روى لي صديق واقعة يتقاسمها شيء من ضيق، وشيء من غضب، وشيء من عجب، فقال: بينما كنت ذات يوم في طريقي راكباً عبر احد شوارع الرياض، إذا برجل يقود سيارة، ويلقي من نافذتها بفضلات من الورق الى الشارع, وشعرتُ في تلك اللحظة بتحريض ذاتي قوي يرغمني على متابعة ذلك الرجل المخالف حتى أوقفت كلينا إشارة حمراء!
***
ويتابع الصديق روايته فيقول: بادرتُ الرجل( المخالف) بالتحية، فنظر إليّ مبتسماً,, وهو يرد السلام، وإذا هو غربي القيافة والوجه واللسان, ثم سألتُه عن (فعلته)، فجاء رده صاعقاً وسريعاً في آن، حيث قال: ما كنت لأفعل ما فعلت لولا أنني رأيت بأمّ عينيّ أكثر من مرة نماذج منكم أنتم أهل الدار يأتون الفعل ذاته وهم لايشعرون، وحيناً يأتونه عمداً وهم لايبالون, ولو كنتم غيورين على مدينتكم، فقرنتم قولكم بالفعل لأقتديت بكم، ولم أجرؤ على اقتراف مافعلت!
***
واستطرد (المخالفُ) الغربي قائلاً: دعني أبادلك السؤال بسؤال: لماذا لا تكونون أنتم أهل الدار أسوة حسنة لأنفسكم ولنا معكم، فنقتدي بكم، وتبقى شوارع مدينتكم وأحياؤها نظيفة؟!
***
وهنا,, أضاءت الإشارةُ الخضراء، فسكت صديقي ومحاوره الغربي عن الكلام المباح، ثم سألني الصديق: والآن,, مارأيك فيما سمعت؟ فقلت: لقد حاولت أيها الصديق مجتهداً أن تنصح ذلك الرجل الغربي مدفوعاً بغيرة وطنية، فردّ لك صاعَ النصيحة صاعين، ولقّننا من خلالك درساً مفحماً لن ننساه!
***
وهو، رغم هجمته المرتدّة عليك، وعلى المخالفين منّا,, مثله يظل في تقديري ذا حق فيما قال، فكثيرون منا ينهون الناس عن فعل، لكنهم لاينأون عنه، بل يأتون مثله، فكيف نطمع ان تكون لنا مصداقية الأمر او النهي او النصح اذا كنا لا نبدأ بأنفسنا,, ونكون قدوةً للآخرين مواطنين ومقيمين؟!
***
وأخيراً,, ألا تعجب معي كيف ان الكثيرين منّا يقتدون بالاجانب في عقر ديارهم,, ويترددون الف مرة قبل ان يُلقوا بنفاية في شارع أو مرفق عام، لكنهم لايترددون، بل لايستحون أن يلوِّثوا شارعاً أو مرفقاً عاماً في بلادنا, بملء إرادتهم، وأمام أسماع الناس وأبصارهم! ، فإذا نُهوا عمّا فعلوا أو نُصحوا، استيقظت في أعماقهم (كرامة) داحس والغبراء، واستولت عليهم العزّة بالإثم، ونازعوا الحطيئة (موهبة) الهجاء!!
***
وهناك أمر آخر هام، وهو أن كثيرين من الوافدين الى هذه البلاد يسهمون بقدر كبير في تلويث الشوارع والمرافق العامة، إما بحكم العادة، أو الاستخفاف بما يفعلون في غياب وازع القدوة أو الردع أو كليهما!
***
وبعد,.
فليكن الدرسُ القاسي الذي تلقاه صديقي من المقيم الغربي موعظة لنا وعبرة، ودعوة صريحة لنا جميعا لممارسة كثير من الحياء، وكثير من الحذر، وقدر كبير من الغيرة على هذا الوطن وأهله!
***
نعم,, لسنا في حاجة الى من يلقّننا ناموس النظافة وآدابها في بيوتنا وشوارعنا، أو يسخر منا، لهذا الغرض ، ففي ديننا الحنيف وفطرتنا الانسانية ما يحثنا على النظافة: آداباً وممارسة، إلا من شذّ,, فذاك تأكيد للقاعدة، لانسخ لها!
***
لنأمر بالمعروف من يلوّث الشارع أو يصادر الجمال من مرفق عام أو خاص،,, بدءاً بالنصيحة، فإن لم تُجد، فباللوم، فإن لم يُجد، فبإبلاغ من بيده الحل والعقد، ليردعه السلطان عما اخفق في ردعه عنه اللسان!
ولكن,, قبل أن نفعل هذا كلّه,, يتعيّن أن نكون قدوة حسنة للغير كي لا تُردَّ إلينا بضاعتنا خاسرة!
ولنتذكر أبداً أن الوطن,, بيت الجميع,, وأن نظافته مسؤولية الجميع، أفراداً وجماعات، والله المستعان!
|