عولمة الاعلام او الاعلام المعولم تعني في ابسط معانيها التدفق الحر وغير المحدود او المقيد بأجهزة الرقابة لكل من الاخبار والمعلومات والآراء ومواد التسلية والترفيه، ويرى انصار الاعلام المعولم ان مثل هذا التدفق الهائل بين الدول بدون رقابة سياسية او دينية او اخلاقية سيسمح ولاول مرة في التاريخ بتتويج الجمهور ملكا على امبراطورية الاعلام والمعلومات.
فالجمهور المتلقي لوسائل الاعلام والمعلوماتية سيكون من حقه اختيار مايراه او يقرأه او يستمع اليه بحرية مطلقة، لكن مثل هذا التطور يحتاج الى مراجعة,, فامبراطوية الاعلام لن يحكمها الجمهور وستظل الشركات متعددة الجنسيات، وبعض الشخصيات الاسطورية في عالم الاعلام هم الملوك المسيطرون.
صحيح ان تكنولوجيا الاتصال عندما حققت الاندماج والتكامل مع تكنولوجيا المعلومات وفرت فرصا غير محدودة امام الجمهور للانتقاء بين وسائل الاعلام التقليدية صحف - اذاعة- تليفزيون والحديثة او غير التقليدية البث الفضائي الرقمي - اجهزة الكمبيوتر، وشبكات المعلومات، والصحافة الالكترونية - والوسائط المتعددة ، لكن هذه التعددية والخيارات المفتوحة لا تعني التدفق الحر للمعلومات وحرية التلقي، فهناك فارق بين الحق في الاتصال، والقدرة على ممارسة هذا الحق من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالمعلومات والمضامين والبرامج اصبحت سلعا تباع، كما ان استخدام وسائل الاعلام والمعلومات غير التقليدية مثل شبكة الانترنت يتطلب مستوى اجتماعيا وتعليميا لا يتوافر لاغلبية المواطنين في العالم، خاصة في ظل اتساع الفوارق الاجتماعية بين الطبقات داخل الدول الصناعية المتقدمة وداخل دول الجنوب، وكذلك بين الدول الصناعية ودول الجنوب نتيجة الآثار والتداعيات السلبية لعولمة الاقتصاد, وتجدر الاشارة الى ان النمو المتحقق في الولايات المتحدة كان في صالح الخمس الثري من المجتمع الامريكي، كما ان 20% من دول العالم هي الاكثر ثراءً وتستحوذ على 845,2 من الناتج الاجمالي للعالم، وعلى 84,2% من التجارة الدولية، ويمتلك سكانها 85,5% من مجموع مدخرات العالم.
والاشكالية ان تعددية وسائل الاتصال والمعلومات على ارضية الانقسام الاجتماعي والثقافي من الممكن ان تعمق من هذا الانقسام لصالح الطبقات والفئات المهيمنة.
على مستوى آخر يدور جدل ونقاش حول حقيقة توسيع الخيارات المتاحة للجمهور وآثار عولمة الاعلام حيث يرى فريق من الباحثين ان التعددية والوفرة في وسائل الاتصال خاصة قنوات التليفزيون وماتقدمه من برامج ومضامين لا تقدم تنوعا حقيقيا، وقد ناقش ممثلو النموذج النقدي هذا الموضوع تفصيلاً، واشاروا الىان آلية التركيز والتكامل الرأسي في ملكية وسائل الاعلام سيجعل هناك اقلية تسيطر على انتاج المضامين والصور مما سيقلص فرص التنوع الحقيقي، كذلك فقد شكك ممثلو النموذج النقدي في امكانية وجود المتلقي النشط القادر على الاختيار الواعي والعقلاني بين مايقدمه من مضامين وبرامج وصور يغلب عليها الترفيه، او العنف او الجنس.
وكان ممثلو النموذج النقدي وكثير من الليبراليين قد انتقدوا الروح التجارية والسوقية التي سيطرت على منتجات الثقافة والاعلام، لكن من الواضح ان هذه المساهمات النظرية لم توقف تيار الثقافة الشعبية او بالاحرى ثقافة الاستهلاك وعمليات التضليل المنظم والتسطيح الفكري، من هنا يخلص فريق من الباحثين الى القول ان عولمة الاعلام تساهم في زيادة وانتشار ثقافة الاستهلاك والتسطيح الفكري على المستويين المحلي والعالمي.
في المقابل يرى فريق من الباحثين ان عولمة الاعلام تحمل امكانيات ورهانات متعددة بشأن المستقبل، فمن الممكن في ظل انخفاض اسعار تكنولوجيا الاتصال والمعلومات التسليم بفرضية وجود متلق نشط، او على الاقل متلق له دور في اختيار وسائل الاتصال والمعلومات، وانتقاء ما يتعرض له من منتجات ثقافية واعلامية وترفيهية، ولقد اظهرت عديد من البحوث دور المتلقي في بناء وتفسير معاني الرسائل الاعلامية التي يتعرض لها،وخلصت العديد من البحوث الى ان التأثير الاعلامي هو عبارة عن عملية مقسمة بالتساوي بين منتج الرسائل والمتلقي، والذي يختار وسائل الاتصال ويتفاعل معها في اطار الثقافة التي ينتمي اليها.
وهناك فريق ثالث من الباحثين يراهن على تطور تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، وانخفاض تكلفة امتلاكها واستخدامها بما يسمح بدعم حقوق الاتصال للجماعات الصغيرة وللاقليات داخل المجتمعات، من خلال ايجاد اعلام موازي او مقاوم لاعلام الحكومات ولاعلام الشركات الاعلامي العملاقة متعددة الجنسية، ولا شك ان مثل هذا الرهان يرتبط اساسا بمدى تطور المجتمع المدني، والاقرار بوجوده ودوره كطرف فاعل في بيئة النظام الاجتماعي.
والمعضلة ان الجدل والنقاش يبدو نظريا في كثير من الاحيان حيث يستند الى عدد محدود من الدراسات والبحوث الميدانية، والتي تفتقر الى مدخل التحليل الثقافي المقارن او الدراسات عبر الثقافية بين اكثر من مجتمع، من هنا نخلص الى القول بأهمية التعامل مع عولمة الاعلام وتوسيع الخيارات والبدائل الاعلامية المتاحة امام الجمهور بدون مواقف نهائية مسبقة، ومحاولة النظر الى الموضوع كاحتمالات او فرص خاصة بالرهان على مستقبل عولمة الاعلام، بالاضافة الى اجراء مزيد من البحوث الميدانية التي ينبغي ان تقوم بها منظمات ذات طابع دولي كاليونسكو وذلك لتجنب تأثير الشركات الاعلامية العملاقة.
* استاذ الإعلام بجامعة عين شمس ومدير مكتب الجزيرة بالقاهرة