Sunday 24th October, 1999 G No. 9887جريدة الجزيرة الأحد 15 ,رجب 1420 العدد 9887


تسييس وأدلجة اليونسكو
الدكتور عبدالله فهد اللحيدان

قرار ترشيح سعودي لادارة اليونسكو قراراً جريئاً بكل المقاييس ويدل من ضمن ما يدل عليه على رغبة المملكة العربية السعودية في لعب دور اكبر في الشؤون العالمية، ومن يريد ان يدخل في حلبة السياسة الدولية وبقوة فعليه ان يتحمل اللكمات، والمملكة العربية السعودية صلبة العود قادرة على تحمل اللكمات، فليس في بلادنا ما نخجل منه وليس لدينا نقاط ضعف الا تلك الموجودة في ذهنيات البعض.
نحن لا ندعي الكمال ونعرف ان امامنا شوطاً كبيراً من التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية علينا ان نقطعه ولكننا سنقطعه بشكل مختلف، بشكل يتماشى مع ديننا وعاداتنا واخلاقنا، التي لن نغيرها او نخفيها بل نعتز بها, وكان من ضمن اهداف ترشيح سعودي لادارة اليونسكو إيضاح هذه التقاليد النابعة من حضارتنا الاسلامية، وليس العكس، اقصد انه لن يضطرنا ومن اجل الوصول لادارة اليونسكو ان نستعيب اصلنا او ان نخجل من التزامنا بتعاليم ديننا.
اذن خوض معركة الترشيح كان قراراً جريئاً، عندما قرر هذا العضو الهام في المجتمع الدولي وفي الحضارة العالمية ان يتخلى عن صمته ويشارك بفعالية.
والشيء الجميل الاخر هو حصول المرشح السعودي على ثقة الدول العربية والاسلامية, الدول العربية التي طالما مزقتها الخلافات اجتمعت على مرشح واحد وكذلك فعلت الدول الاسلامية, ولم يشذ عن هذا الاجتماع إلا بعض قوى اليسار في العالم العربي التي غالباً ما تؤدلج وتسييس كل قضية، وهي كذلك اقرب الى التحالف مع قوى اليسار العالمية على تحالفها مع مرشح الدول العربية والاسلامية.
لقد سعت هذه القوى الى ترشيح مرشح عربي آخر، وسعت الى احداث ثغرة في التضامن العربي الاسلامي وساهمت بشكل كبير في تعزيز الدعايةمن حيث تدري او لا تدري التي بثت لهزيمة المرشح العربي الاسلامي, فعندما يأتيك شخص من نفس عائلة او قبيلة او أمة هذا المرشح ويكيل له ولبلاده الغرم والانتقاص ففي هذا ابلغ التأثير على الدول الاخرى, ومن هؤلاء بعض المرتزقة الذين تعودوا على محاولة التكسب المادي من مواقفهم السياسية, ومنهم الحاقد على المملكة العربية السعودية لانها هي الممثل الحقيقي للحضارة العربية والاسلامية والتي وبرغم حملات الدعاية والتشكيك مازالت حصناً حصيناً للعروبة والاسلام تخوض عملية تحديث ضخمة بدون التخلي عن قيمها الدينية, وحاول هؤلاء تخويف المملكة من ان المضي في الترشيح وربما الفوز سيجلب على المملكة مشاكل هي في غنى عنها، ولطالما حدت مثل هذه الدعاية من قدراتنا, والمشكلة ان من تصدى لمثل هذه الحملات من الناس المحسوبين على السعودية وهم ليسوا سعوديين لا يفهمون المجتمع السعودي وغير قادرين على رد تلك الحجج ودحضها بل تراهم يسايرون تلك الحجج وزعموا ان فوز المملكة بادارة اليونسكو سيجعل المملكة تعيد النظر ببعض قيمها, وهذه مشكلة المحامي المأجور فقد يكون هدفه الدفاع عنك فيسيء اليك, وكأن هذه البلاد خلت من القدرات والكفاءات المعتزة بدينها وتاريخها وخصوصيتها.
والحقيقة ان القوى اليسارية في العالم هي التي دمرت اليونسكو من خلال أدلجتها وتسييسها, لقد جعلوا اليونسكو تنحاز الى جانب ضد الجانب الاخر في الصراع الدولي، واعتبروا ان جميع ما يفعله الغرب كان لاهداف امبريالية، حتى في بعض الجهود الانسانية لمكافحة المرض والفقر من خلال محاربة الأمية, وهذا ما يذكرني بقصة رجل كريم من اهالي الجزيرة العربية كان يستضيف مجموعة من الفقراء كل يوم، وكان يقدم لهم كميات كبيرة من التمر ليسد رمقهم فجاء هؤلاء الفقراء من قال لهم ان هذا الشخص يستضيفهم يومياً وعلى هذا القدر الكبير من التمر ليستفيد من اكلهم التمر لاستخراج النوى الفصم الذي يستخدم كغذاء للماشية.
وفات هؤلاء ان تقديم التمر بكامله للماشية اجدى من تقديم النوى فقط, واليونسكو اليوم احوج ما تكون لابعادها عن السياسة وان تركز عملها على محاربة الأمية ونشر القيم الدينية والاخلاقية التي تؤدي الى تعاون البشرية وليس تدمير الدين والاخلاق باسم تشجيع حرية التفكير والابداع, فليس لأحد الحق في تدمير الدين والاخلاق بحجة توحيد البشر, فالأديان والاديان السماوية بالذات وفي مقدمتها الاسلام هي اول من نادى بمساواة البشر وأول من ينادي بالسلام العالمي القائم على العدل, اما تدمير الدين والاخلاق فلن يؤدي الى انتهاء الصراع العالمي ولكنه سيؤدي الى تجريد هذا الصراع من القيم الدينية والاخلاقية وبالتالي يصبح الصراع اكثر شراسة وبطشا, وعلى الرغم من خسارة مرشح الدول العربية والاسلامية الا اننا نرجو ان يكون في وصول ياباني لهذا المنصب عودة لاهداف اليونسكو الاصلية في نشر التعليم وتشجيع العلم والعلوم النافعة للبشرية.
واعود الى قرار الترشيح لأشيد به وأقول انه عندما نقرر المشاركة والتفاعل فسنتعرض لانتقادات وهجوم وقد تربح وقد تخسر ولكن تظل فوائد المشاركة افضل واكبر, لقد اصبحت المملكة تزخر بعدد كبير من الكوادر المؤهلة والتي تفوق كثير من الدول الاخرى وما ينقصنا هو الثقة التي تأتي من خلال التجربة, وقد اديرت حملة الترشيح العربية الاسلامية بمنتهى النزاهة فليس من المهم ان نربح المعركة ونخسر الحرب فلم نخضع للابتزاز ولم نمارس ضغوطا غير مشروعة, ولا يفوتني ان اشيد بتضامن الدول العربية والاسلامية مما سيجعل لها حضورا وفعالية اكبر في المنظمات الدولية, وربما لو لم يكن هناك مرشح عربي اخر لاستطاع مرشح الدول العربية والاسلامية ان يحسم التصويت في الجولة الثانية, واعتقد انه على قوى اليسار في العالم العربي ان تتوقف عن الحاق الاذى بامتها وخدمة - من حيث تدري او لا تدري - اعداء العروبة والاسلام, ومن ناحية اخرى اعتقد انه حان الوقت لترشيح عربي مسلم ليصبح الأمين العام للأمم المتحدة، فلم يسبق ان تبوأ مسلم هذا المنصب من قبل, المسلمون حملة دين وحضارة عظيمين ومن اجل ايصال هذا الدين والحضارة علينا المشاركة وبفعالية في جميع المنظمات الدولية.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved