Sunday 24th October, 1999 G No. 9887جريدة الجزيرة الأحد 15 ,رجب 1420 العدد 9887


إلى معالي وزير المعارف
من يبتز المعلمين,, من ينصف المعلمين؟!
حمّاد بن حامد السالمي

,, كانت بلادنا وما زالت -بحمد الله- من أحرص البلدان على رعاية المعلمين وتكريمهم وحمايتهم- بل وتمييزهم واعلاء شأنهم في المجتمع، لأنهم أولئك النفر الذين قبلوا حمل الرسالة، ورضوا أداء الأمانة، رسالة العلم التي ورثها العلماء عن الرسل، وما أعظمها من رسالة، وأمانة التوصيل للمتعلمين، لأن ليس كل عالم هو بالضرورة معلماً جيداً وأميناً في التوصيل، ولهذا فإن المعلم يحمل على عاتقه أمانة أدائية الى جانب علمه الذي تحتاجه الأجيال، وتبنى عليه آمال الأمم وطموحاتها، وتخطط الأوطان على هداه مستقبل أيامها، من أجل ذلك رأينا كيف أن بلادنا برمجت وخططت وسعت واجتهدت منذ سنوات طويلة لايجاد المعلم الوطني الكفء الذي يؤدي رسالته وفق منهجية دينية علمية وطنية انسانية مسؤولة أمام الله وأمام الدولة التي وضعت ثقتها فيه، وأعطته من الثقة والتقدير والتشجيع ما هو مؤمل منها، وما هو جدير به، لنصل في سنوات قليلة الى درجة الاكتفاء بالمعلم الوطني، والاستغناء عن المعلم المستقدم من بلاد كثيرة، وهذا ما ينبغي لمثلنا ان يفخر به ويعتز، وأن يزداد حرصنا على السير في هذا المنهج، وعلى البحث في وسائل وآليات تطور الجوانب المعرفية والتربوية والعلمية لدى المعلم، وترفع من مستواه المعيشي، وقدره الوظيفي والاجتماعي الذي أخذ في الانحدار في السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة، لعل في مقدمتها الشعور بوفرة العدد من هذه الشريحة، وشيوع فكرة خاطئة لدى الجهات الموظفة والأخرى المشرفة على الشرائح التعليمية في الدولة، مفادها ان العرض أكثر من الطلب,,!! هذا قد يصح في سوق السلع التجارية، وسوق البيض والبطاطس، إلا أنه منطق أعوج في التعامل مع القوى البشرية، وخصوصا تلك التي تستند اليها مهمة مصيرية تتعلق ببناء الأجيال، واذا سرنا في هذا الاتجاه الخاطىء- وهذا تحذير- فسيأتي يوم نعود فيه الى استقدام المعلمين من خارج المملكة، والدليل على هذا واضح وبين لمن أراد ان يستقرىء المؤشرات والأرقام،ويحللها ويبني عليها للمستقبل، فالفاقد السنوي من قطاع التعليم كبير جدا، والأخطر منه هو نسبة التقاعد المبكر في هذا الفاقد، والتي تصل في بعض المناطق الى قرابة التسعين في المائة من خدمة عشرين عاما الى ما فوق الثلاثين بقليل، وهذا دليل على ان هناك خللا ما في وسط المائة وخمسين ألف معلم في المملكة لابد من تلمسه والعمل على حله بصورة عاجلة، ومن صور هذا الخلل، انصراف وزارة المعارف -أحيانا- عن أسس العملية التربوية والتعليمية -المعلم- والانشغال بمكملات أشبه بالديكورات في بعض الأحيان مثل الاحتفالات، وتنظيم المناسبات الدعائية، وليت هذا يتم بعيدا عن اشغال المعلم، بل يجري بصور شتى منها جر المعلمين الى هامشيات فيها كثير من ضياع الوقت، ومن إذلال المعلم بتعاميم وتعليمات تصوره وكأنه وحش بين طلابه، يضاف الى ذلك؛ ومن الابتزاز الواضح الصريح، وكأنه لا يكفي المعلم ماهو فيه داخل المدرسة والمجتمع، لتتدخل جهات أخرى بالتنغيص عليه، تنغيص يومي أو شهري، قل أو كثر,, إلا أنه لا مسوغ له البتة؛ وكان يكفي هذا لإيقاف الابتزاز، وترك المعلم يؤدي رسالته، ويقبض مرتبه الشهري غير منقوص، ليشعر بأنه أخذ حقه كاملا دون بخس.
,, معالي الوزير,.
أتوجه إليك بهذه الرسالة الأخوية الصادقة، وكلي ثقة بسعة صدرك، واتساع حلمك، انطلاقا من معرفتي الجيدة بإخلاصك وتفانيك وعدلك وحماسك منقطع النظير، لرفع مستوى التعليم في المملكة، والتقدم به من كافة جوانبه، وفي ظل هذا ينبغي ألا ننسى ان وزارة المعارف وحدها بهيكلها الوظيفي الكبير، وبادارتها الاثنتين والأربعين، لا تستطيع ان تتقدم بالتعليم العام قيد أنملة بدون معلم يشعر في قرارة نفسه أن وزارته وادارته تقدر جهوده، وتحترم حقوقه، وتعمل على مكافأته وتمييزه انطلاقا من التوجه العام للدولة رعاها الله، التي ما بخلت عليه في يوم من الأيام، ولكن كيف نطور الأساليب ونحصل على نتائج نرومها إذا نحن نضع المعلم بين سندانة مديره ومطرقة إدارة التعليم؟؟.
,, إنه من المسلم به أن الدولة رعاها الله مثلما قدرت المعلمين وأعطتهم حقوقهم كاملة غير منقوصة - بل وميزتهم بين الشرائح الأخرى- فهي أيضا رصدت مئات الملايين لبناء المدارس والمجمعات، واستئجار البعض الآخر، وخصصت مئات الملايين لبنود ميزانيات التعليم التي تشمل توفير الوسائل والمستلزمات المدرسية، والصيانة، وتسيير الأنشطة الطلابية، وكل ما يكفي لسير العملية التعليمية على أكمل وجه، ولم نعرف أن هناك بندا يمول من جيوب المعلمين كرها,! ونحن في الواقع لا ندري من المسؤول عن الأموال التي تجمع من قبل إدارات التعليم من المدارس سواء من المقاصف أو من المتعلمين بحجج مختلفة، وهي بعشرات الملايين، أين هي الضوابط في هكذا تصرف؟ بل ما مشروعية جمع أموال خاصة بحجة الصرف في منافذ عامة؟ ما هي نظامية الاستيلاء على مبالغ هي من عوائد المقاصف المدرسية، ومن مرتبات المعلمين الذين هم أحق بأرزاقهم التي أجرتها عليهم الدولة، وأطفالهم وأسرهم أولى بما يؤخذ منهم وهم كارهون.
,, معالي الوزير,.
ألا يكفي المعلم أنه يشتري من جيبه مستلزمات تعليمية كثيرة تبدأ بالطباشير التي تصرف من المستودعات غير صالحة، الى السبورات ولحام كراسي التلاميذ والطلاب؟ ثم يطلب منه أن يساهم في حفلات يقيمها من هم أكبر منه، وتمويل مناسبات لا ناقة له فيها ولا جمل، ثم يُدفع لشراء أجهزة وورق وأحبار وغيره,, أين ذهبت المخصصات لسد هذه المطالب؟ بل أين تذهب عوائد المقاصف التي تستولي عليها ادارات التعليم بالكامل، وهي بعشرات الملايين؟! لقد فصل الصرف من دخل المقاصف على النحو التالي، ولو نفذ حسب ما هو مخطط له لتم الاستغناء عن الطلب من المعلمين الذين ارهقهم هذا الطلب الذي اصبح بصورة دورية: 5% دعم للموهوبين، 5% مساعدة طلاب، 40% لقسم النشاط، 15% لتكريم المتفوقين، 5% لتكريم المعلمين، 20% صيانة واصلاحات، 10% مشاركة في صندوق الإدارة ,, وبذلك لا يتبقى للمدرسة ما يكفي لتدبير أمورها من توفير مستلزمات أو صيانة مرافق، وليت هذا يغني عن الطلب من المعلمين، بل الطلب الملح الذي يضع المعلم في حرج مع مديره، ويضع المدير بين أمرين أحلاهما مر، الحاح الادارة وتمنع المعلمين.
,, معالي الوزير,.
هل يعلم معاليكم كم دفع المعلمون في المملكة مقابل شراء أجهزة كمبيوتر وبرامج مفروضة على المدارس من قبل ادارات التعليم في ظرف أربع سنين فقط؟.
,, عند إدخال الكمبيوتر الى المدارس كانت كلفة الجهاز مع البرنامج السابق في المتوسط عشرة آلاف ريال ، وفي المملكة أكثر من اثني عشر ألف مدرسة، وهذا يعني ان المعلمين صرفوا من رواتبهم على الجهاز والبرنامج اللذين تم الاستغناء عنهما هذا العام ما مجموعه مائة وعشرون مليون ريال !! وبعد عامين فقط طلب من المدارس تحديث الأجهزة والبرنامج، وذهبت المائة والعشرون مليون ريال السابقة ادراج الرياح، وسارعت المدارس الى شراء أجهزة تكلف الواحد منها في المتوسط سبعة آلاف ريال ، وإذا أضفنا الى ذلك ما أخذ من مبالغ من ادارات التعليم مقابل تحميل برنامج معارف، على ما فيه من عيوب فنية، ورغم أن الوزارة اظهرت أنه يحمل مجانا، فقد تسارع بعض ادارات التعليم الى أخذ مبالغ تراوحت من ثلاثين ريالا الى أربعة آلاف ريال ! وهنا نجد ان المعلمين يغرمون مرة أخرى رغما عنهم فيدفعون من رواتبهم ومن أرزاق أسرهم ما مجموعه (مائة مليون ريال),,!! وبذلك يصبح مجموع ما انفق على اجهزة وبرامج الكمبيوتر خلال اربعة أعوام فقط (حوالي مائتين وعشرين مليون ريال)!! ولا ندري ما يتبع ذلك في المستقبل، لا يأتي أحدهم فيقول: بأن هذا محسوب على عوائد المقاصف في المدارس، لسبب بسيط هو ان عوائد المقاصف لم تعد تحت تصرف المدارس، وما يتبقى منها لا يحول دون الطلب من المعلمين، وهذه حقيقة، والكل يعلم ان المعلمين هم الذين يحملون اعباء مالية كبيرة اخذت تزداد بصورة كبيرة، لدرجة ان تكريم المتقاعدين والمتفوقين على سبيل المثال يتطلب الأخذ منهم مسبقا، فأي تكريم هذا الذي يلزم المحتفى به دفع قيمة درع يعطى له وعشاء يلتف عليه الخاصة والعامة؟ إن تكريم المعلم الذي يترك الخدمة مبكراً وهو في قمة عطائه، ان يعفى من الابتزاز، وأن يؤخذ رأيه في طلبه التقاعد المبكر، وأن يحترم هذا الرأي ويعطى ما يستحق من البحث والدراسة.
,, معالي الوزير,.
اعلم انك لا يمكن ان ترضى عن هذا، ولا يسرك ان ترى لجانا تمثل الاقسام الادارية او بعض اللجان المشكلة لغرض ما تطوف المدارس لجمع ما اصطلح على تسميته تبرعا - تجاوزا والا فله مسمى آخر اليوم في الوسط التعليمي - عوضا عن صدور تعاميم رسمية تطلب مبالغ بصور غير مشروعة اصلا، وحتى تستقيم الأمور، وتعود الحقوق إلى اصحابها، فإني اطلب من معاليكم تشكيل لجان تحقيق نزيهة تزور المدارس، وتلتقي المديرين والمعلمين، وتبحث الأمور المالية بين المدارس وإدارات التعليم في السنوات الاربع المنصرمة، وتعيد للمعلمين ما أخذ منهم، ووضع ضوابط مالية تنظم الصرف من عوائد المقاصف وبنود الصرف على المدارس التي تعاني من الإهمال في جانب الصيانة، وخاصة تلك المستأجرة,, والله على ما أقول وكيل.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved