من البدهي القول ان لكل مجتمع ثقافته الخاصة به والتي دائما ما تتألف من جانبين: جانب معنوي يشمل العادات والتقاليد والمعايير وقواعد السلوك,, وجانب مادي يتمثل بما ينتجه المجتمع ويستهلكه أفراده, تتمايز المجتمعات في مدى التزام أفرادها بما تفرضه عليهم من التزامات سلوكية, فهناك مجتمعات (مرنة) لا يجد أفرادها صعوبة في التمسك بقوانينها وقواعد سلوكها او التنصل منها كذلك, في المقابل، هناك مجتمعهات تُرغم افرادها على الاخذ بحذافير اعرافها ومُثلها وقيمها الامر الذي من خلاله يلجأ (البعض!) من هؤلاء الافراد إلى محاولة التوفيق بين ما تفرضه عليهم مجتمعاتهم من ثقافة مثالية: (ما هو مفترض ان يكون) وبين ما تتطلبه الحياة الواقعية: (ما هو كائن بالفعل) وهنا يُضطر هؤلاء الأفراد الى العمل على انشاء ثقافة اخرى (توفيقية) والتي وإن كانت تحمل بين طيّاتها الكثير الكثير مما يناقض جوهر الثقافة المثالية (الأصلية) فهي مقبولة طالما ظلت مفردات ومفاهيم الثقافة المثالية هي الرائجة (لغويا وبالتالي نفسيا/ مجتمعيا).
تلك التوطئة (نصف الاكاديمية!) تقودنا (والله يعين!) إلى الولوج مباشرة في لبِّ تلك المقالة والتي ترى في ثقافة (وصف حبيب العين!) شعرياً، دليلا جليا على مناقضة الثقافة المثالية للثقافة الواقعية مما يؤدي بالشعراء الى محاولة (التملُّص!) من قيود الثقافة المثالية من خلال العمل على إيجاد ثقافة واقعية تنبثق من الواقع وتخفف من وطأة معطيات الصراع الازلي بين ما هو مقدس وبين ما هو (دنس!).
كلما اتسعت الهوّة بين الثقافتين: المثالية والواقعية، يبادر أفراد المجتمع (بردمها!) من خلال (تشنيف!) الاسماع - خصوصا شفويا!- بكل ما من شأنه ترسيخ الثقافة المثالية في العقول الباطنية,, فمثلا معيار الجمال المثالي هو جمال المخبر وليس المظهر,, والناس مخابر وليسوا مظاهر,, والاصل في معيار جمال شريكة الحياة (المثالية) هو "اسأل عن أمه كان تبغى تضمه!"وغيرها من مفردات تعجُّ بها الثقافة المثالية الاستهلاكية والتي تقبع - بفعل التكرار طبعاً - في العقول الباطنية كعملية مورثة بغض النظر عن ما لها وما عليها عندما يتم (تفكيكها!) عقلانياً.
كيف يفسر أحدكم قيام أحدنا بوصف (أعز!) الناس (لكل الناس!) وبدقة متناهية؟! مع أن هذ الوصف - وحسب معايير الثقافة السائدة/ المثالية - ممنوع اخلاقيا! بل كيف يقوم أحدنا بوصف حبيبته (لغيره) بطريقة لو قام بها غيره (كان تقوم الدنيا؟!), بل لماذا نوغل في الإبحار في جمال عينيها ورشاقة قوامها مقبلة مدبرة ونغفل جمالها الروحي والذي - رغم ديمومته - دائماً ما يقبع كفصل مؤجل لما بعد اللقاء!,, وهل دائماً ما يتحقق اللقاء؟!
د, فارس الغزي