Saturday 23rd October, 1999 G No. 9886جريدة الجزيرة السبت 14 ,رجب 1420 العدد 9886


منعطفات
هموم الصحة:
(3) الأخطاء والإهمال وطمام المرحوم !
د, فهد سعود اليحيا

كان في مخطط امي بالرضاعة -رحمها الله- ان تمر على المستوصف الوحيد في الخرمة قبل ان تذهب لتلبية دعوة بعض الاقارب, بيد ان مخططها لم يكتمل، وانتهى عند باب المستوصف, فقد وصف لها الطبيب حقنة بنسلين، اخذتها بهدوء, ولكنها لحظة خروجها من المستوصف سقطت صريعة، لان لديها حساسية من البنسلين, وبعد الدوام كان الطبيب والممرضون يحتسون الشاي، ويقهقهون على دكة المستوصف.
كان ذلك من اكثر من عشرين سنة، وبعدها بسنوات، حيث كنت ادرس الطب، ماتت اخت صديقي التي كانت تستعد للزواج من ابن عمتها في نهاية الصيف, ماتت بعد يومين من اجراء عملية الزائدة الدودية, بعد العملية مباشرة تدهورت حالة الفتاة من جراء نزيف داخلي.
لقد كانت عملية زائدة عادية تم الترتيب لها قبل ايام ولم تكن اسعافية او ذات مضاعفات.
ومنذ سنوات قليلة كان الرجل الكهل يعاني من سرطان في اللسان، وذات ليلة كان يعاني من صعوبة في التنفس لانسداد مجرى الهواء, فجاء الطبيب المناوب وفحصه وكتب :تجرى له عملية فغر الرغامي (إحداث فتحة في اعلى الحلق تمكن المريض من التنفس) صباح الغد !! وهذه العملية اسعافية، ويجب ان تجرى بسرعة في حالة انسداد مجرى الهواء, وقد علمونا في كلية الطب الاتنتظر، وان نصنع الفتحة بالقلم، ان لم يكن هناك مشرط! ولذا كانت تلك الليلة آخر ليلة في عمر المريض.
وبعدها كانت المرأة في الاشهر الاخيرة من الحمل، وتعاني من آلام مبرحة، ولكن الاطباء والممرضين كانوا يقولون انها جوّارة , وبعد بضعة ايام ادخلت الى العناية المركزة بسبب حالة تسمم الحمل ، وفي اليوم التالي توفيت,رحمهم الله جميعاً, في كل هذه الحالات لم يقم الاهل بالشكوى، اذ لم يريدوا ان يتم تشريح جثة فقيدهم الغالي (وهو مطلب حتمي في اغلب الاحوال، للتحقق من سبب الوفاة) كما انهم لايريدون وجع الرأس، ودوخة الدماغ، ويا رجال ما عندك احد، ولا انت لاقي نتيجة وقدر الله وما شاء فعل وحسبنا الله ونعم الوكيل , ونعم بالله، ولكن!
هناك فرق كبير بين الاهمال والخطأ، بل ان هناك فروقاً بين خطأ وآخر, وفي الحالات السابقة كان الخطأ جسيماً، ونتيجة اهمال، ليس للطبيب اي عذر فيه, فأوخم حالات الخطأ، هي التي تنتهي بالوفاة او بإعاقات شديدة، ودون ذلك قد تقع مجموعة كبيرة من اخطاء الممارسة الطبية منها التقصير في التشخيص والعلاج (Mismanagement) تؤدي الى إطالة امد المرض او وصف أدوية غير مناسبة,, الخ.
ولكن، هناك ايضاً، ما يعرف بالاخطاء التي لايمكن تجنبها ومسئولية الطبيب او الممرض ضئيلة، ان لم تكن معدومة, وليس هنا مجال تفصيلها, واشير الى مقال شيق مفيد للدكتور وليد فتيحي بعنوان الخطأ الطبي في عدد جمادى الاولى/ جمادى الآخرة لهذا العام من مجلة الخطوط السعودية اهلاً وسهلاً ، فليرجع اليه من يريد التفصيل.
واتساقا، مع هذه الاخطاء، اذكر انه من شبه الاجباري في بريطانيا، ان يشترك كل طبيب ممارس في اتحاد الدفاع الطبي ، ويدفع اشتراكاً سنوياً محترما، وغايته توفير المحامين عند وقوع الطبيب في خطأ، وكذلك دفع الغرامة عنه, ولايعني هذا تشجيع الاطباء على الاهمال لان ذلك المجلس سيتكفل بدفع التعويض او الغرامة, بل هي اساساً لمثل هذه الاخطاء، حيث لامسئولية، في الاغلب، على الطبيب ولكن المريض بحاجة لتعويض, اما لو كان الخطأ جسيماً، او ناتجاً عن اهمال، فلن يغني المجلس عنه شيئاً اذا ماحكم عليه بالسجن، او الايقاف عن العمل، او شطب اسمه من سجل الممارسين ليتسكع في الشوارع باقي عمره.
ولكن مايستوقفني هنا هو ان السائد عندنا ان الشكوى هي القاعدة، ولذا تبقى الامور على طمام المرحوم في حال عدمها, ولو تقدم احد بشكوى فإن الجهة المعنية تقوم ولاتقعد، ولو كانت الشكوى بسيطة او حتى كيدية، وتوقع بالطبيب اشد الجزاءات وبشكل لايتناسب مع التقصير او الخطأ, هذا على الاقل ماحدث في بعض الوقائع التي عاصرتها، او شاركت في لجان حولها: مثلاً طبيب كان يغفو وهو على مكتبه، المفتش ادعى انه نائم، والطبيب دافع بأنه انما يكون يقوم بتمرين استرخاء! هذه القضية لاتستأهل وقت الجدل ولاورقة المعاملة, هنا لم يكن هناك مشتك، ولكن حدث بعد سنة او اكثر، ان احدهم تقدم بشكوى تجاه ذلك الطبيب، فجعل البعض من واقعة النوم / الاسترخاء جريمة نكراء، تدل على ان ذلك الطبيب يمكن ان يرتكب ذلك الجرم الذي ادعي به عليه!! وهناك حالات لجأ فيها الطبيب الى القضاء وتمت تبرئته واسقطت القضية عنه وتم توبيخ الجهة الرسمية او تعويض الطبيب.
هذان النقيضان هما نتاج لوضع طمام المرحوم بل واهم اسباب حد طول امده, فاذا قدمت الشكوى وتوبعت جعل الطبيب عبرة لمن يعتبر بالحق او الباطل, وغاب عنا ان افضل نظام قضائي او رقابي في العالم لن يحقق ثماره ما لم تكن هناك آلية متابعة وتعزيز وتطوير وان تتم توعية المواطن/ المستهلك بحقوقه وسبل حفاظه عليها.
واحمد الله كثيراً ان الشرطة لاتتبع مبدأ الشكوى فقط، فعليها بداية حفظ الامن ومنع وقوع الجريمة، وثانياً تعقب الجناة والايقاع بهم, وفي كل مستشفى قسم للتحقق من الجودة النوعية، وفي وزارة الصحة ادارة كبيرة بهذا الاسم, وهذه الادارات تضع الشروط والمعايير، لكن المتابعة والتأكد من اتباعها امر تقصر دونه الامكانيات!! ولاتكشف عن طمام المرحوم الا عندما يتقدم احدهم بشكوى, وعلى ذلك ليس على الطبيب مراعاة الشروط والمعايير، وانما عليه ان يدعو الله بكرة واصيلا الايشكوه احدهم.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
ملحق المدينة
منوعــات
ندوة الجزيرة
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved