لن يختلف المعنى كثيرا حينما استبدلنا الوجه الحسن بوزارة الزراعة لانها بالفعل كانت وجها حسنا وفأل خير في مسيرة التنمية السعودية في ركضها المتواصل باتجاه الشمس، حيث اصبحت صحارى الجزيرة القاحلة وفيما يشبه الحلم دوائر ومربعات خضراء تسر القلب وتدخل البهجة في النفس خلال اقل من عقد من الزمن، ومثلت القروض والتسهيلات التي قدمتها الوزارة خير عون للمزارعين لانتاج مختلف المحاصيل وبأفضل المواصفات وأعلى مستوى من الجودة، وما تبعه من تحرك للنقل، واستقطاب للعمالة - وان كان معظمها أجنبيا - وتنشيط لعملية البيع والشراء حيث تتسم الزراعة بكثرة متطلباتها من بذور وأسمدة ومعدات وغير ذلك.
إلا ان العائد من الصوامع كان يغطي قروض البنك الزراعي ويسدد التجار ويبقى مقدار لا بأس به من الارباح للمزارع، وهذا ما جعل الكثير من المزارعين يتوسع افقيا في المساحة المزروعة من خلال شراء المزيد من الحيازات الزراعية واستصلاح الاراضي المرتفعة والصخرية لزيادة الانتاج وزيادة الارباح تبعا لذلك، معتمدا على القروض من البنك الزراعي وعلى ضمان تصريف الانتاج وخصوصا القمح عن طريق صوامع الغلال ومطاحن الدقيق فمن معاه الجمل ما يخاف ثقل الحمل كما يقولون، مع ملاحظة ان الكثير من المزارعين العاديين كانوا من متوسطي التعليم وقليلي الثقافة مما لم يمكنهم من معرفة ان دوام الحال من المحال وبالتالي لم يسع الكثير منهم لتنويع نشاطاته وبقي مقتصرا على الزراعة وكل ريال يأتيه منها يعود للتوسع فيها، إلا انه ومع الظروف التي حلت بالاقتصاد السعودي من انخفاض لاسعار النفط وقلة ايراداته، وظروف حرب الخليج الثانية وما صرف خلالها من الملايين اتقاء لشر عدو غاشم، مع هذه الظروف انقلب حال الوزارة من اب حنون إلى زوج أم قاس مع مزارعها من خلال:
1 - تخفيض اسعار القمح من 3,5 ريالات للكيلو جرام الواحد إلى 2 ريال فقط، ثم تخفيضه ايضا إلى 1,5 فقط.
2 - تحديد الكميات المسموح للمزارع توريدها للصوامع بحيث ان من عنده خمسة اجهزة محورية يسمح له بزراعة اثنين فقط، اي ما يكفي لسداد قرض البنك الزراعي فقط دون نظر لتكاليف المزارع الاخرى.
3 - تأخير صرف مستحقات المزارعين كما حصل لموسم 1412ه حيث لم يتسلموها إلا في عام 1416ه اي بعد اربع سنوات، مع ملاحظة انه يتم اخذ القروض لمدة ثلاث سنوات وأحيانا اربع من ثمرة عام واحد فقط فماذا يبقى للمزارع بعد ذلك؟
4 - ما حصل عام 1414ه حيث اصدرت الوزارة للمزارعين سندات تستحق السداد بعد خمس سنوات 1419ه مما جعل كثير من المزارعين يلجأ لصرفها من البنوك التجارية التي اخذت عليهم 18% من قيمة السند مقابل صرفه حالا، وقبل الكثير منهم هذه الخسارة لحاجته للسيولة لتسديد عمالته ودائنيه مع ما في ذلك من الحرمة والمخالفة الشرعية.
5 - ثم فاجأتهم الوزارة بعد ذلك بقرار تركيب عدادات للمياه على الابار والسماح لهم باستهلاك قدر معين فقط وما زاد عنه يؤخذ مقابله رسم، والحجة في ذلك تقليل الهدر والاقتصاد في استهلاك المياه وبالتالي خفض التكاليف على المزارع لأن من يتولى السقاية عمالة اجنبية لا تحسن الاقتصاد في الماء ولو قيل ذلك قبل عشر سنوات لكان مقبولا، اما الآن فالمزارع احرص من الوزارة على المياه لارتفاع تكاليف المحروقات والكهرباء عليه فهو لا يشغل إلا للضرورة فقط، وكثير منهم ترجف قلوبهم مع رجف مكائنهم خوفا من تعطلها وعكاسها مما يعني تكاليف اخرى لم تكن بالحسبان، وانا لا انكر هنا اهمية المحافظة على المياه وتقليل هدرها، ولكن هل للحفاظ على المياه يجب ان نعطل الزراعة؟ هنا يجب الاختيار والتضحية النسبية بأحدهما في سبيل الحفاظ على الآخر، وان كانت التضحية بالزراعة فكيف يسدد المزارع قروض البنك عليه ام ان الوزارة ستعفيهم من هذه القروض وتقول لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء .
6 - وفي السنتين الاخيرتين تحاول الوزارة اعادة المزارعين للزراعة بعد ان توقف الكثير منهم عنها وهجرها فأخذت الوزارة تصرف قروضا قصيرة الأجل تسدد خلال عام لمساعدة المزارع في شراء البذور والاسمدة ولكن في نهاية السنة سيسدد المزارع القرض القديم متوسط الأجل مع القرض الجديد قصير الأجل وربما بنهاية العام خرج مديونا ليسدد بقية القرضين من جيبه مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع تكاليف المحروقات والكهرباء وتكلفة جلب العمالة حيث تحتاج الزراعة إلى عمالة كبيرة وهذه التكاليف بالاضافة إلى سداد القرض تجعل الزراعة غير مفيدة للمزارع من كافة الوجوه.
عبدالله بن ربيعان