لقد فجع المسلمون في مشارق الارض ومغاربها بوفاة العلامة الجهبذ والمحدث الكبير، ناصر السنة، وقامع البدعة، فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الالباني رحمه الله واسكنه فسيح جناته وغفر له ونور ضريحه والهم ذويه الصبر والسلوان، انا لله وانا اليه راجعون ,
فموته خسارة على المسلمين لا تعوض ورزية عظيمة وثلمة لا ترفأ كيف لا وهو علم من اكبر اعلام الاسلام ومرجع للسنة من اكبر المراجع، افنى شبابه وحياته في الدعوة الى الله وطلب العلم ونشره والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيضه الله لدراسة احاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وابرازها للناس بعد تصنيفها وتحقيقها وبيان الصحيح منها من الضعيف، والموضوع من غيره فرد عنها غلو الغالين وتحريف المحرفين، وكيد الكائدين.
فلقد ولد رحمه الله عام 1332ه في مدينة اشقودرة عاصمة البانيا آنذاك ونشأ في اسرة فقيرة ومن بيت علم، حيث نزح مع والده من البانيا الى سوريا بعد تولي الحاكم الهالك احمد زوغو الذي حول الحكم في البانيا لتكون دولة علمانية تحارب الاسلام واهله.
بدأ الشيخ دراسته الابتدائية في دمشق ثم تابع دراسته على المشايخ فتعلم القرآن وختمه على يد والده مع بعض الفقه الحنبلي، وقرأ على الشيخ سعيد البرهاني مراقي الفلاح وشذور الذهب وبعض كتب البلاغة، ومنحه الشيخ محمد راغب الطباخ اجازة في الحديث، وكان رحمه الله يكتسب رزقه من مهنة اصلاح الساعات حيث ورثها من والده، وقد توجه في بداية العشرين من عمره الى علم الحديث متأثراً بابحاث مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ محمد رشيد رضا.
اخذ رحمه الله يتردد على المكتبة الظاهرية والمكتبات الخاصة مثل مكتبة سليم القصيباني والمكتبة العربية الهاشمية، وكان الشيخ يلبث في المكتبة وقتاً طويلا للبحث والاطلاع الى درجة انه خصص له بالمكتبة الظاهرية غرفة خاصة للبحث والاطلاع، وقد ذكر عنه انه يصعد السلم ليتناول احد الكتب من الرفوف فاذا تناول الكتاب جلس ساعة او اكثر يقرأ وهو على السلم وقد نسي نفسه ووضعه على السلم وذلك من شغفه وحبه للقراءة, وقد قدم للمملكة العربية السعودية في عام 1381ه للتدريس في الجامعة الاسلامية بترشيح من سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله ودرس في الجامعة ثلاث سنوات ثم رجع الى سوريا ثم الى الاردن.
وقد رشحه الملك خالد رحمه الله عضواً في المجلس الاعلى للجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة من عام 1395ه وقد فاز رحمه الله بجائزة الملك فيصل العالمية لعام 1419ه في فرع الدراسات الاسلامية، نظير جهده واجتهاده وتفانيه في خدمة الاسلام والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد الف رحمه الله العديد من الكتب النافعة تربو على مائة كتاب منها سبعون كتاباً مطبوعة منشورة ومن هذه الكتب:
1- سلسلة الاحاديث الصحيحة 2- سلسلة الاحاديث الضعيفة 3- ارواء الغليل في تخريج احاديث منار السبيل 4- تلخيص احكام الجنائز 5- تخليص صفة صلاة النبي 6- التوسل انواعه واحكامه 7- حجة النبي صلى الله عليه وسلم 8- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة 9- الحديث حجة بنفسه 10- جلباب المرأة المسلمة, وخشية الاطالة نكتفي بذكر هذا العدد من كتبه الكثيرة.
وذكر ان الشيخ رحمه الله قد اوصى بأن تودع مكتبته مكتبة الجامعة الاسلامية.
وكان الشيخ رحمه الله لشدة محافظته على الوقت اذا رغب احد في زيارته والاستفادة منه حدد له وقتاً للزيارة، حيث يقول احد من زاره: اتصلنا بالشيخ ليحدد لنا وقتاً لمقابلته فقال تأتون ساعة واحدة من التاسعة الى العاشرة، يقول فحضرنا متأخرين اي التاسعة والنصف فلامنا الشيخ على ذلك وما ان اشارت الساعة الى العاشرة واذا بالشيخ يقول انصرفوا راشدين! لان هناك من رتب معه موعداً بعد العاشرة، وهذا مما يدل على حرصه ودقته في المواعيد وضبطه للوقت للاستفادة منه! فيا للعجب كم يضيع علينا من الاوقات بلا فائدة؟ وقد اثنى عليه علماء كثر منهم سماحة الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله حيث قال لي احد الثقات انه سمعه في برنامج نور على الدرب يقول لا نعلم احداً اعلم بالحديث منه يعني بذلك الالباني، وقد نقل كثيراً عن العلامة ابن باز انه قال ما تحت اديم السماء عالم بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الالباني او كلمة نحوها، وقد الف محمد الشيباني كتاباً عن حياة الالباني وذلك قبل وفاته فمن اراد الاستزادة فليرجع اليه.
وممن اثنى عليه بعد موته معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد حيث قال: الحمد لله على قضائه وقدره (انا لله وانا اليه راجعون) ولا شك ان فقد العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الالباني: مصيبة لانه علم من اعلام الامة ومحدث من محدثيها وبهم حفظ الله جل وعلا هذا الدين ونشر الله بهم السنة,, الخ .
وقال معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن صالح العبيد الامين العامة لرابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة: لاشك بأن فقد الامة الاسلامية بوفاة الشيخ محمد ناصر الدين الالباني تعتبر خسارة فادحة، وقال: وشواهد الشيخ واسهاماته جليلة وكبيرة من خلال عمله في المؤسسات الاسلامية الكبرى مثل الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة وغيرها من المؤسسات الاسلامية الكبرى وقد كان فضيلته رحمه الله موضع التقدير والاحترام من قبل المسلمين افراداً وهيئات وجماعات ودولا وقد توج ذلك بمنحه جائزة الملك فيصل لخدمته الجليلة للدراسات المتعلقة بالحديث ويذكر ان امرأةً اتصلت هاتفياً من الجزائر بالشيخ رحمه الله فقالت اني رأيت في المنام الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم يمشي وانت تمشي خلفه فبكى الشيخ رحمه الله من هذه الرؤيا واخذ يجهش في البكاء.
واما صلته بالعلماء، فقد التقى رحمه الله بالعديد منهم كالشيخ حامد الفقي، والشيخ احمد شاكر، والشيخ عبدالرزاق حمزة، والشيخ محمد بن ابراهيم، والشيخ عبدالعزيز بن باز فقد كان له به علاقة قوية وجلسات علمية عديدة مفيدة.
وللشيخ الالباني دروس اسبوعية كثيرة في كتب كثيرة كفتح المجيد والروضة الندية، وفقه السنة، ومنهاج الاسلام، حيث درس عليه نخبة طيبة من طلبة العلم منهم: الشيخ حمدي عبدالمجيد السلفي، والدكتور ربيع بن هادي المدخلي، والشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق، والشيخ محمد بن ابراهيم شقرة، والشيخ يسلم بن عيدالهلالي، وغيرهم كثير.
ومن اول مؤلفاته الفقهية كتاب تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد واول عمل في الحديث عني به الشيخ هو نسخ كتاب المغني عن حمل الاسفار في الاسفار وكذلك من اوائل كتب التخريج، كتاب الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير، ولا يزال مخطوطاً.
واما عن اولاده: فقد رزق الشيخ بسبعة اولاد وست بنات، حيث انه رحمه الله تزوج من اربع نساء، جعل الله ذريته خير خلف لخير سلف وبارك الله فيهم وحفظهم واعظم اجرهم في وفاة والدهم فقيد المسلمين.
ولم تأل جهداً حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في الامر على من يلزم باستقبال الشيخ وعلاجه في ارقى المستشفيات بالمملكة وذلك بشفاعة من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ولكن ظروف الشيخ الالباني الاسرية وتأجيله للقدوم للمملكة حالت دون ذلك، وكل شيء بارادة الله ومشيئته سبحانه حيث وافاه الاجل المحتوم مساء يوم السبت 22/6/1420ه في احد مستشفيات عمان عاصمة الاردن بعد معاناة طويلة مع المرض، وقد شيعه وصلى عليه خلق كثير، رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته وجزاه الله عن الاسلام والمسلمين خيراً وجبر مصيبتهم فيه واخلفهم خيراً منه انا لله وانا اليه راجعون وبالله التوفيق,
الشيخ محمد بن سعد السعيّد
إمام وخطيب جامع سلطانة الشرقي بالرياض