Monday 18th October, 1999 G No. 9881جريدة الجزيرة الأثنين 9 ,رجب 1420 العدد 9881


قرارات السعودة بين تطلع المنظِّر وتقصير المنفِّذ
الدكتور : مفرج بن سعد القحطاني

لقد تعرض الاقتصاد السعودي منذ بداية السبعينيات الى تغيرات هيكلية ادت الى تغير النمط والمنهج في معظم القطاعات الاقتصادية المختلفة, ولقد كان من ابرز هذه التغيرات الهيكلية التغير في هيكلية سوق العمل السعودي الذي تحول من الاعتماد شبه الكامل على الذات الى الاعتماد شبه الكامل على العمالة الاجنبية ما اضعف من دور عنصر العمل السعودي في العملية التنموية الشاملة وافقده الفرصة في اكتساب الخبرة والمهارة اللازمتين للمحافظة على المكاسب التنموية, ومع بداية الثمانينيات أدرك المسؤولون خطورة الموقف خاصة بعد انحسار الطفرة الاقتصادية وبالتالي انحسار فرص العمل في القطاعين العام والخاص والزيادة الكبيرة في معدلات النمو السكانية والتالي زيادة اعداد الشباب السعودي المتدفق سنوياً الى سوق العمل السعودي مما دفعهم الى اتخاذ بعض السياسات والقرارات التي استهدفت تعديل المسار لصالح الايدي العاملة السعودية.
ولقد كان ابرز هذه الاجراءات التصحيحية انشاء مجلس القوى العاملة قبل حوالي عشرين عاماً ليتولى الاشراف على السياسات المتعلقة بالقوى العاملة والتنسيق بين الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة بالقوى العاملة وسوق العمل السعودي,
ومما لاشك فيه فقد كان للمجلس دور بارز في اقرار العديد من القرارات الهامة التي كان من الممكن ان تكون فاعلة في معالجة مشكلة العشوائية في سوق العمل السعودي وفاعلة في تحقيق التوطين السريع والمنطقي لفرص العمل المتاحة في سوق العمل السعودي, ومن ابرز هذه القرارات:
1-قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 50 وتاريخ 21/4/1415ه المتضمن الموافقة على توصيات مجلس القوى العاملة والتي كان من ابرزها الزام المنشآت الاهلية التي تستخدم 20 عاملاً فأكثر بزيادة العمالة السعودية لديها بما لايقل عن 5% سنوياً وحصر بعض الوظائف على السعوديين واقرار الجزاءات المناسبة لكل من يخالف التوصيات الواردة في القرار واعطاء وزير العمل والشؤون الاجتماعية الصلاحية لتعديل النسبة وفقاً لما تقتضيه المصلحة وتفرضه معطيات سوق العمل,ولقد كان القرار المذكور صريحاً في تحميل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مسؤولية متابعة التنفيذ والتعديل على القرار والرفع بالتوصيات اللازمة لتدعيم القاعدة التطبيقية لبنود وتوصيات القرار.
2-قرار مجلس القوى العاملة رقم 13/ق ر1415 في 22/3/1415ه الخاص بالسعودة في شركات الاسمنت حيث تضمن القرار جدولاً زمنياً وكمياً لتحقيق التوطين المطلوب لفرص العمل المتاحة في شركات الاسمنت مع الاخذ في الاعتبار الفوارق الهيكلية بين الشركات القائمة والمستهدفة بالقرار, كما ان القرار كان صريحاً في تحميل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مسؤولية متابعة التنفيذ حيث نص في الفقرة الثانية عشرة على الاتي:(تقوم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بمتابعة تنفيذ شركات الاسمنت للاهداف المحدودة لهذه الشركات وتتلقى تقارير دورية عن ذلك وتنسق في ذلك مع اعمال الاستقدام واستخدام العمالة الاجنبية في تلك الشركات), السؤال المهم هنا هل تم تنفيذ القرار وهل قامت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بمهامها في هذا الخصوص؟
3-قرار مجلس القوى العاملة رقم 2/م 36/1415 في 26/7/1415ه الخاص بالسعودة في المدارس الاهلية حيث تضمن الزام المدارس الاهلية للبنين والبنات بزيادة نسبة السعوديين والسعوديات عن العدد الموجود في كل منها بما لايقل عن 10% سنوياً وقصر الوظائف الادارية الشاغرة او التي تشغر مستقبلاً والجديدة على السعوديين والسعوديات على ان تراعي المدارس الاهلية وضع الرواتب والحوافز التي تكفل استقطاب السعوديين للعمل بها, ولقد حمل القرار وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات مسؤولية التهيئة لتطبيق ومتابعة تنفيذ القرار,, السؤال الهام هنا هو ماذا تم في هذا الخصوص وهل تم تحقيق التوطين والاحلال اللازم كما نص عليه القرار ام ان المدارس الاهلية لاتزال مرتعاً خصباً لتواجد العمالة الاجنبية؟ وهل تم التغلب على العوائق الادارية والمالية التي يختلقها ملاك المدارس الاهلية كذريعة لعدم توظيف الايدي العاملة الوطنية؟
4-قرار مجلس القوى العاملة رقم 1/م 37/1415 في 5/11/1415ه الخاص بالسعودة في شركات الكهرباء على ان تقوم وزارة الصناعة والكهرباء بالتنسيق مع شركات الكهرباء بمتابعة تنفيذ ماورد في القرار, السؤال الهام هو لماذا لايزال الكثير من العمالة الاجنبية يشغل الوظائف التي نص النظام والقرار رقم 50 على حصرها على السعوديين فقط.
5-قرار مجلس القوى العاملة رقم 1/م 38/1415ه في 11/11/1415ه الخاص بالسعودة في الفنادق حيث نص القرار على الزام جميع الفنادق بزيادة العمالة السعودية بنسبة لاتقل عن 5% سنوياً اعتباراً من العام 1416ه وقصر الوظائف التالية على السعوديين: المدير العام او نائبه، مدير شؤون الموظفين، المعقبين، امناء الصندوق، وظائف الحراسة الامنية المدنية, كما حث القرار الفنادق على وضع الرواتب والحوافز الكفيلة باستقطاب السعوديين للعمل لديها وحمل وزارة التجارة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية مسؤولية متابعة تنفيذ القرار, السؤال الهام هنا لماذا تم التقصير في تطبيق القرار ولماذا لايزال العامل السعودي غريباً في الفنادق؟ وهل تم حصر الوظائف التي نص عليها القرار على السعوديين؟
6-بالاضافة الى ماتقدم ، هنالك العديد من التعاميم الصادرة لتنظيم العمل في بعض المهن الهامة كالمشاغل الخاصة بخياطة البدل العسكرية، والاستوديوهات السمعية ومحلات الفيديو واستوديوهات التصوير الفوتوغرافي للنساء، والمكاتب العقارية، وأسواق الخضار، وصب واصلاح المفاتيح وغيرها من المهن التي تم نظرياً حصرها على السعوديين, ولكن ماذا نرى في شوارعنا ومحلاتنا المنتشرة هل تم تنفيذ ما تضمنته التعاميم الرسمية الصادرة عن جهات حكومية عليا؟
بعد هذا الاستعراض الموجز للقرارات الهامة التي استهدفت سوق العمل السعودي، نستطيع القول ان مجلس القوى العاملة ووزارة الداخلية لم يقصرا في واجبهما تجاه معالجة الواقع العمالي الحالي ولكن المشكلة تكمن في عجز او عدم قيام الجهات المسؤولة عن متابعة التنفيذ بواجبها حيث ظلت القرارات الصادرة نصا بلاروح وتنظيرا بلا تطبيق, وهذا يدعونا الى القول ان عدم التطبيق ناتج عن:
1-اما عدم فهم الجهات المعنية للقرار مما قادها الى الابتعاد عن التطبيق ومتابعة التنفيذ وهذا لايعفيها من المسؤولية حيث كان من اللازم عليها الاستفسار عن مواطن الشك وعدم الفهم.
2-او عدم قابلية القرار للتطبيق وهذا غير ممكن حيث ان من غير المنطقي ان يصدر عن جهة رسمية في مقام مجلس الوزراء الموقر او مجلس القوى العاملة او وزارة الداخلية قرار لايمكن تطبيقه خاصة وان الجهات المذكورة تمتلك من القدرة الادارية مايكفل لها صياغة القرار في ضوء معلومات وبيانات دقيقة وواضحة تكفل له فرصا تطبيقية ملائمة.
3- او عدم قدرة الجهات المكلفة بمتابعة التنفيذ على القيام بواجبها وهذا ايضا غير ممكن حيث ان القرارات الصادرة والمذكورة آنفا قد كلفت كل جهة بما يقع في تخصصها وتحت نطاق مسؤولياتها.
4-او عدم قناعة الجهات المعنية بمتابعة التنفيذ بالقرار مما يضعف حماسها نحو التطبيق ويضعف القرار نصا وروحا وهذا غير منطقي لأن الجهات المعنية جهات حكومية مهمتها الرئيسة تحقيق المصلحة العامة وتنفيذ مايصدر اليها من قرارات عليا بغض النظر عن قناعتها بمضمون القرار من عدمها.
5- او عدم رغبة الجهات المعنية (تكاسلا او اهمالا) في القيام بواجبها تجاه القرارات الصادرة وهذا ان تحقق يمثل المصيبة الكبرى حيث لايمكن لجهة متكاسلة او مهملة ان تنفذ ما يصدر اليها من قرارات خاصة ان هي ضمنت جانب العقاب الفوري والمحاسبة العلنية.
وهنا يجب علينا ان نحدد السبب الحقيقي وراء عدم تطبيق القرارات الصادرة وعدم قيام الجهات الحكومية المكلفة بتنفيذ تلك القرارات بواجبها ومسؤولياتها المنصوص عليها قبل الشروع او الاسترسال في اصدار القرارات التي ربما يرى البعض انها مجرد تنظير يشبع رغبة المنظر ولا يلقى حماس المنفذ.
*أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved