* تحقيق : نايف البشري - حسن البهكلي
تمثل حوادث السيارات في المملكة والخليج العربي القاتل الثاني بعد الأمراض حيث تصل وفياتها الى 37 لكل مائة ألف مقابل 21 في الولايات المتحدة الأمريكية، وتمثل المملكة الدولة الأعلى في عدد القتلى من حوادث الطرق المرورية مقارنة مع بعض دول الخليج وخصوصاً في حوادث المشاة، ولا شك أن هذه الوفيات تمثل قمة الخسائر الاجتماعية والاقتصادية والبشرية حيث ان الوفيات غالباً هم أقل من سن الأربعين، والأطفال تحت سن 12 سنة,, وتشارك في معالجة ومباشرة هذه الحوادث جهات عدة تعمل جميعاً لهدف واحد وهو إنقاذ حياة المصابين والتقليل من خطورة الاصابات والإعاقة المحتملة سواء بالتبليغ أو المشاركة في الاسعاف الأولي أو بالنقل السريع للمصاب أو بتقديم العلاج وذلك ضمن إطار الرعاية العاجلة لمصابي الحوادث والتي لا يمكن توقع وقت أو مكان حدوثها ومن هذه الجهات الدوريات ورجال المرور، وأمن الطرق، الهلال الأحمر، المستشفيات والمراكز الصحية.
وحول هذا الموضوع قام كل من الدكتور وليد ملعاط والدكتور خالد سعيد العسيري والدكتور حسين بن محمد البار والدكتور علي عبدالله الفقيه من قسم طب المجتمع والرعاية الصحية الأولية بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة بإجراء استطلاع معلومات واتجاهات وسلوكيات عينية من رجال أمن الطرق في مجال الاسعافات الأولية للمصابين في حوادث المرور وذلك في أكثر مدن المملكة ازدحاما وهي مدينة جدة حيث تم تنظيم دورة تدريبية مبسطة عن أبجديات الاسعافات الأولية لهذه العينة ودراسة تأثير الدورة على معلوماتهم واتجاهاتهم ثم الخروج بالتوصيات الملائمة في مجال تدريب الاسعافات الأولية بعد ذلك.
طريقة الدراسة
بعد مراجعة شاملة لسجلات إدارة المرور بمدينة جدة وحصر الحوادث المرورية وتعداد الاصابات فيها للعام 1417ه تم اختيار أحد أهم الخطوط السريعة فيها وهو خط الحرمين الشريفين وهو جزء من الخط السريع الذي يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة مرورا بجدة حيث يصلها من مدينة بحرة باتجاه مكة المكرمة ويحيط بها شرقا ليصل حتى 10كم خارجها شمالا باتجاه المدينة المنورة, وكانت العينة المختارة للدراسة هم من أمن الطرق العاملين في خط الحرمين وعددهم 60 فردا وتمت الدراسة من خلال تعبئة استبانة ذاتية الاجابة تشمل المعلومات الأساسية لهم كالعمر والمستوى التعليمي والحالة الاجتماعية ثم استطلاع اتجاهاتهم وسلوكياتهم في القيادة عامة وتجاه الحوادث المرورية وإصاباتهم خاصة من خلال أسئلة غير مباشرة لإبداء رأيهم والتعرف على مستوى معلوماتهم ومعارفهم في مجال التعامل العاجل مع الاصابات المرورية وطرق الإسعاف الأولى لها من خلال 14 سؤالا متعددة الاجابات للاختيار منها, وقد تم شرح الاستبانة لهم والتأكد من فهمهم لها بواسطة مجموعة من طلبة كلية الطب المدربين مسبقا لهذا العمل وتحت اشراف أحد الباحثين وتبع ذلك تقديم تدريب نظري وعملي لمدة ساعتين تقريبا حول أساسيات الإسعاف الأولي وذلك بالشرح النظري المبسط لأعضاء الجسم المختلفة الدورة الدموية ونوعيات الإصابة المتوقعة في حوادث الطرق ووسائل إسعافها أولياً, ثم تبع ذلك تطبيق عملي لبعض هذه الاسعافات من قبل المتدربين على بعضهم البعض مثل: طرق ايقاف النزيف وأولويات الإنعاش القلبي الرئوي وطرق نقل المصاب فاقد الوعي وذلك حسب الرعاية الفورية للمرضى والمصابين الصادر عن منظمة الصحة العالمية 1988م ولمعرفة تأثير هذا التدريب على رجال المرور ثم قياس معلوماتهم ومعارفهم فقط مرة أخرى عقب التدريب بفترة أسبوع باستخدام الاستبانة السابقة نفسها، لتحليل النتائج لهذه الاستبانة وللمعلومات المستقاة من سجلات إدارة المرور تم ادخالها في قاعدة بيانات بجهاز الحاسوب ثم استعمال برنامج إحصائي (Spss) وذلك لقياس النسب والمتوسطات الحسابية لمعامل المعلومات قبل وبعد التدريب ومقارنتها بالدلالات الاحصائية باستخدام اختبار للطالب وكذلك معرفة العوامل المتوقع تأثيرها عليها باستخدام ذات الاختبار.
نتائج الدراسة
بلغ عدد حوادث الطرق المسجلة لعام 1417ه بمدينة جدة 1957 حادثة اشترك فيها 4424 شخصا بمعدل 2,3 شخص لكل حادث وقد أصيب 2757 شخصا 58% منهم باصابات استدعت ارسالهم للمستشفيات وتوفي منهم 263 شخصا 6% في موقع الحادث مباشرة ولم يصب الباقون بأي أذى يستدعي نقلهم للمستشفى في وقت الحادث، كما لم توجد احصاءات لدى إدارة المرور عن الوفيات في الحالات التي أرسلت للمستشفيات وقد برزت السرعة الزائدة سببا مباشرا لنسبة كبيرة من هذه الحوادث بلغت 43,6% يليها عدم اتباع ارشادات المرور في 18,4% من هذه الحوادث ثم التجاوز غير النظامي 16,5% منها وقد بلغ نصيب خط الحرمين الشريفين 98 حادثا يمثلون 5% من اجمالي الحوادث نتج عنها 148 اصابة 22 حالة وفاة في موقع الحادث يمثلون 8,4% من الوفيات المباشرة لحوادث الطرق بجدة.
وتمت مقابلة 56 رجل مرور من العاملين على هذا الخط يمثلون 93,2 من العينة، كانت مؤهلات 92% منهم دون الثانوية العامة حيث حصل 21 منهم على الابتدائية 28 على الشهادة المتوسطة وحصل أربعة فقط على الثانوية العامة ولم يجب الباقون, كما بلغ متوسط أعمارهم 30,1 سنة وانحراف معياري = 7,4 سنة وكانت نسبة المتزوجين منهم 70% وقد أفادت نسبة كبيرة منهم أنهم شاهدوا ما بين 5- 20 حادث طريق في عام 1417ه (15 حادثا في المتوسط) وشارك معظمهم في الاسعاف الأولي للمصابين فيها وعند سؤالهم عن اتجاهاتهم في مجال الاسعاف الأولي لهذه الحوادث أبدوا جميعا الرغبة في إسعاف المصابين في حوادث السيارات وإحساسهم بالمسؤولية للتوقف ومد يد العون للمصابين كما أوضحت كل اجاباتهم تفهما تاما لأهمية تعلم بمبادىء الاسعافات الأولية للمساعدة في انقاذ الأرواح بل أكد 79% منهم أن تعلم الاسعافات الأولية يعتبر من أولويات عملهم مع حرصهم على وجود جمعية الهلال الأحمر التي يرى 65% منهم أن مراكزها محدودة في عددها في فعالية منسوبيها في الاسعاف العاجل للحوادث بوضعها الحالي, وعند البحث عن مصادر معلوماتهم في مجال الاسعاف الأولي للمصابين ظهر جليا أن غالبيتهم يعتمدون على المعرفة العشوائية والاطلاع على وسائل الإعلام العامة وخصوصا التلفزيون حسب ما يوضحه الجدول رقم (2)
جدول (2) مصدر المعلومات في مجال الاسعافات الأولية لرجال المرور العاملين على خط الحرمين بجدة 1417ه.
***
وقد أظهرت الاجابات الخاصة بمعارفهم ومعلوماتهم في مجال الاسعافات الأولية نقصا شديدا في أبجديات إسعاف المصابين حيث يظهر الجدول نسبة الاجابات الصحيحة لخمسة موضوعات منها, وقد بلغ متوسط الاجابات الصحيحة للأسئلة المتعلقة بالمعلومات لكل العينة 6,9 نقاط لانحراف معياري 8، من واقع 14 نقطة هي مجموع الاجابات الصحيحة لكل الأسئلة المتعلقة بالمعلومات والمعارف في مجال الاسعافات الأولية وقد ارتفع هذا المتوسط إلى 8,8 نقاط (انحراف معياري 2,5) بعد إعطائهم التدريب المبسط وكان هذا الارتفاع ذا دلالة إحصائية عالية (قيمة = 8,8، قيمة P= 0،001).
جدول (3) نسبة الاجابات الصحيحة لبعض معلومات الإسعافات لدى رجال المرور العاملين على خط الحرمين بجدة للعام 1417ه.
وعند استقصاء العوامل المؤثرة على المعلومات والمعارف في هذا المجال قبل التدريب ظهر أنه ليس هناك أي تأثير للعمر أو المؤهل العلمي أو الحالة الاجتماعية حيث لم تكن هناك الفوارق الاحصائية عالية بين فئات العمر المختلفة أو مستويات المؤهلات العلمية أو الحالة الاجتماعية لرجال المرور في هذا المجال، كما أن مقارنة المعدلات بين المراكز أنه تحصل على معلومات في مجال الاسعافات الأولية من لم يتحصل عليها لم ينتج عنها أي دلالة احصائية عالية لكن الفارق الوحيد ظهر في حساب متوسط للمعلومات لدى من شارك في انقاذ المصابين في حوادث السير العام الماضي حيث كان اكثر في مجال الاسعافات الأولية ممن لم يشارك وذلك بدلالة احصائية عالية (قيمة T = 3,7 قيمة P = 0,001).
المناقشة
تحدد منظمة الصحة العالمية وفيات حوادث الطرق بأنها تلك التي تحدث في فترة 30 يوماً بعد الحادث نظرا لأن ما بين 97,93% من الوفيات تحدث خلال هذه المدة, وتشير الاحصاءات أن وفيات الطرق في المملكة في تزايد سنوي حيث بلغ اجمالي الوفيات في الفترة من العام 1391ه حتى 1412ه 50,000 وفاة بلغت ذروتها بمقدار 3495 وفاة في عام 1412ه، بل وتجاوزت هذا الرقم في عام 1415ه إلى 3789 وفاة وذلك حسب الاحصاءات الرسمية لإدارات المرور، بل ويقدر أحد المراجع أن تصل الوفيات إلى 5140 وفاة في عام 1425ه.
ولا تتوفر معلومات دقيقة في المملكة عن وفيات حوادث الطرق بالنسبة لوقت حصول الحادث وذلك لعدم وجود الربط الكافي بين سجلات المستشفيات التي تصلها هذه الاصابات وسجلات إدارات المرور ولذا لا يمكن تؤدي الوفيات الفورية في موقع الحادث وتلك التي تحصل لها الوفاة في المستشفى خلال شهر, ولكن دراسة حديثة للغامدي تقدر أن يكون الرقم الموجود لدى إدارات المرور من وفيات الطرق وهي الوفيات الفورية خلال الساعات الأولى وفي موقع الحادث ممثلا لما يقرب 45% من الرقم الفعلي للمتوفين من حوادث الطرق وان الباقي منهم 55% يتوفون خلال شهر بعد وصولهم للمستشفيات, كما أن هناك تباينا واضحا في تقدير نسبة المتوفين في موقع الحادث في المراجع المتوفرة لدينا حيث تقدر دراسة أولية في منطقة عسير أن حوالي 12% من الوفيات تحصل في موقع الحادث بينما تشير دراسة أخرى أن ما بين 64 - 70% من حوادث الطرق في الرياض تتوفى قبل وصولها للمستشفى وقد يكون هذا الاختلاف لجغرافية المناطق التي هو عائد بالدرجة الأولى التي تم فيها التسجيل كما قد يكون الدقة في التسجيل من أسباب هذه التباينات, وأما بالنسبة لوفيات هذه الاصابات بعد وصولها للمستشفى فإن سجلات مستشفى الرياض المركزي تسجل أن أكثر من 40% من ضحايا الحوادث يموتون في اليوم الأول من دخولهم قسم الطوارىء للمستشفى ولا توجد أي تطور للاصابات الناتجة عن حوادث الطرق إلى وفيات فورية في الساعة الأولى من الحادث أو حتى في الساعات الأربع والعشرين التالية له يعتمد على عاملين أساسيين هما أولاً: مدى خطورة الاصابة الناتجة عن الحادثة وذلك يتعلق بنوع الحادث وطبيعة المركبة وطبيعة المصاب، وثانيا: الإسعاف الأولي والتدخل السريع من قبل المسعفين لإنقاذ حياة المصاب أو التقليل من تأثير الإصابة ومضاعفاتها وذلك يتعلق بقدرة المسعفين في مكان الحادث والتجهيزات المتوفرة لديهم والنقل السريع للمصاب إلى مواقع الإسعاف المختلفة ويؤكد ذلك توصيات اللجنة الخاصة بتطوير الخدمات الطبية الطارئة في المدن التي تبرز ان الهدف الرئيسي للإسعاف هو نقل الأفراد المؤهلين والأجهزة المناسبة إلى مكان الحادث ليتسنى البدء في تقديم الرعاية العاجلة للمصاب ثم نقل المصاب إلى قسم الطوارىء الملائم لحالته, ومع وجود القناعة الكاملة بأهمية الدور الذي يضطلع به الهلال الأحمر السعودي في الوصول السريع الفوري إلى مواقع الحادث وتقديم الإسعاف الأولي للمصابين وأهمية تدريبهم تدريبا مكثفا في مجال انقاذ الحياة، فإنه لا يمكن نفي أن رجال المرور هم أول المواجهين للحوادث لحظة وقوعها وفي دقائقها الثمينة الأولى حيث يذكر معظم رجال المرور في العينة المدروسة أنهم شاهدوا حوادث طرق عديدة خلال العام الماضي (5-20 حادثاً) وأن معظمهم شارك في الاسعاف الأولي للمصابين فيها كما يؤكد ذلك دراسات سابقة تشير إلى أن أجهزة المرور في المنطقة الغربية من المملكة قامت بالتبليغ والمباشرة الأولية لما يزيد على 74% من حوادث الطرق بالمنطقة كما أنه ومن ناحية ثانية، يصادق نسبة كبيرة من هؤلاء العاملين على هذا الخط الحيوي في مدينة جدة على ضعف قدرات الهلال الأحمر في تقديم خدمة الاسعاف وذلك كله يضاعف من أهمية رجال المرور في الاسعاف المبدئي الأولي للإصابات في هذه المنطقة مع عدم التقليل من التزام الهلال الأحمر بهذا الدور وأهمية تحسين كفاءتهم وتدريبهم لذلك وتأمين سرعة وصولهم لمكان الحادث من خلال التنسيق مع دوريات المرور لسرعة الإبلاغ بحصول الحوادث حال وقوعها، ولكن النتائج المتدنية لمعلومات ومعارف هذه العينة من رجال المرور في مجال الاسعافات الاولية تشير إلى الحاجة الماسة لتدريب هذه الفئة وإعدادهم جيداً لممارسة الطرق الصحيحة للإسعاف الأولي والتخفيف من خطر الاصابة وذلك للحد من الوفيات في حوادث الطرق ونرى هنا أنه حتى إذا كان التدريب المقدم لهذه الفئة بسيطا ومقتصرا على أساسيات انقاذ الحياة والرعاية العاجلة للمصاب ووقف النزيف والانعاش القلبي الرئوي العاجل فإنه من المتوقع أن يؤدي إلى ارتفاع عال في قدراتهم الاسعافية خصوصا إذا كان الزاميا ودوريا وتستدل على ذلك بارتفاع معدل معلوماتهم وتحسن قدراتهم من جراء هذا التدريب الطوعي المبسط خلال ساعتين ويدعم ذلك بقوة التوجه الإيجابي الذي أبدوه عن أهمية تعلم هذه المبادىء الاسعافية واحساسهم بالمسؤولية تجاه اصابات حوادث الطرق ورغبتهم في المساعدة وانقاذ الحياة ولذا يتوقع أن يعمل التدريب المكثف من خلال دورات الزامية سنوية منظمة في مجال الاسعافات الأولية على إحداث نقلة نوعية في قدرات ومهارات هؤلاء العاملين في مجال المرور والذين يمثلون أكثر وأول المواجهين للحوادث المرورية وقت حصولها مما سيؤدي إلى تقليل نسبة الوفيات الناتجة عن اصابات المرور في حوادث الطرق وهذا يتفق مع ما تذكره توصيات الكثير من الباحثين حيث يؤكد د, علي الغامدي ضرورة إلمام رجال المرور بمبادىء الاسعافات ويوافق على اتجاه د, فقيه في وضعه لرجال الأمن كمسعف ثان ضمن سلسلة المسعفين وكذلك ما تنادي اللجنة المقدمة للبرنامج التفصيلي لتدريب القوى العاملة في مجال الخدمات الطبية الطارئة التي تؤكد أن خفض نسبة الوفيات في حوادث الطرق يكون بتقديم الرعاية العاجلة في مكان الحادث.
الخلاصة
توثق الدراسة الحجم الكبير لحوادث الطرق في مدينة جدة والمشاركة الكبيرة لرجال المرور في مجال الاسعاف الأولي للإصابات الناجمة عنها واستعدادهم الايجابي لهذه المشاركة وتبرز الدراسة النقص الشديد في تدريب هذه الفئة في مجال الاسعافات الأولية، كما توضح أن تدريبا مبسطا في هذا المجال كفيل برفع مستوى كفاءتهم في انقاذ الأرواح والتقليل من خطر الاصابات في حوادث الطرق وتوصي الدراسة بإلزامية تدريب هؤلاء العاملين في هذا المجال مما سيكون عاملا مهما في تحسين الرعاية العاجلة للمصابين.
|