثة للنسخ تغير الحال تماماً مما حدا بأغلب الكتاب إلى الاستغناء عن الاقلام والتوجه مباشرة إلى لوحة المفاتيح وطباعة ما يرغبون كتابته مباشرة ليريحوا الآخرين من معاناة قراءة كتاباتهم وبالذات إذا كان خطهم رديئاً وليصححوا وينقحوا كتاباتهم دون عناء، إذاع فالقلم فقد كثيرا من البريق، ما دفعني للتحدث عن ذلك، المزاد الذي اقامته قناة راديو وتلفزيون العرب وقدمته هالة سرحان - أعان الله المشاهدين على خفة دمها - بتنظيم من (الفاو) منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة في تمويل برنامج (تليفود) لمكافحة الجوع في العالم والذي اعلنت فيه بأنها جمعت حوالي عشرة ملايين دولار.
في هذا المزاد اشترى احد رجال الاعمال السعوديين منديل سيدة الغناء العربي أم كلثوم بخمسة ملايين دولار، واشترى رجل اعمال سعودي آخر قلم الكاتب الكبير نجيب محفوظ بستة آلاف وستمائة وخمسين دولارا، للأسف لا اعرف ما مدى قيمة ذلك القلم ليصل لذلك المبلغ الكبير وهنا أناشد جميع الكتاب بالابقاء على جميع الاقلام التي يستخدمونها لانها ثروة وقد تباع في مزاد علني مماثل بمبالغ خيالية تفوق قيمة منديل الست، وان لا يفعلوا كما فعل شيخنا الفاضل أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري عندما اهدى قلمه للدكتور أمين سليمان سيدو كعنوان صداقة والذي أعلن عن ذلك بكل صراحة الدكتور أمين في مقدمة كتابه الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا: حياته ومصنفاته وما كتب عنه الصادر عن سلسلة كتاب الرياض، حيث يقول في الاهداء (إلى الذي وهبني قلمه ذات يوم عنوان صداقة,, وتعلمت منه كيف يكون العلم متعة,, وكيف تكون الكتابة لوحة فنية نطرز عليها إبداعاتنا,, إلى شيخي العزيز أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري - متعه الله بالصحة والعافية - اهدي هذا العمل).
الثري الذي اشترى قلم نجيب محفوظ كان بهدف المساهمة في مكافحة الجوع في العالم - جزاه الله خيراً- قد يمثل له هذا القلم احدى المقتنيات النادرة ولا يخرج عن كونه تحفة فنية انتهى فعلها الفكري والثقافي، بمعنى ان هذا القلم لن يخط عملا ابداعيا آخر يوازي او يقترب من الثلاثية او زقاق المدق او خان الخليلي، اما قلم شيخنا أبي عبدالرحمن بن عقيل فستبقى روحه متقدة لاسيما وان من اقتناه رجل عرف بدأبه على البحث والكتابة ويكفي انه اثرى المكتبة بعدد من الدراسات المتخصصة في مجال المكتبات وبالذات الضبط الببليوجرافي وكتاب الشيخ الرئيس ابو علي ابن سينا الذي يحمل الاهداء، يمثل مرجعا مهما لكل باحث فبالاضافة إلى الترجمة المختصرة لحياة ابن سينا فهنالك رصد للمؤلفات التي اتفق الباحثون على صحة نسبتها إلى ابن سينا وقد توقف عند مؤلفاته متمثلا بالقانون في الطب أنموذجاً، بعد ذلك قدم قائمة ببليوجرافية بآثار ابن سينا المطبوعة ورصداً عن ابن سينا في آثار الدارسين باللغة العربية عبر الدراسات الخاصة والعامة وأخيراً المستشرقين وابن سينا، وهنا تحول حديثا من القلم إلى الكتاب لاننا نتفق بأن القلم وسيلة ولكن البقاء للكتاب وقيمة القلم مرهونة بقيمة اليد التي تمسك به لتوقع على شيك يساهم في محاربة الجوع او لتخط مسودة كتاب يحارب الجهل وكلاهما من اشد أعداء البشرية.
E-mail:aalsagabi * suhuf.net.sa
|