تحولت (أكشاك) الصحف في محلات (السوبرماركت) - وهي البديل الذي لابد من قبوله في ظل غياب المكتبة - الى مكتبات صغيرة، يتردد عليها هواة ومحترفون, دخل الكتاب اليها أول ما دخل خجولا, ثم ما لبث ان صار من (حمام الدار), القضية ليست هذه (مع ان هذه لوحدها قضية) الكتب التي تتولى شركة التوزيع توريدها لهذه الأكشاك هي كتب ذات نوعية معينة, تبدأ من (تذكرة داود) - وهو كتاب ممنوع في مصر مع انه مصنوع فيها - الى ان تصل الى نصائح للبنت خاصة (بليلة الزفاف) ذات عناوين لا أقول مثيرة بل أصفها بكل مسئولية بأنها سخيفة مهما كان مراد المؤلف الهمام من وضعها على الغلاف! حتى نلج في عالم آخر هو عالم (الجن والشياطين) أعوذ بالله! كتاب يشرح لك كيف تنتصر عليهم, آخر يدلك الى طريق السيطرة عليهم!!.
وآخر يدعوك الى ان تتحول في حضرتهم الى داعية فتدخلهم طوعاً او كرهاً في دين الله! بل وصلت المبالغة التي لا تخجل الى ان يؤلف احدهم كتيبا أسماه (حوار صحفي مع جني مسلم)!! ادعى فيه أنه التقى جنياً مسلماً (لم يذكر أين وكيف تم اللقاء؟!) وحاوره حول قضايا تمس الدين ثم تدرج به حتى سأله كيف يدخل الجني في الانسان؟ وكيف يتم اخراجه؟ ومن أين يدخل اصلا الى الانسان؟ وذكر في طريقة دخول الجني الى الانسان اماكن يأنف الذوق من تكرارها, علاوة على اكثر من عشرين كتاباً في مواضيع مختلفة جدا ألفها شخص يسبق اسمه بلقب (دكتور)! ولا تدري هل هو طبيب؟أم يحمل لقباً مثل هذا في علم النفس ؟ وهل هو أخصائي علاج نباتي؟ام انه دكتور في ماذا؟! له كتب عن التداوي بالعسل والحبة السوداء, واخرى عن تفسير الاحلام! وثالثة عن مقاومة المرض بالرياضة الروحانية التي (نشلها) من رياضة (اليوجا) الهندية , كتب عن ليلة الزفاف كتاباً موجهاً الى العذراوات بشكل سافر وبغيض.
وحين تنتهي من قراءة هذه العناوين وتستعيذ بالله من (شر ما خلق) تخرج من الكشك وانت تتساءل: هؤلاء الذين يؤلفون كتباً كهذه هدفهم معروف وهو البحث عن الفلوس! لكن الشركة التي توزع لهم تبحث هي عن الفلوس! وما موقف صاحب الكشك ببعيد عنهما, فمن هو المسئول الحقيقي عن ترويج مثل الكتب؟ ان قارىء اليوم سيصاب بالانفصام وهو يقرأ مثل هذه الكتب , فهو يعيش ضمن ثورة الاتصالات, بحيث يمكنه الحصول على المعلومة خلال دقائق, فهل سيخاطب العالم المقبل على الألفية الثالثة بخطاب الارواح التي تسكن أجساد الناس؟ ألم يكن مريض الذهان الذي يرى ويسمع هلوسات سمعية وبصرية يحضر له اهله طبيباً يقوم بربط أصابعه والصراخ على (الجني) ان (اخرج بسلام) فيأخذ منه (الجني) عهدا بألا يؤذيه ويعطيه العهد ويشفى المريض لساعات يعود بعدها لهذيانه ثم ينقل الى (شهار) ميئوسا منه مثل الميت او أسوأ؟, ألم يصل العلم الى علاج بالادوية منذ العام 1950م جعل مثل هذا المريض يمارس حياته ويعمل ويتآلف ويلتحق بدنيا الآخرين؟ ام ان هذه الكتب التي تعلمك كيف تتعامل مع (الاشباح) او تنقل لك حوارا وهمياً مع (جني)! او تفسر أحلامك بنمطية غير علمية هي شيء من طوق التخلف الذي يضرب تجاه اجيالنا الصاعدة, نحن لا نملك ان ننكر ما قاله الله تعالى عن الجن ونؤمن بوجودهم في حدود رسمها الله, اما ان نتخذهم مادة للتكسب التافه والتجهيل وجر الناس الى سنوات الجهل والوثنية فإننا نسجل موقفنا صريحا من هذه الفئة التي تتكسب بعقول أولادنا وبناتنا من خلال طرق مواضيع تجعلهم في حيرة: من يصدقون؟!
لا تصدقوهم!
|