بوادر الاستجابة لتعريب التعليم الجامعي د, حمد بن محمد الفريان |
يقول احد الباحثين المحققين
لقد بدأ عدد من المؤسسات الطبية والتعليمية في العالم العربي في اعتناق فكرة تعريب التعليم والسعي لتطبيقها، ففي مجلس وزراء الصحة العرب الذي عقد في الخرطوم عام 1987م تقرر تكوين لجنة مشتركة من كل من مجلس وزراء الصحة والتعليم العالي العرب، والامانة العامة لجامعة الدول العربية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ومنظمة الصحة العالمية، والمجلس العربي للاختصاصات الطبية، تتولى وضع خطط وبرامج لتعريب التعليم الطبي والاشراف على تنفيذها.
وفي ندوة تعريب التعليم الطبي والصحي التي عقدت في دمشق عام 1988م والتي شارك فيها ثلاثة وعشرون وزيراً واربعون من عمداء كليات الطب في العالم العربي تقرر ان يكون عقد التسعينيات هو عقد التعريب الطبي ودعا مؤتمر التعليم الطبي الذي عقده اتحاد الاطباء العرب في القاهرة عام 1988م الى بدء التعريب في جميع كليات الطب والعلوم الطبية في الوطن العربي على ان يكتمل التعريب في موعد لا يتجاوز عام 1997م وقرر المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب المنعقد في الجماهيرية الليبية عام 1989م تشكيل لجنة مشتركة من كل من وزراء الصحة والتعليم العالي وعمداء كليات الطب لاتخاذ الخطوات التنفيذية لتحقيق التعريب وما يتعلق به من خطط وبرامج ومشروعات.
وفي المؤتمر الاقليمي لتعريب الطب الذي عقدته منظمة الصحة العالمية في القاهرة عام 1990م شارك فيه ستة وثلاثون من عمداء كليات الطب واساتذة العلوم الصحية والطبية في العالم العربي وعدد من ممثلي المؤسسات والهيئات العربية واتفق المؤتمرون على ان يبدأ تطبيق التعليم الطبي باللغة العربية على الفور في البلاد العربية وقد جاء في قرارات المؤتمر ما نصه: يؤكد المؤتمر ان تعليم العلوم الصحية باللغة الام عمل ثقافي وحضاري وعلمي، يضمن حسن الاستيعاب وييسر العملية التعليمية ما يؤدي الى تحسن الخدمات الصحية ورفع المستوى الصحي بوجه عام ويسجل بكل اعتزاز تلك الصحوة النشيطة لحركة تعريب التعليم الصحي والطبي التي سادت العالم العربي في السنوات الاخيرة وانتهى المؤتمر الى ان تعريب التعليم الصحي والطبي هدف التزمت به مختلف المنظمات والمجالس والهيئات المختصة ودعت الى تحقيقه في كل كليات الطب بالعالم العربي بحلول سنة ألفين .
وجاء في تقرير لجامعة اسيوط بجمهورية مصر العربية ما يأتي: يتميز التدريس بالعربية للطالب العربي بأن نقل الافكار يتم بطريقة مباشرة سلسة دون عناء ودون حاجة لترجمة داخلية تعوق التلقي المباشر واللغة الام تلقي بظلالها على المعاني فتكسبها ثراء واتساعاً وتلخصها بنفس المتلقي وتذوقه فتترك لديه اثراً باقياً، وقد لاحظنا ان اللغة التلقائية تجعل الطالب اكثر ثقة بما يقول واكثر تعبيراً عن مشكلاته وجرأة على المناقشة والحوار .
واتخذت بعض الكليات الطبية في العالم العربي قرارات حاسمة في موضوع تعليم الطب باللغة العربية، فالدراسة في كلية الطب بجامعة وادي النيل بالسودان باللغة العربية وبدأت جامعة العرب في بنغازي بتدريس العلوم الاساسية باللغة العربية وتبعتها في ذلك كلية دبي الطبية للبنات، وقررت كلية الطب بصنعاء البدء في تدريس طب المجتمع والطب الشرعي باللغة العربية واختارت كلية الطب بالاردن البدء بمادة التشريح، واتخذ مجلس جامعة الجزيرة بالسودان قراراً بالتعريب في مختلف كليات الجامعة، كذلك اعلنت الجزائر سياسة التعريب على المستوى القطري، اضافة الى بدء واستمرار التدريس باللغة العربية في جميع الجامعات السورية منذ انشائها والى الآن، كما قررت جامعة الموصل بالعراق التدريس باللغة العربية في جميع كلياتها.
ولقد عدت الامم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية اللغة العربية واحدة من ست لغات معتمدة يتحدث بها في المؤتمرات الدولية ويترجم منها واليها وهي: الانجليزية والفرنسية والعربية والاسبانية والروسية والصينية.
ومن المعلوم ان هذه الاستجابة العالمية والاستجابة العملية من قبل بعض الجامعات والهيئات العربية لم تأت من فراغ وانما كانت ثمرة للنداءات والتوصيات الصادرة عن المجامع اللغوية العربية بحكم الاختصاص، وثمرة ايضا لما تمخضت عنه المؤتمرات والندوات التي عقدت في هذا الصدد بشأن التعريب والترجمة واستناداً الى ما توصلت اليه الدراسات والتجارب واثبتته الاحصائيات وبناء على قرارات عليا في حالات معينة كما حصل من الرئيس الجزائري هواري ابو مدين، ولقد كان للمواقف المسئولة والكتابات الهادفة من قبل بعض المفكرين والاعلاميين والمثقفين العرب والاكاديميين تأثيرها الذي لا ينكر وصداها المحسوب في خدمة الصالح العام ومن اولئك النفر على سبيل المثال:
1- الاستاذ الدكتور زهير احمد السباعي استاذ طب الاسرة والمجتمع بجامعة الملك فيصل وعضو مجلس الشورى.
2- الاستاذ الدكتور زلول النجار عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول.
3- الاستاذ احمد حسن الزيات.
4- الاستاذ جرجي زيدان.
5- الدكتور احمد سعيدان عضو مجمع اللغة العربية الاردني.
6- الدكتور محمد عبدالعزيز محمد استاذ الرمد بجامعة الازهر.
7- الدكتور عبدالرحمن العوضي وزير الصحة الاسبق في دولة الكويت.
8- الدكتور محمد هيثم الخياط المسئول سابقاً في المكتب الاقليمي التابع لمنظمة الصحة العالمية بالاسكندرية.
9- الدكتور حسين الجزائري المدير الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية.
10- الدكتور شحادة الخوري الخبير في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم - انظر المجلة العربية للثقافة السنة 7 العدد 12 عام 1407ه.
11- الدكتور بشير الكاتب عميد كلية الطب بجامعة حلب.
12- الدكتور ابراهيم السلطي الرئيس المنتدب بالجامعة الامريكية ببيروت.
13- الدكتور محمد جابر الانصاري الاستاذ بجامعة الخليج العربي.
14- الدكتور عبدالله الحريبي عميد كلية الطب بجامعة صنعاء.
15- الدكتور حسن البريكي استاذ الجراحة بجامعة الملك فيصل.
16- الاستاذ الدكتور توفيق التميمي اول عميد لكلية الطب بجامعة الملك فيصل.
17- الدكتور محمد اسماعيل صيني.
18- الدكتور محمود مختار عبدالرحيم - انظر كتاب الدكتور زهير احمد السباعي تحت عنوان تجربتي في فيلم الطب باللغة العربية ومجلة قافلة الزيت - محرم 1402ه ومجلة الفيصل العدد 102 ص 45.
19- الدكتور شاكر الفحام - انظر مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق 59:656/661.
20- مصباح الحاج عيسى ونجاة عبدالعزيز المطوع - جامعة الكويت.
21- الدكتورة عائشة عبدالرحمن بنت الشاطىء التي تقول: مع بدء نكبتنا بالاحتلال عزلت اللغة العربية عزلاً تاماً عن تدريس العلوم الحديثة التي فرض المستعمر دراستها بلغته وساير هذا الانقلاب ترسيخ لفكرة عجز اللغة العربية عن تدريس اي علم حديث الخ.
وما اشارت اليه يشبه ما حصل في الجزائر حيث اصدر وزير الداخلية الفرنسي كاميل شوتو قراراً باسم الحكومة الفرنسية في 8 مارس عام 1936م يقضي باعتبار اللغة العربية لغة اجنبية في الجزائر استكباراً في الأرض ومكر السيىء ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله .
وما اشير اليه بعاليه من الجهات والاشخاص ماهو الا لضرب المثل وبيان واقع الحال وليس الهدف من ايراد ذلك الاستقصاء والحصر.
ومما لاشك انه حينما يكون المدرس عربياً والطالب عربياً والارض عربية والبيئة عربية اسلامية ولغة التدريس تكون لغة اجنبية فإن ذلك يكون نشازاً في المنظور التربوي المتجرد المحايد المخلص, حيث ثبت بالتجربة العلمية والدراسة الموثقة ان الطالب العربي حينما يقرأ نصاً عربياً فإن سرعة قراءته تزيد على سرعة قراءته نصاً اجنبياً بمعدل كبير جداً وان مدى الاستيعاب للنص باللغة العربية يفوق مداه باللغة الاجنبية بنسبة عالية وقد تأكد ان التحسن الذي يكسبه الطالب في البعدين الكمي والكيفي يصل الى 80% واذا درس بلغة اجنبية فانه يفقد هاتين المزيتين في السرعة وفي الاستيعاب وهما جوهريتان ومهمتان في المنظور التربوي.
ومن هذا المنطلق اصدر الزعيم الجزائري قراره التاريخي الحاسم في هذه القضية, وليس ذلك خاصاً باللغة العربية بل هو ينطبق على كل لغة هي الام بالنسبة لأمة من الامم ولذلك نجد الزعيم الفيتنامي هوشي منه قد اصدر فور استقلال بلاده قراراً يقضي بوجوب تدريس جميع المواد الدراسية في الجامعات والمدارس والمعاهد في بلده باللغة الفيتنامية باعتبارها اللغة الام بالنسبة للفيتناميين وما اصدره هواري ابو مدين وما اصدره هوشي منه وغيرهما يعتبر من الوجهة التربوية صواباً ويخدم الصالح العام لكلا البلدين على حد سواء كل في اختصاصه وبمقتضى لغته.
ويمكن ان نستخلص من كل ما تقدم اموراً منها:
1- ان اللغة العربية قد اوذيت وظلمت وتنقص من حقها على ايد اجنبية غازية متسلطة في ذلك الحين.
2- ان غالبية الناشئة العربية في طول البلاد العربية وعرضها التي ترعرعت في ظل الاجتياح اللغوي الاجنبي قد بدأت تصحو وتتنبه لهذا الامر التربوي الخطير وهذا ليس بمستغرب فهو شأن الامم العظيمة ذات التاريخ المجيد والتراث العريق لابد من ان تصحح مسارها وتنهض من عثارها وتقف من العالم موقف الند للند وهي جديرة بذلك ومن حقها, ومن حقها الا تخشى في هذا السبيل لومة لائم.
3- ان هذه الاستجابة وهذه الصحوة اللغوية الواسعة في الساحة العربية تبشر بخير وهي واعدة ومن المؤمل ان تتعمق اكثر فاكثر يوماً بعد يوم واستقامة امر التربية والتعليم لغوياً امر وارد ومطلوب وهو قادم بإذن الله.
4- ان التفاؤل في هذا المجال له ما يبرره فالحافز للمجامع اللغوية وللمؤتمرات والندوات والدراسات في هذا الخصوص واضح وهو الرغبة في تنشئة اجيال الامة بقوة في معلوماتهم وعمق في انتمائهم وبفاعلية متميزة في الاسهام في تنمية بلادهم، وسبيل ذلك هو تعليمهم كافة العلوم باللغة العربية اللغة الام اسوة بأمم العالم قاطبة.
5- باستقراء البحوث والدراسات والتوصيات في هذا الشأن اتضحت الرؤية لكل باحث منصف فلم يعد ممكناً خلط الاوراق بحجة اهمية اللغة الاجنبية فقد بات الفرق واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار بين شطري القضية فتعلم اللغة الاجنبية شيء مستقل تمام الاستقلال عن شطرها الثاني وهو التعليم بها وجعل اللغة الاجنبية بديلة عن اللغة العربية حسبما تقضي به الارادة الاجنبية, فدراستها كعلم من العلوم مقبولة ومطلوبة في السنوات العليا في السلم الدراسي والتدريس بها هو محل الاشكال فالفرق بيّن وواضح بين الامرين.
6- من هذا المنطلق حينما يتم تعريب التعليم سيشترط على من يدرس الطب مثلاً او احد العلوم التطبيقية والتقنية ان يجيد لغة اجنبية من اللغات ذات الشهرة وحينئذ يفوز بالحسنيين معاً يحصل على الدراسة بلغته الام ويجمع معها اجادة لغة اجنبية فيتم له قوة التحصيل واستيعاب المعلومات بنسبة عالية ولا يفوته مزية اجادة اللغة الاجنبية وهذه قمة المصلحة ومنتهى الاجادة, وهو النهج المطلوب والمرغوب فيه والمنادى به فلا ننزلق ولا ننفلق,
|
|
|