منهج الحديث في امر ثقافتنا في العام الفين من واقع حوارات الناس والمثقفين بدا لي على الاقل موضوعا شديد التعقيد كثير المدخلات لا حدود اجرائية له وحتى مفرداته وعناصره المنهجية غير قابلة للتداول بشكل منفصل ومستحيلة التداول بشكل عام لاتساع المفهوم.
ومن جهد اسابيع عديدة اخرت فيها هذا المقال بدا لي ان القضية صعبة ويحسن عدم الخوض فيها لكن الوقت يمضي والاحتفالات وهي الاجراء الرسمي لمسؤولي الثقافة تبدأ وعواصم العرب وصحفهم تنتظر ماذا سنقدم، لذلك رأيت انه من الواجب علي الادلاء لا اقول بدلوي ولكن على الاقل بأي شىء قد يحل جانباً من مشكلتي المنهجية مع هذا الموضوع الصعب فكان هذاالحديث الذي لا اسوقه على الاطلاق في مساقات اعلام المناسبة وانما في مناهج التعريف الفلسفي عله يساعدني انا في خلق منهج لنفسي- بعد ان املقت المادة المكتوبة والبرامج المبثوثة في تسهيل هذا الامر لنا نحن الذين لا تكفينا الحفلات الشعبية او القصائد العمودية التي تساق في مساق المراثي والقبورية اكثر من ان تساق في مساق تطلعات المستقبل الذي نسعى جميعا له.
واعلان الرياض عاصمة الثقافة العربية في العام 2000 مفهوم ذو شقين لا يمكن تجاهلهما واذا ما وصلنا للمفهومين سيكون من السهل تفريع شجرية مناسبة للقضايا المطروحة.
الشق الاول المستقبل,, وهو الامل ليس لنا بل للثقافة العربية بشكل عام، والشق الثاني الوجه الثقافي من معطيات الحاضر الذي سنتبناه وجها ثقافيا سعوديا لنقول للعرب ها نحن الآن في هذا القناع الثقافي ايا كان المهم ان يكون صادقا لا اعلاميا فقط.
تحفظا على بعض النقاط التي قد تأخذ بمفاهيم بعض زملاء القلم والمنصب الاداري ومصنعي الثقافة وحتى النجوم اللامعة في حال الادعاء بالتخطيط الثقافي من رجال وسيدات النخبة الثقافية ذات الجماهيرية اقول لكل هذا لا نريد ثقافة يشبه لمعانها شمس الشتاء رائعة المظهر لكنها باردة العطاء وتفقد الدفء في نفسها وهي لن تدفىء محيطنا.
إن الثقافة عندنا وعند العرب تعاني - من علل الوسط الثقافي نفسه- وامور ادت الى اضطراب كبير في المفاهيم بين التراكم الثقافي الذي تم انجازه وصخب الاحتفال بوجوده والتشتت في محاولة بقاء المنجز النافع لتاريخه الفني واثره او اعتباره مؤثرا في الحياة او اعتباره طرفة تجاوزته المرحلة الفكرية، ثم بعد كل هذا عدم وجود مقاربة حقيقية لمحاولة الفهم بين اطراف تعتقد ان ساحات الفن والابداع ملكا لها وانها ضيقة على اجسادها الكبيرة من الثقافة ويحسبون ان هذا يكفي لإثراء الحياة الثقافية التي يعتلون سنامها وهي ثقافة الاعلام مع تأخرهم عن المرحلة.
هذا ادى للتزاحم في زوايا الضيق والضنك النفسي والعقلي والقصور بين فئات وفكر ثقافية بعضها انساني وحقيقي وبعضها تحت انحراف ثقافي ايديلوجي او آخر اخطرها تسنم العوام للمهام اقول التزاحم في احتلال زوايا الرؤية الضيقة والبث لها مع فراغ خزائن المعرفة من نقل اشارات مفهومة التشفير والتوتير المتناغم,, وهذا ايضا حدد اهتمام بعض ادبائنا بطبع الكتب المتسرعة التي كانت تبيع للدوائر الحكومية من اجل المال مع الجزم انها في نسبة عالية منها لا تحظى بقارىء وليست الا تكراراً لمصادر ثقافية تملأ الرفوف قبل صدورها.
إن معظم ثقافة التداول مقولات في وصفيات مباشرة- احيانا تشبه الخطاب الاداري- عاجزة كل العجز عن استيعاب مفاهيم الوجود الفني الانساني او التناغم مع المجريات الثقافية الحالية للعرب من منطلق محلي وهو مفهوم في منطقه المعاصر يؤكد حقائق لعل اهمها التلازم العضوي بين المنجز والانسان الحاضر والماضي والمستقبل في محله لا احلاله.
حقيقة اخرى ألا نستكره تجاريب الابداع التي تسبق زمنها او تشطح خارج مكانها بوحي شعوري من حقيقة ان الشعور ماهو الا عقل فردي وجمعي بنائي مثله مثل العقل المنطقي الرياضي التركيبي للفرد وان صعب حل الكثير من مسائله الشعورية.
ولان التقديم تحديد جزء عضوي في هذا المقال فقد يتحول الموضوع بأسره الى مقدمات واسئلة في حدية الفكرة واشارات الى جدليات لا نستطيع تجاوزها او الخروج منها.
وسؤال المستقبل اي ثقافة؟
وهنا اعود لنقطة البداية المنهجية لأن السؤال لا يطرح في عنوان المناسبة الرياض-الفين- ثقافة .
المستقبل من مدينة التاريخ والتأسيس لكياننا الوطني، ولذلك فلا يمكن تجاوز المنجز بحجة انه قديم ووجهنا الحالي حديث مهما كان تطرفنا للحديث,.
وبدلا من ذلك لنطرح منجزنا النخبوي اليوم على اساس انه منطلقنا بعدالعام الفين وثقافتنا القادمة مع اهتمام بالمنجز الحالي الذي لدينا من ابداع الفكر والفن لا الدراسة الوصفية التي تغني عنها مصادرها ولا تضيف لنا اي جديد.
وتحفظ ثان من سياق الاسئلة السابقة في معنى كلمة ثقافة جملة المفهوم وهي ان كلمة ثقافة هنا كلما وردت تعني الثقافة العليا للنخب الادبية والفكرية والمنتج الفكري والابداعي للثقافة العربية المعاصرة بلغتها العربية الفصحى التي انجزتها النخب الثقافية خلال نصف القرن الماضي بصفتها وجهنا الحضاري والشاهد على مرحلتنا التي نمر بها بل وتاريخ كتبناه للناس والحياة في اهم مرحلة انتقالية.
وكانت مساهمتنا في المنجز العربي العام قليلة,.
وهي مساهمة لا نستطيع الآن التفاخر بها ولا نستطيع عزلها ولا يحسن ان نفكر بذلك لكنها عندما تدخل في دائرة الاستيعاب القومي العربي والعالمي ستعطي مؤشرات محلية مهمة في جغرافيا الثقافة المطروحة للتداول وعندي في الاخير ما اقوله حول هذا الموضوع .
اما اشير اليه غير ذلك - في هذا المقال - من كلمة ثقافة سيكون معناه ما ادرج بين القوسين بعده ليسهل التفاهم الفني والفكري لاجراء اي حوار لاحق للموضوع في هذا المقال او ما يليه.
وللموضوع - كما ترون- اسئلة ضمنية صعبة ربما اثارت بعضكم حول النخب والشعبي والفن والابداع والفكر- وكلها ربما تذوب في صخب الاحتفال لكنها لن تتركنا ننام بعد الحفلة الصاخبة.
ولن اتناقض مع ما سبق حتى اذا قلت ان الرياض بصفتها نواة المملكة والعالم العربي قد حققت ثقافتها تراكما دالا منذ عهد النشأة من المادة التي وصلت لنا وفي مالم يكتشف الكثير منه وسيكون مثار اسئلة جديدة في سياق الاجابات.
وسأواصل الحديث لاحقا في النقاط الباقية.
|