تمر بنا كثير من الأحداث والمواقف والأخبار، ويختلف وقع كل منها على كل منا، حسب قربنا وبعدنا وارتباطنا بذلك الحدث أو الموقف أو الخبر، وفي الصحف المحلية قرأت الخبر كما قرأه غيري من آلاف القراء، ولكن وقعه علي بالتأكيد لم يكن كوقعه على غيري إذا استثنينا المعنيين مباشرة بالموضوع!! وقع الخبر علي كان كمن صدم بشيء ما!! بخبر صاعق أصيب به حبيب! وفي الحقيقة ورغم اندفاعي وتسرعي في بعض الأمور إلا أنني أجد نفسي أحياناً عاجزة عن التعبير تجاه بعض المواقف، فأقف ملتزمة الصمت لبعض الوقت الذي قد يطول أو يقصر.
قرأت الخبر وأشعرني بخيبة أمل كبيرة، ذلك أن وزارة الشؤون الإسلامية لجأت إلى الاستعانة بغير معهد الإدارة العامة لإعداد استشارة تنظيمية لقاء مبلغ يقارب المليون ريال وتمنيت لو استخدمته في شؤون أخرى ما أوسع مجالاتها.
وقفت كثيراً عند الخبر بحكم الولاء ليس لمعهد الإدارة العامة فحسب ولكنه وبالدرجة الأولى ولاء للوطن الذي مازال يبذل بسخاء رغم الظروف الاقتصادية الصعبة لتعزيز المعاهد والمراكز الحكومية المتخصصة لتقوم بمهامها على أكمل وجه وبأيد سعودية متخصصة.
ثم قرأت في اليوم التالي ما أثلج صدري- رغم الجرح القائم طالما المسبب مازال قائماً- ما كتبه الدكتور عبدالله الفوزان على الصفحة الأولى من جريدة الجزيرة العدد رقم 9872 الصادر يوم الأحد 29/جمادى الآخرة/ من العام الحالي.
وهدأت من روع نفسي عندما علمت بأن هناك من استنكر وتشره كتابة تحت عنوان شرهتنا كبيرة يا وزارة الشؤون الإسلامية مثلما تشرهت، وعتبت وحزنت وتألمت!! وأحسست بكثير من المشاعر التي يصعب تجسيدها بالكلمات، وطمأنت نفسي بأن هناك من يقدر الجهد الكبير الذي يبذل في معهد الإدارة متمثلاً في نشاطاته المختلفة (التدريب والبحوث والاستشارات و التوثيق الإداري) المعهد الذي يؤدي تلك النشاطات بواسطة كوادر سعودية مؤهلة ومتخصصة مستخدماً أحدث الوسائل التقنية في الداخل والخارج للتزوّد بكل ما هو جديد لخدمة تلك النشاطات، ويبتعث منهم أعداداً متتابعة لتغطية الاحتياج في التخصصات المختلفة.
وفي ذات الجريدة التي عودتنا على إعطاء مساحة كبيرة من الحرية للرأي والرأي الآخر، قرأت في اليوم التالي - وهو عدد يوم الاثنين على صفحة عزيزتي الجزيرة - مقالا غمني وهمني وأوجعني في الصميم عنوان المقال هو القطاع الخاص أكثر ابداعاً وأقل تكلفة بقلم الدكتور ابراهيم الغفيلي وتأكدت من شيء واحد بعد اكمالي لقراءة المقال، فالدكتور ابراهيم الغفيلي لا يعلم شيئا عن معهد الإدارة العامة ومستواه المتميز بشهادة الجميع.
ودهشت أنا لدهشتك يا دكتور ابراهيم حين ذكرت أنك علمت من خلال الانترنت كم هو كبير حجم استعانة الاجهزة الغربية بالمؤسسات والشركات الاستشارية في القطاع الخاص, الخ، فهل فاتك الاطلاع على جرائدنا ومجلاتنا وندواتنا ولقاءاتنا المحلية وقنواتنا التلفزيونية والإذاعية ومطالبة مسؤولينا وتوجيهات ولاة الأمر فينا التي تدعو وتناشد بالسعودة حين تجب، وبالترشيد في الاستهلاك بكل جوانبه؟ أم أن زامر الحي لا يطرب؟! أم أننا شعب تعودنا على تقييم الأشياء بقيمتها المادية؟ فكل ما ارتفع السعر تصورنا أن الجودة تزيد؟ أم هي عقدة الأجنبي والأمركة والفرنجة؟
لاأجد أي مبرر لأن ندفع مبالغ في خدمات متوفرة مجانا؟ فهل تراك تترك المستشفيات الحكومية وتتوجه للخاص وأنت تعلم يقيناً جودتها؟ هو بطر واسراف وتبذير إذا؟!! وديننا الإسلامي ينهانا عن الاسراف والتبذير والبطر!! ولعل القدوة تأتي بالدرجة الأولى من وزارة لها شأن كبير بالدين الإسلامي.
دكتور ابراهيم إن كنت ترغب في الحصول على خدمات بمقابل مادي ليحظى ابنك أو ابنتك بدبلوم متخصص من خلال الالتحاق ببرنامج إعدادي في السكرتارية أو الحاسب الآلي أو النسخ أو إدارة المستشفيات أو الأعمال البنكية أو ,, الخ؟ أو كنت ترغب في دورة تدريبية تنمي مهاراتك الوظيفية بمقابل مادي مهول؟ أو كنت ترغب في تنظيم اداري لجهتك الوظيفية من خلال استشارة تدفع عليها مئات الألوف؟ أو كنت مجرد هاوٍ للصرف ونحن في زمن شد الحزام، فلا مانع بأن تطالب بخصخصة معهد الإدارة العامة! حتى يطيب لك الحصول على خدمة مقابل الدفع المادي، ولعل ذلك أولى لرفع العبء عن كاهل الدولة على أيدي أبنائها رجال الأعمال, المعهد مؤسسة قائمة بذاتها وبها العديد من الإدارات المتخصصة كإدارتي البحوث والاستشارات، ومتوفر بها طاقم من المتخصصين للقيام بمهام الاستشارات والبحوث، إن المعهد قام بمئات من الاستشارات المتخصصة وساهم في إعداد الكثير من البحوث والدراسات، وذلك على مدى (40) عاماً نما خلالها ليصل إلى مستوى من النضج الإداري الذي يمكنه من الوقوف منافساً جنباً إلى جنب مع تلك المؤسسات الأجنبية التي ذكرت أنك اطلعت عليها من خلال الانترنت, ولعلك يادكتور لم تعلم بأن المعهد ايضاً له موقعه الخاص على الانترنت وبامكانك الاطلاع على انجازاته من خلال الموقع.
المعهد يا دكتور ابراهيم لديه نظام متكامل للجودة يتكون من مجلس أعلى ولجنة دائمة للجودة ويمارس نهج الجودة بكوادر سعودية متخصصة في الجودة للعمل على تطبيقها في جميع مناحي أعمال المعهد ونشاطاته، التي تأتي الاستشارات الإدارية من أبرزها، بل يعمل المعهد على مساعدة الجهات الأخرى على تطبيق مفهوم الجودة.
متى يا دكتور ابراهيم جربت خدمات المعهد لتستطيع قياسها والحكم عليها؟ المعهد التزم بتقويم نشاطاته بشكل مستمر وفق اسلوب علمي متعارف عليه ليصل بها إلى أرقى مستوياتها الممكنة، ويقدم استشاراته للجهات المستفيدة بما يتلاءم واحتياجاتها وامكانياتها، ويقوم بالمساهمة في متابعة التنفيذ ليضمن التنفيذ بطريقة سليمة وصحيحة عندما ترغب الجهات المعنية في ذلك.
إذا كنت يا دكتور ابراهيم قد استشعرت قصوراً في أداء المعهد بطريقة أو بأخرى فواجبك الوطني يحتم عليك تقديم نقدك البناء حتى يمكن تقييم الخطأ وتقويمه؟ فما من شخص عاقل يرفض قبول النقد البناء الذي من شأنه البناء لا الهدم, الدولة تضع ميزانية سنوية للمعهد ليصرف على تلك النشاطات خادماً بها الجهات الحكومية الأخرى، وكلنا جهات وأفراد لخدمة الوطن، هل تعلم كل ذلك يا دكتور ابراهيم؟
لا ينبغي لأحد أن يقول إن استعانة الأجهزة الحكومية بالقطاع الخاص - في أي مجال- عن طريق التعاقد على تقديم بعض الخدمات تعتبر ضرباً من ضروب دعم القطاع الخاص الذي تتبناه الدولة، لأن استعانة الدولة بالقطاع الخاص يكون في مجالات لا توجد جهة حكومية تتولاها، أو أن تكون خدمات تلك الجهة غير كافية أو ليست في المستوى المطلوب، وكفاءة المعهد في مجال عمله مشهود بها له على المستوى الدولي والاقليمي، فضلا عن شهادة المختصين والعارفين من بنات وأبناء الوطن الغالي.
منيرة أحمد الغامدي
عضو هيئة تدريب بمعهد الإدارة العامة