حقق العالم العربي المهاجر احمد زويل يوما اغر للعرب في المهجر بنيله جائزة نوبل للكيمياء عام 1999م وكان ذلك يأتي في نهاية الالفية الثانية ليعطي مؤشرات حضارية هامة على مشارف اهلال الالفية الثالثة.
قبل الدخول في صلب الموضوع يحسن الايضاح للقارئ ان العالم العربي احمد زويل ولد في مصر وترعرع ونشأ على ارضها ودرس في مدارسها وتخرج من جامعة الاسكندرية ثم سافر الى الولايات المتحدة الامريكية ليدرس في جامعة بنسلفينيا، ثم في جامعة بيركلي وفي عام 1990م بدأ عمله في معهد كاليفورنيا للتكنولوجبا بواحة باسدينا وهي ضمن منطقة لوس انجلوس بجنوب كاليفورنيا.
قال - حسب ما نشر في جريدة الحياة - الصادرة في لندن عندما سئل عن التعليق على الجائزة (انه يوم عظيم لمصر) ثم اردف قائلاً (اهمية الجائزة تكمن,, في كوني عربيا فهي تعطي دفعا قويا ومعنويات عالية للشباب العربي) حقا انه يوم عظيم لمصر الذي أنجبته وعلمته، والعالم زويل يدرك اكثر من غيره ابعاد الجوائز والنياشين والالقاب التي تتسم بالمصداقية للشعوب, هذه الجائزة لم تبذل من اجلها (الهبات السخية) ولم تجتمع مصر الى القيام بحملة سياسية تلوى فيها الاذرع من اجل ان يفوز مرشحها ولم يتدحرج الباحث في اوحال(الترجي) و(التسول) من اجل ادراج اسمه في قائمة المرشحين, انها نتيجة وطن رسّخ العلم في جنباته، اهتم بالتعليم والبحث والنشر، ونتيجة بحث علمي دؤوب لعالم يعيش في المهجر منذ ربع قرن.
استخدم العالم احمد زويل التقنية الحديثة في معاهد وجامعات الولايات المتحدة الامريكية التي سبق ان نال علماؤها الجائزة نفسها (46) مرة من (90) جائزة في الكيمياء سابقة على هذا العام,, مُسجلاً للحضارة العربية والإسلامية (سبقا علميا) في مضمار الاكتشافات العلمية، وهو بذلك يجدد للامتين العربية والاسلامية امجاد الماضي وينير الطريق لطموحات المستقبل.
من ذلك يمكن القول: إن نيل عربي من مصر يعيش في المهجر لتلك الجائزة يعتبر (يوما للعرب كافة) لا لمصر وحدها ويحق للباحث القدير ان يفخر بوطنه الأم، ثم هو يوم مجيد للاقليات العربية التي تعيش في المهجر والتي يمكن ان تمد رقعة العالم العربي جغرافيا، وان تطوره تكنولوجياً وان تدافع عنه سياسياً، وان تنهض به اقتصاديا وان وان,, الخ إن بنيت الجسور معها.
يعيش في امريكا قرابة اربعة ملايين عربي ومثلهم من المسلمين من غير العرب كاقليات عرقية دينية بآدابها وعاداتها وتقاليدها واهتماماتها, وقد استطاعوا ان يبنوا لهم مؤسسات دينية وتعليمية واقتصادية وسياسية واعلامية وهم قادرون على تقديم المشورة للاوطان العربية والاسلامية، الا انهم (معزولون) او شبه معزولين عن (الاوطان الام) اوطانهم الاصلية التي هي في حاجة اليهم اكثر مما هم في حاجة اليها الى حد كبير، ولو اخذنا عالمنا السيد زويل نموذجا من اكثر من (30) الف مصري يعيشون في منطقة جنوب كاليفورنيا ونموذجا من قرابة (250) الف عربي ومسلم يعيشون في تلك المنطقة لأدركنا ان تلك الاقليات تملك من الامكانات التي تحتاج لها امتنا، فالدكاترة المختصون في الفيزياء من دولة باكستان وحدها يبلغون في امريكا قرابة (4000) شخص.
ثم إن ذلك النموذج العربي الفريد الذي نال جائزة نوبل للكيمياء يلغي الفكرة السلبية السائدة عن العيش في (المهاجر الناهضة) التي لا يمكن ان تقوم حضارة بدون الاستفادة مما وصلت اليه من انجازات علمية, لقد استفاد الزعيم غاندي من عيشه في المهجر في جنوب افريقيا وفي بريطانيا فعاد عام 1914م ليحرر وطنه الام وليصنع اكبر دولة ديمقراطية في العالم مما جعل الهنود يلقبونه بأبي الهنود، وعاد ماوتسيتنج من منفاه - مع اختلافنا مع اتجاهه العقدي - ليؤسس الصين من جديد، وعاد الشيخ جمال الدين الافغاني من فرنسا ليسهم في النهضة العربية والاسلامية فكريا.
انها الحياة المترابطة المتنافسة التي تصنع (عمالقة) يسجل اسماءهم التاريخ، ويصنعون نماذج يحتذى بها في الامم، وإنني متأكد انه بدون هجرة السيد احمد زويل لامريكا لن يستطيع الوصول الى ما وصل اليه من نظرية سوف تغير الكثير من النظريات الطبية والفيزيائية والكيميائية, والاقليات العربية في (المهاجر الحضارية) تدرك انها يمكن ان تقوم بدور (ريادي) للعرب والمسلمين حضارة وثقافة واقتصاداً وسياسة، الا انها تحس كذلك بأنها غير مرغوبة من قبل العقليات السياسية والدينية التي توجه دفة الحياة في العالمين العربي والاسلامي,, نتيجة ضعف قنوات الالتقاء والتشاور والتحاور, إن الصين استفادت وتستفيد من الصينيين المهاجرين في كل مكان، واسرائيل تستفيد من اليهود اينما كانوا، اما العرب والمسلمون فإنهم مازالوا يتوجسون خيفة من اولئك المهاجرين نتيجة ظروف اقتصادية او (المهجرين) لأسباب سياسية وهم بذلك - اي العرب والمسلمون - يهدرون جزءاً كبيراً من المقدَّرات العربية والاسلامية ويفتعلون (حرباً باردة) لا تقوم على مبررات معقولة.
صحيح ان الاقليات العربية والاسلامية بسبب ثقافتها الغربية لا تستسيغ (الفساد) و(المحسوبية) و(سوء الادارة) في دولها الام، وصحيح انها تطالب بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان بصوت عال، ولكن تلك القضايا لا تعتبر لدى المختصين سببا كافيا في اهدار امكاناتها، لان هذه الافكار تنتقل مع الشمس والهواء للشعوب والدول وهي رياح عاتية لابد من التعامل معها بجدية ومصداقية طال الوقت ام قصر, إذن لا مبرر للنظرة التشككية في تلك القطاعات الهامة من الامة ونحن نعيش ظروفاً خاصة تستدعي الاستفادة من جميع القوى والاستنارة بجميع العقول ما امكن، وحضارتنا قادرة على الاستيعاب وحشد الطاقات وبناء الجسور مع ابنائها اينما كانوا.
د,خليل عبدالله الخليل