أفريقيا,, تزامن في الجولات وتنافس أمريكي فرنسي صريح |
*القاهرة - يسرية النحاس - أ,ش,أ
في توافق زمني تختلف فيه الاماكن والرؤى وان تماثل الهدف يقوم كل من مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية وشارك جوسلان وزير التعاون الفرنسي بجولتين جديدتين في افريقيا.
وسواء اكان هذا التزامن من قبيل الصدفة البحتة ام لا فإنة يشهد على جولة جديدة من التنافس المحموم بين الولايات المتحدة الوافد الجديد على القارة وبين فرنسا,, القوى الاستعمارية السابقة في افريقيا وسواء كان هذا السباق لمد نفوذ او استرداده فان افريقيا تظل في كل الاحوال ساحة الفوز بالمغانم مختلفة المعاني والاشكال والابعاد.
يأتي هذا السباق اذا ما جازت التسمية كأحد تداعيات الحرب الباردة رغم مرور عشر سنوات على انتهائها وهو في هذه الحالة ليس مواجهة سافرة بين الشرق والغرب او بين ايديولوجيات شيوعية ورأسمالية مثلما كان الحال وانما منافسة بين الدول الغنية في اطار النظام العالمي الجديد احادي القطبية تسعى فيه دول اوروبا وآسيا والصين واليابان لان تثبت وجددها واهمية دورها.
يشهد هذا التزامن في الجولات ايضا على ان افريقيا التي تتلاحق عليها الخطى وتتسارع لازالت موطن جذب وتنافس للقوى الكبرى رغم كل ما تعانيه من فقر وديون وتدهور في الاوضاع ومجاعات وعجز متوقع مستقبلا عن اطعام 60 بالمائة من سكانها وزيادة سكانية وانتشار للاوبئة اذ تسبب الايدز في وفاة 12 مليون افريقي حتى الآن الى جانب انتشار الفساد وتجدد للصراعات العرقية والحروب الاهلية.
تزامن الجولات وتناوب زيارة افريقيا مثير للفضول في واقع الامر ويبدو وكأنما التنافس بين البلدين قد بدأ يأخذ شكلا سافرا بعد ان بدأ في ساحات اخرى مثل تنافسهما على تولي قيادة الجناح العسكري لحلف الاطلنطي في جنوب اوروبا وعلى الفوز بدور فعال في العملية السلمية في الشرق الاوسط.
فقد جاءت زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك لافريقيا في يوليه الماضي بهاجس اساسي هو دعم التعاون الاقتصادي مع دولها بعد ان زارها الرئيس الامريكي بيل كلينتون خلال العام الماضي واتخذ قرارا باعفاء افريقيا من جزء كبير من ديونها قبل ان يدعو الى عقد مؤتمر الشراكة الامريكية/ الافريقية في مارس من العام نفسه الذي طالب فيه بفتح آفاق الاستثمارات في افريقيا.
ومما يثير انتباه المراقبين دخول الولايات المتحدة الى افريقيا من نفس البوابة التي تنسحب منها فرنسا فحين طلب من البعثة العسكرية الفرنسية منذ عدة اشهر الانسحاب من موريتانيا بعد الازمة الناشبة بين البلدين في اعقاب اعتقال ضابط موريتاني في فرنسا لمحاكمته عن انتهاكات حقوق الانسان في بلاده, وصلت بعثة عسكرية امريكية على اعلى مستوى الى نواكشوط بهدف معلن وهو معاونة موريتانيا في نزع الالغام التي خلفتها حرب الصحراء.
كما قام قائد الاسطول السادس الامريكي بزيارة الجزائر خلال الشهر الماضي بهدف ادماج الجزائر في المنظومة الامنية الجديدة وفقا لاستراتيجية حلف الاطلنطي الجديدة الساعية الى ادراج الجزائر في آليات الشراكة بين الناتو والدول المتوسطية.
وفي الوقت الذي زار فيه وزير التجارة الفرنسية الجزائر ايضا توجه وزير التجارة الامريكية الى منطقة الشرق الاوسط والخليج.
وبشكل متواز مع هذا التسابق على افريقيا تشهد منطقة الشرق الاوسط والخليج تسارعا في الزيارات ونشاطا دبلوماسيا محموما سواء لتعزيز النفوذ والدور او دعم التعاون او الفوز بصفقات عسكرية فقد زار هوبيرفدرين وزير الخارجية الفرنسية منطقة الشرق الاوسط مؤخرا حيث اكد اهمية الدور الفرنسي استكمالا للجهود المبذولة لاقرار السلام وكدور مكمل للدور الامريكي.
وفي حين قام وزير الدفاع الامريكي بجولة هذا الاسبوع في دول الخليج ومصر قام رئيس الاركان الفرنسي بجولة موازية زار خلالها اليمن ودولة الامارات العربية سلطنة عمان وجيبوتي.
تجيء اولبرايت الى افريقيا بمنظور جديد في السياسة الامريكية يؤكد تنامي اهتمامها بها كسوق غير مطروحة او مستغلة وانما سوق واعدة بامكانيات هائلة للاستثمار والواقع ان الولايات المتحدة وان كانت تنقصها الخبرة في الشئون الافريقية فهي انما تعوضها بالامكانيات الاقتصادية والعسكرية الهائلة,, وبالوعود والمعونات التي تعد من معالم الاهتمام بالقارة الافريقية.
وقد استهلت جولتها بالفعل بتعهد منح سيراليون مبلغ 55 مليون دولار لدعم مسيرة السلام واعادة توطين المشردين واللاجئين واقرار المصالحة الوطنية كما تعهدت بالغاء ديونها التي تبلغ 65 مليون دولار للولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه يصل جوسبان مسلحا بخبرة فرنسا الطويلة في الشئون الافريقية وبسياسة فرنسية جديدة في طور التصحيح والتعديل بهدف الاستفادة من اخطاء الماضي في تعاملاتها مع افريقيا,, وهي سياسة جديدة تسعى الى تصحيح الاوضاع وتطوير التأثير والنفوذ ومده الى كل افريقيا سواء من خلال التعاون في مجالات مختلفة او من خلال الدعم الصريح للرئيس الفرنسي لدور منظمة الفرانكوفونية وحرصه على التأكيد على اهمية احترام الخصوصية الثقافية.
وقد ادركت فرنسا ان حقبة اقتسام العالم الى مستعمرات ومناطق نفوذ تقليدية خالصة قد ولت ومن ثم فقد قررت,, يحكمها في هذا الاختيار ضرورات اقتصادية,, الخروج من اطار مناطق نفوذها السابقة في افريقيا وتقليص وجودها العسكري بالخروج الى اطار اوسع يشمل التعاون مع كل دولها.
وكان اول نجاح سجلته فرنسا في مسعاها لتطوير منظور سياستها الافريقية التقليدية والخروج من الدائرة الفرانكوفونية في القارة الى اطار ارحب هو القمة الفرنسية الافريقية الاخيرة التي عقدت في باريس خلال العام الماضي وضمت للمرة الاولى اغلبية الدول الافريقية.
ولايمكن اعتبار الاهتمام الامريكي بشئون القارة الافريقية امرا مستجدا او وليد ظروف النظام العالمي الجديد وانما تطويراً للاهتمام بمد النفوذ اتخذ في حقبة الستينات اشكالا مختلفة لمنع انتشار الشيوعية.
ثم بدأت ارهاصات هذا الاهتمام الامريكي الجديد والمتنامي بافريقيا تتضح من خلال تصريح الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر في عام 1977 امام الامم المتحدة بانه لا يحق لاي دولة عضو في الامم المتحدة ان تعتبر اساءة معاملة مواطنيها امرا من الامور السيادية الداخلية.
وقد سارع مجلس الامن القومي الامريكي فيما بعد بتبني هذه المقولة في سياسة الولايات المتحدة الامريكية وتحولت الى احد مفاتيح التدخل بدعوى اقرار الديمقراطية وحماية حقوق الانسان مقابل الوعود بالمعونات الاقتصادية والشراكة كسبا لساحة جديدة تمد فيها نفوذها وكسبا لموارد اقتصادية هائلة غير مستغلة ولاصوات الدول الافريقية في المحافل الدولية بعد انتهاء دور عدم الانحياز الذي كان يستقطب هذه الاصوات من قبل.
كما جاءت جولة وارين كريستوفر وزير الخارجية الامريكية السابق بعد ذلك بحوالي عشر سنوات في اكتوبر 1996 لتؤكد هذا الاهتمام المتنامي بتعزيز التواجد الامريكي في القارة السوداء بشكل متزامن مع انحسار الوجود العسكري الفرنسي منها لاسباب داخلية واقتصادية بحتة.
واعقب ذلك قيام الولايات المتحدة بمساندة القيادات الافريقية الشابة سواء في اثيوبيا او اريتريا او الكونغو الديمرقراطية حيث لم يعد خافيا دورها في مساندة الرئيس لوران كابيلا في اسقاط نظام موبوتو.
وتبع هذه المساندة الصريحة عدد من الاتفاقات الثنائية مع بعض الدول الافريقية في مجال التدريب العسكري والمعاونة في ازالة الالغام الارضية وغيرها وجاءت دعوة الرئيس كلينتون لتؤكد هذه المساندة قبيل عقد قمة دنفر للدول الصناعية السبع في عام 1997 الى مساعدة الدول الافريقية الفقيرة عن طريق خفض الجمارك على صادراتها وتشجيع الاستثمارات بها وانشاء صندوقين لضمان جدية الاستثمارات واتخاذ الاجراءات اللازمة لدمج افريقيا في الاقتصاد العالمي وهو ما اخذت به القمة.
وازاء تنامي الاهتمام الامريكي بافريقيا حرصت فرنسا عند اتخاذها قرار تقليص وجودها العسكري بها على التأكيد على ان نفوذ فرنسا في القارة السمراء لايقاس بحجم وجودها العسكري وهو المنظور الجديد الذي تسعى حاليا الى تأكيده ودعمه من خلال جهودها لدعم التعاون مع مختلف الدول الافريقية.
ايا كان الامر فان التنافس بين الدولتين على توسيع رقعة النفوذ او استعادته في القارة الافريقية لن يأخذ بالضرورة شكل الصدام والمهم ان يصب هذا الفوران في الاهتمام لصالح شعوب القارة الافريقية في المقام الاول.
|
|
|