رغم مشاعر الابتهاج التي عمّت الشارع السياسي الإندونيسي وانحسار مدِّ الشغب الجماهيري وتراجع أعمال العنف بعد اختيار معلّم الشعب الزعيم الإسلامي عبدالرحمن وحيد كأول رئيس منتخب ديمقراطياً للبلاد، وكذلك انتخاب منافسته على الرئاسة ميغاواتي سوكارنو نائبة له، إلا أن الاحداث التي وقعت خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية تشير إلى أن محنة اندونيسيا، هذه الدولة الإسلامية الاكبر من حيث التعداد السكاني (220) مليون نسمة، والسادسة من حيث عدد السكان بين دول العالم الأكثر كثافة، لم تنته بعد مما يعزز الشكوك القوية بأن قوى خارجية تلعب دوراً سياسياً قذراً داخل اندونيسيا لتفتيت كيانها الوطني الكبير إلى دويلات تتوزع فيها الأغلبية السكانية المسلمة بين تلك الدويلات لتتحول إلى مجرد جيوب مسلمة بين الأقليات المسيحية والبوذية والوثنية الأخرى التي من السهل ان تعمل تلك القوى الخارجية على تجميعها في نسيج سياسي يخدم هدفاً استراتيجياً لها وهو إنهاء وجود دولة إسلامية كبرى اسمها اندونيسيا !
إنها واحدة من تلك المؤامرات الحقيقية الخطيرة التي خطّطها وينفذها الصليبيون الجدد بالتحالف مع الصهيونية العالمية، والطابور الخامس من المحسوبين على الأرض وأهلها!
عندما تظاهر طلبة جامعة جاكرتا وتبعهم طلبة الجامعات الاندونيسية الاخرى وملأوا الشوارع بحطام المحال التجارية والمكاتب والمنشآت العامة في تخريب ليس فيه من الوطنية شيء، كان الهدف المعلن هو المطالبة باستقالة ومحاكمة الرئيس السابق سوهارتو المتهم مع أسرته بالفساد والثراء الحرام,!
وفي شهر مايو الماضي استقال سوهارتو وفتح المدعي العام تحقيقاً حول جميع التهم الموجهة إليه والى ابنائه وبناته.
وفي الاسبوع الماضي - أي بعد تحقيق دام خمسة شهور - أعلن المدّعي العام قفل التحقيق مع سوهارتو لعدم كفاية ادلة الاتهامات الموجهة إليه,!
ولكن قبل ان ينتهي التحقيق مع سوهارتو تفجر العنف في اقليم تيمور الشرقية واندلعت المواجهات التي انحرفت من دوافعها السياسية، الى أسبابها الدينية وأصبحت عمليات اقتتال بين المسلمين والمسيحيين الذين طالبوا باستقلال الاقليم من اندونيسيا.
وقبلت السلطات في جاكرتا اجراء استفتاء شعبي حول الاستقلال او البقاء في إطار اندونيسيا,, واختار شعب تيمور الشرقية الاستقلال.
وبين اعمال العنف في جاكرتا وفي ديلي عاصمة تيمور الشرقية راجت في شهري يونيو ويوليو الماضيين أنباء بثتها الوكالات العالمية عن دخول (800) مرتزق مجهولي الهويّات الى تيمور الشرقية وذلك عندما تصاعدت أعمال العنف الديني والسياسي في عاصمة الاقليم.
ورجح المراقبون في جاكرتا ان هؤلاء المرتزقة كانوا وراء تأجيج نيران العنف ومطلب الاستقلال لتيمور الشرقية حتى تحقق ذلك!
ولكن يبدو - الآن - ان دور هؤلاء المرتزقة الذين لم يحدد أحد قط أين يوجدون الآن في الاراضي الإندونيسية,, نقول يبدو ان دورهم في تفتيت كيان إندونيسيا لم ينتبه، إذ فوجئت جاكرتا أول أمس الجمعة بنزول عشرة آلاف طالب - طبقاً لوكالة رويتر - الى الشوارع في مدينة (اوجونج باندونج الشرقية) يطالبون بالاستقلال لشرق اندونيسيا,!!
وتزامنت هذه التظاهرة في شرق اندونيسيا مع تطور عسكري ذي دلالة خطيرة هو - التطور العسكري - ان قوات السلام الدولية التي أحكمت سيطرتها على تيمور الشرقية، دخلت أول أمس - الجمعة - الى (جيب اوكيوس) داخل اقليم تيمور الغربية التي هي أراضٍ اندونيسية,!
وقال الميجور جنرال بيتر كوسجوروف قائد هذه القوة ان هذا الجيب يتبع لتيمور الشرقية، ومعزول داخل أراضي تيمور الغربية.
ولا نستبعد ان يكون هذا التدخل العسكري في جزء من أراضي اندونيسيا ودون اعلان عن موافقة سلطات جاكرتا السياسية على ذلك، نخشى ان يكون هذا التدخل مقدمة عملية لظهور مطالبة جديدة باستقلال تيمور الغربية وضمها الى تيمور الشرقية او تحالفها معها ضد اندونيسيا وخصوصا بعد ان قرر قادة المقاومة في تيمور الشرقية أول أمس - أيضاً - اعتماد اللغة والعملة البرتغاليتين لغةً وعملةً لدولة تيمور الشرقية المستقلة !
كان الله في عون اندونيسيا ووفق رئيسها الجديد ونائبته الى تكريس وحدتها الوطنية تراباً وأهلاً، بمواجهة محنة خبيثة الدوافع لم تنته بعد,!
الجزيرة