** ظللت متألماً ومتأملاً للحظات طويلة وأنا اقرأ ذلك الخبر الذي طيرته وكالات الأنباء من قاهرة المعز ونشرته الصحف يوم الخميس الماضي,!.
ذلك الخبر الذي احسب انكم جميعا قرأتموه حول بيع منديل الفنانة أم كلثوم بخمسة ملايين دولار اي والله خمسة ملايين دولار ينطح دولار ، وقلم الروائي الكبير نجيب محفوظ ب(6000) دولار فقط لا غير، وقد اشترى المنديل رجل اعمال سعودي استمات - كما يقول الخبر - حتى ظفر به، ولحسن الحظ فإن الذي اشترى القلم - ايضاً - رجل أعمال سعودي.
وبغض النظر عن هدف هذا المزاد الانساني فإن مبعث الالم في نفسي كان يدور حول أن يكون المنديل - ما غيره - هو السبيل الأوحد للاسهام في عمل انساني.
ألم يكن ممكنا أن تكون لهذا المواطن وسيلة أكثر تحضراً واقرب رحماً لهذه الغاية النبيلة؟.
ألم يكن ممكناً ان يقدم رجل الأعمال السعودي هذا المبلغ لمنظمة الفاو عبر تبرع مطلق دون ان يتعلق ذلك بشراء منديل ,,!
هل بالضرورة أن يصل الواحد منا لأنبل غاية عن طريق أتفه وسيلة.
إنها اسئلة محرقة لم أجد لها جواباً,,!
* * *
والسبب الآخر للألم الذي سكن نفسي حد الجرح أن تصل قيمة منديل الفنانة أم كلثوم - رحمها الله - خمسة ملايين دولار بينما قيمة قلم الروائي النوبلي الكبير لا تزيد عن (6000) دولار فقط لا غير.
لقد تذكرت - هنا - وبشجن ممض - تلك الحكاية التي تروى عن الروائي نجيب محفوظ - ما غيره - والراقصة الشهيرة فيفي عبده عندما التقيا صدفة - كما تقول الرواية - عند إحدى الاشارات الضوئية في القاهرة وكانت الراقصة تمتطي سيارة شبح آخر موديل ، وكان الروائي الكبير داخل سيارة فيات متواضعة فالتفتت فيفي عبده الى الاستاذ نجيب - وبعد ان حيته - قالت له بكل تبجح : انظر يا استاذ ماذا اعطتني قلة الأدب، وانظر الى ما اعطاك الأدب
وقد صدقت,,!
ولكن يا له من صدق يصل الى درجة الشجن!
يا للمأساة,,!.
لهذا الزمن العربي المعتل الآخر الذي يعلو فيه شأن هازات الوسط على من يهزون اقلامهم لكتابة حضارة الأمة وترسيخ مجدها الثقافي والحضاري.
ويا للمأساة مرة ثانية وعاشرة عندما ترفل الفنانات اللواتي قد لا يفرقن بين الألف وعامود التليفون ولا الكليجا وبلجيكا بالحرير والشبح والقصور بينما رموز الامة لا يتمتعون إلا بأقل قدر من امكانات الحياة البسيطة!.
* * *
** أما السبب الثالث الذي حرضني على الالم وجعلني أسافر في مداراته بعد قراءة هذا الخبر فقد جاء ليس لكوني عربياً وصاحب قلم فقط بل لكوني مواطناً من هذا الوطن الغالي ذلك ان شراء منديل بخمسة ملايين دولار من قبل مواطن سعودي يكرس مفهوم الترف والاسراف والتبذير التي ألصقت بنا - منذ سنين غابرات - من قبل بعض فئات كانوا يبعزقون الفلوس على خشبات البست في ملاهي الهرم وبيروت ولندن, ثم يأتي مثل هذا التصرف ليعيد طرح هذا المفهوم وليعيد نظرة الآخر لنا من خلال هذه النافذة غير الرشيدة في طريقة وأسلوب الانفاق.
** أخيراً,.
(الله يجازيك يا زمان).
- كما يقول الشاعر البحريني: عبد الرحمن رفيع, والشكوى الى الله من زمان يتفوق فيه المنديل على القلم !.
حمد بن عبد الله القاضي