Sunday 24th October, 1999 G No. 9887جريدة الجزيرة الأحد 15 ,رجب 1420 العدد 9887


خيول ومربعات
مرايا (د, عضيمة) اليابانية! 3-4
علي الدميني

شيّد د, عضيمة معمار كتابه وفق آلية توالد سردي ذات بنية ايقاعية سريعة تتشكل من عمليات الانتقال من موضوع إلى آخر مدمجة في حالة كتابة سيرة ذاتية ظاهرها الفرجة وباطنها المعاينة والمعايشة للحياة ومتاعبها ومتعها اليومية، متدفقة كنهر ينحدر من الاعالي,, كتابة تتمتع بمطلق الحرية في لمعايشة والوصف واصدار الاحكام فلا تبالي بشيء يحد اندفاعها ولا تخشى رقيبا سوى ذاتها المسترسلة، ولا يضايقها إلا سؤال الياباني لكاتبها في كل مكان: من أين أنت ولم تفعل كذا ما دمت عريباً أو مسلماً.
ويأتي الكتاب في بنية كتابته الاولى كردة فعل عاطفية شعرية إزاء هذا العالم المنفتح على الحداثة وما بعدها تقليداً وإبداعاً، والمنغلق اجتماعيا في وجه اي غريب، ولعل القارئ سيلمس - ومنذ العبارة الاولى في الكتاب - منحى انتقادياً جارحا وككتابة ادانة لذلك التجمع البشري في بلاد الشمس, وحين نسائل منجز الدكتور عضيمة عن سرّ هذه الروح اليابانية التي اسهمت في احتفاظها بخصوصية تكوينها الذهني فيما تقلد وتنتج في نفس الوقت ارقى الاختراعات التكنلوجية المعاصرة، فإنه يجيب في مواقع مختلفة من كتابه على هذا التساؤل بما يمكنني اختزاله فيما يلي:
- بالنسبة للبناء الذهني: هناك افكار غير معقدة تفهم الكون فهما خاصا اقرب إلى الفهم العدمي الحديث وبحيث يمكن تكثيفها في عبارة لا معنى للانسان خارج الانسان .
- الياباني لايستخدم الخيال، لا يستطيع ان يتخيل، لا يقدر على التذهين والتجريد، هكذا تصل مع الياباني إلى حالة العدمانية لكنه العدم الايجابي لا السلبي الذي وصلت إليه الحضارة الاوروبية, لذا بامكان كل انسان ان يصل الى الخير المطلق او الشر المطلق حسبما يريد ويرغب (حسب البوذية التي اكتسبها وأعاد تبيئتها عن الصين والهند)، وبحسب الكونفوشية فإن غاية معتنقيها هو اقامة حياة عائلية واجتماعية مثالية على الارض.
وتأتي الشنتو التي تدمج الديني بالوطني وتقدس الامبراطور الذي تأتي منه الاوامر فيتفوق الياباني على غيره في البراعة في تنفيذ الاوامر والعبقرية في تنفيذها.
- ثم لا مذاهب دينية تهدد الوحدة الوطنية بالانهيار,.
- دور الجغرافيا كعامل اساسي في كل ذلك,, قرنان ونصف داخل هذه الجزيرة الضيقة ضمن وحدة وطنية رمزها الامبراطور,, فهو ملهم الشعب وواجده وموجده.
ورغم هزيمة الحرب العالمية الثانية وانتفاء التقديس عن الامبراطور وإقامة الديمقراطية في اليابان فإن الامبراطور يظل في اعماق الناس هو الآمر الناهي ورمز الوحدة الوطنية والدولة.
وأتوقف هنا لأسأل د, عضيمة: إذن اليابان تكونت كقبيلة - بامحمدو سان - وتتصرف بوحي من ذلك في حركتها ومناشطها الحياتية وردود فعلها ازاء الغريب القادم من الصحراء العربية للتبشير بثقافته؟
ولعله سيقول بأن القبيلة أرحم من ذلك.
ولكن كيف يزاوج الياباني بين الاصالة والمعاصرة بمصطلحاتنا؟
الاجابة منتشرة ومبددة في عدة مواضع في كتابه، حيث يشير الدكتور عضيمة إلى ان عناصر الاصالة لدى الياباني تتمثل في منظومته الاعتقادية البسيطة وخاصة رابطة الامبراطور بالدين والوطن، وما عداها فكل ما في اليابان منقول عن الآخرين من الصين والهند إلى الغرب، فالياباني لا يفرق بين ابداع وتقليد,, لا وجود للاصل، الاصل هو تقليد شيء آخر لأصل آخر.
ولا توجد لدى الياباني عقدة بأنه ليس أصلا، بل يعتز بقدرته على الاخذ والتقليد مع الاحتفاظ بنكهة المنقول عنه والمقلد.
وخلاصة ذلك بحسب د, عضيمة تتركز فيما يلي: التجاوز في مفهموم الياباني هو الدخول في الشيء إلى النهاية,, حماية الذات تتم باقتحام الآخر والاخذ عنه، تجاوز اوروبا هو اللحاق بها وهو نقلها الى اليابان، وهذا ما يحدث اليوم: في امريكا تطور وتقدم تقني وفراغ قيمي ايضا، ونحن لا نخشى الفراغ بل نحن اولاد الفراغ إذاً إلى امريكا,, في أمريكا ما بعد حداثة، إذاً إلى ما بعد الحداثة,, هكذا نتجاوز الحداثة,, إعادة الاعادة,, تكرار التكرار,, إنه العدم الايجابي الذي يعيد نفسه دوما ونحن اولاده منذ القدم.
- ولكن لماذا لا يقبلون الآخر اجتماعيا,, لماذا لا يتقبلونك هناك؟
هل هو بناء ذهني ذو خلفية مختلفة يدرك تمايزه ومغايرته الوجودية للآخر؟
هل هو نتيجة للشنتوية المحصورة في السلالة اليابانية التي تدعي النيابة عن آلهة الشرق الوثنية؟
أهو المصهر المعزول في شرق العالم لآلاف السنين كما تقول؟
لا يجيبني ويهز رأسه فقط فأسأله:
تجزم في احدى تجلياتك بأن اليابانيين غامضون ومتشابهون، وأنك إذا قابلت واحداً منهم فكأنما قابلت كل الآخرين، فهل بقي هذا التعميم صحيحاً؟
- لقد بقي كذلك، ولم يخترق صحته هذا إلا الشعراء الذين يشاركني كثير منهم في تحليلي للمجتمع الياباني ووصمه بالانغلاق وأستذكر هنا كلمات الشاعر هاسيكادا - ديوسيه الذي يصف المجتمع الياباني بالانغلاق والسكونية وبأنه تقليدي ومتعصب لأشيائه جداً!
إذاً وجدت قبيلتك الشعرية!
- ربما
- وكيف هي اوضاعك الآن بعد زواجك من يابانية؟
يجيبني بدهشة: من أخبرك بهذا
- امبراطور اليابان ذات نفسه أخبرنا بذلك، فهل يعقل ان تبني باحدى حفيداته المقدسات دون علمه؟
ضحك عضيمة - سان وأجاب: تزوجت مستعربة لتمتين الجسور ولكنني مازلت غريباً، فلا استطيع الخروج معها إلى الشارع او المطعم حيث مازالوا ينظرون إليها وهي تمضي برفقتي كعاهرة!
هل يختلف الامر بالنسبة لزوجتك الجزائرية او الفرنسية التي انجبت منها ولداً؟
اراه يكاد يصفعني، فأقول له: عذراً يا دكتور لقد تعلمت منك أدب الهجاء والبحث عن عيوب الآخر من خلال قراءتي لكتابك المدهش.
إذن كمباي يا صديقي,, وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.
** المحرر ,.
ورد في الحلقة الثانية في ملحق الاسبوع الماضي وفي ثنايا مقالة الاستاذ علي الدميني عبارة ,, وان قانون الحياة هو (من الخير ينبع الشر)
والصواب من الخير ينبع الخير ومن الشر ينبع الشر .
لذا وجب التنويه مع الاعتذار للكاتب وللقارئ الكريم.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved