عزيزتي الجزيرة,.
سلام من الله ورحمته وبركاته وبعد,.
كتب الاخ الشاعر عايش مسلط المطيري قصيدة رائعة بمعناها وسمت بمعاناة شايب احتواها ملحق تراث الجزيرة يوم الجمعة 13 من رجب 1420ه العدد 9885 جاءت قصيدته بأبياتها العشرة بصورة حية مباشرة صورت جانبا من جوانب حياة شريحة غالية في المجتمع تعتبر ماضيا لحاضرنا اولئك هم كبار السن من آباء واجداد انهكتهم السنون مما جعلهم ينتظرون العطف والحنان ممن حولهم، قريبا كان ام بعيدا، وفي الحقيقة قرأت القصيدة فنقلتني بين احداث صورة واضحة جعلتني اشعر بمشاعر اولئك الشيوخ الذين رجعت بهم السنون الى الضعف من بعد القوة.
وبداية لي وقفة مع العنوان وبالاخص كلمة شايب وجمعها شياب وهي تطلق على الرجل الكبير مأخوذة من صفة من صفاته هي الشيب اي بياض الشعر شعر الرأس والوجه قال تعالى: قال رب اني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا مريم اية 4 وقال تعالى: فكيف تتقون ان كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا المزمل اية 17.
وقال الشاعر:
عيرتني بالشيب وهو وقار فيا ليتها عيرتني بما هو عار |
ووردت في القرآن الكريم بمعنى الشيخوخة والهرم في سورة الروم الاية 54 قال تعالى: ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ولعل الكثير من كبار السن لا يرضى بهذه التسمية ولا يطمئن لها فمن الافضل والاحسن ومراعاة لمشاعرهم ان نطلق عليهم لفظة شيخ لورودها في عدد من المواضع من القرآن الكريم قال تعالى: قالت يا ويلتي أألد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا,, سورة هود اية 72.
وقال تعالى: قالوا يا ايها العزيز ان له ابا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه,, سورة يوسف الاية 78 وقوله تعالى: قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ كبير سورة القصص آية 23.
والانسان اذا وصل هذه المرحلة من حياته فيعني انه في ايامه الاخيرة يعاشها ويعيشها ان قدر له بلوغها يقول عز من قائل : هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا اجلا مسمى ولعلكم تعقلون الاية 67 من سورة غافر.
وبعد هذا الاستطراد حول لفظة شايب وما يحسن ان نطلقه على اولئك الرجال الذين ينتظرون منا كل تقدير واحترام واجلال نخوض في احداث الصورة التي عكسها الشاعر في ابياته عن حياة رجل شارف على التسعين سنة، ذاق مرارة الكبر وهوان الهرم والشيخوخة وما يتخللها من امراض فقال:
شايب سني كبير وباح مكنوني قربت تسعين عام وماشي فيها |
ومعلوم لدى كل بصير ما تخلفه تلك السنون من ضعف على ذلك الجسد الهزيل الذي عصرته الايام وشربت قوته فما برحت ان خلفته ضعيفا هزيلا يتجرع امراض الكبر واكثرها اصابة:
1- ضعف الاطراف وخصوصا القدمين فما تستطيع ان تحمله قدماه فيهرع الى العصا وقد لا تسعفه العصا فيحتضنه الفراش باقي ايامه.
2- ضعف الحواس السمع والبصر فلا يسمع الا بالصياح ويغشى بصره ضباب دامس او سراب لا ينقطع فلا يقدر على تدبير نفسه بنفسه حيث انه يفتقر الى معين يرشده ويوصله لمراده فيقول الشاعر في هذه الصورة:
والرجل ثقلت خطاها ما يشيلوني والشوف بالعين راح وما يفديها |
وهذه اوضح صورة لما يصيب الانسان في كبره اذ تثقل خطاه فلا تطيق رجلاه حمله وان مشى فبثقل وتثاقل وكذلك يسألك من انت وانت امامه ولكنه يراك فلا يميزك لضعف بصرة ومَن هذه حاله فهو بحاجة الى زيادة عطف وزيادة حنان ليتخطى الحالة النفسية التي لها الاثر الكبير في الشد من ازره والوقوف بجانبه ليشعر بالراحة والامان وان هذا الامر مطلوب من الجميع فمن يأنس بقربهم ويحب ان يجالسهم وهم:
1- الاولاد: فزيارتهم له وتلطفهم معه وسؤالهم عنه واعتناؤهم به من البر والاحسان ومن اشد ما يطيب خاطره ويقوي عزائمه وتخليهم عنه وابتعادهم يذيقه المرارة والشدائد فيقرب الشاعر هذه الصورة بقوله:
وعيالي اللي يجون ولا يمروني هم ما دروا عن ليالي ذقت صاليها |
2- اهل البيت الذين عاشوا معه على الحلو من الحياة وصبروا على مرها فينتظر في مرحلته هذه المزيد من الخدمة والمزيد من الرعاية والمزيد من الوقفة فكيف اذا حصل له من الصد والهجران فما حاله مع اهل بيت تركوه جانبا لا يعتنون به ولا يهتمون بشأنه لا لذنب ولكن لكبر سنه فيقول:
وان جيت ابجلس مع اهل البيت كبوني عشان سني كبير الله يجازيها |
2- الاقارب والجماعة ممن كانوا يبادلونه الزيارة فيأنس بهم ويأنسون به ان زاروه فتح لهم بابه وحياهم وتحفى بهم وان زارهم قابلوه بالمثل واحسن ولكن هذه صورته بعد ما كبرت سنه واصبح لهم ولقربهم احوج منه في السابق فقال الشاعر:
حتى الجماعة نسوني ما يزوروني اللي منول على البيبان احييها |
4- الناس من حوله: ماذا هيئوا له من رعاية؟ وماذا قدموا له من اهتمام؟ اغلبهم لا يعبؤون به ولا يبغونه ولا يجالسونه, ليس هذا فحسب بل يصفونه بأوصاف يكرهها كما يفعله بعض الجهلة من مثل لفظة شواكيش وغيرها من الالفاظ المدمية للمشاعر بدماء الحزن والاسى والتي ليس لديه تجاهها الا الصبر وتعزية النفس, يقول الشاعر في هذه الصورة:
مدري علام العرب ما عاد يبغوني اصبر واعذل على نفسي واسليها |
وبعد هذه الصورة المبكية لشيخ طاعن في السن شارف على التسعين يقف معاتبا المجتمع ككل بعتاب رقيق جلى فيه حقيقة من الحقائق التي نعيشها في هذا الزمان ألخصها بما يلي:
1-من ليس له ماض فلا حاضر له وان العز الحاضر اكتسب بعد الله بعز الماضي فقال:
وآخر كلامي تراني شاب واوحوني شيابكم عز حاضرها وماضيها |
3- كانت الحقيقة التي واجه المجتمع بها هي حقيقة الكثير من الشباب هداهم الله الذين تهافتوا على لذائذ الدنيا وملذاتها وتمرغوا في حطامها واوحالها فاشغلوا انفسهم بسفاسف الامور وابتعدوا عن معاليها ومنهم من لم يكفه ضياع نفسه فسعى الى ضياع غيره وايذاء عباد الله وتتبع عوراتهم ومنهم من استهان بامر الصلاة ويسهر الليل وينام النهار مضيعا للصلاة في اوقاتها فهل بمثل هؤلاء الشباب نسيتم شيابكم؟فقال في ختام صورته:
وشبابكم فيه عزة نفس يا عيوني لا شاف حرمة مع الشارع يباريها وليا نصحته يشوفلها شخص مجنوني وصلاة ربي ينام ولا يصليها والمعذرة يا شباب ولا تلوموني من واقع التجربة شفنا بلاويها |
ان هذه الصورة التي نظمها الشاعر بأبياته لينقل من خلالها ما يعانيه ويتكبده كبير السن من جحود واهمال ومن اقرب المقربين اليه.
أكبر السن يجعل الناس اعداء؟
انه من الخلق بل ومن المروءة والكرم ان يقابل بالرعاية والاهتمام والاحترام ردا للجميل واحسانا اليه وقبل هذا امتثالا لامر الشرع وطمعا بما عند الله من الاجر واليك بعض الاحاديث الحاثة على تقدير واحترام من كبرت سنه وبلغ من العمر عتيا:
* عن ابي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من اجلال الله تعالى اكرام ذي الشيبة المسلم .
* وعن عمر بن شعيب عن ابيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا .
* وعن انس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اكرم شاب شيخا لسنه الا قيض الله له من يكرمه عند سنه .
وحول كبار السن نسمع في بعض المدن اهتماما كبيرا بهذه الشريحة ذات الحق الكبير علينا فخصصت الاماكن لهم كي يجتمعوا فيها ويقضوا اوقاتا سعيدة مع اقرانهم.
ونسمع ايضا في كثير من المدن عن بيوت الشباب المعدة لاستقطاب الشباب واستثمار اوقاتهم فهل نسمع يوما بيوتا للكهول تعنى بكبار السن تستثمر اوقاتهم فيروحون عن انفسهم بما ينفعهم من تعدد الانشطة مثل اقامة الامسيات الشعرية او محاضرات وعظية او دروس علمية تعليمية يستفيد منها كبار السن وتكون بمثابة رد الجميل لهم, فنداء للجميع من مسؤولين وتجار وكبار رجال الاعمال ومن يحرص على هذه الشريحة بالالتفات لمثل هذه المشاريع التي تعمل على راحة آباء واجداد لهم علينا حق عظيم فاعملوا وابذلوا من اجل كبار السن والله لا يضيع عمل عامل منكم.
وفق الله الجميع لمرضاته وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام.
عبدالمحسن المنيع
الزلفي