ظلت الإدارة ولا تزال تلعب الدور الكبير والمؤثر في تنظيم الكثير من حياتنا الاقتصادية والاجتماعية بحيث أضحت رفاهية المجتمع وتطوره متوقفين على كفاءة الإدارة, وتعتمد كفاءة العمل في أي منظومة وتحقيقها لرسالتها وأهدافها الأساسية التي أنشئت من أجلها على كفاءة أداء الموظفين العاملين فيها, ولهذا يقاس تقدم الأمم بمستوى التطور والتقدم الإداري السائد في مؤسساتها والعكس صحيح.
وفي بلادنا، على الرغم من الجهود المبذولة لخلق أجهزة إدارية فعالة إلا أن هناك الكثير من المشاكل التي تقف عقبة أمام أي تطور يمكن أن يساهم في دعم الخطط الاقتصادية للدولة.
إن المشكلة الحقيقية التي تعترض مسيرة البناء والتطوير الاقتصادي والاجتماعي هي انخفاض كفاءة الأداء وانخفاض الإنتاجية والمركزية الشديدة وطول الإجراءات والتعقيدات، والسلبية في كثير من المواقع الإدارية وعدم وضوح أو تحديد الأهداف وعدم وجود توازن دقيق فيما بين السلطة والمسئولية الأمر الذي أدى إلى تعطيل الكفاءات والقدرات البشرية الوطنية العاملة, كما أن عدم توافر أو دقة المعلومات اوالبيانات الإحصائية شكل تحديا آخر كبيراً أمام القيادات الإدارية في تطوير الأساليب اللازمة في عملية تنفيذ وترجمة الخطط التنموية وحال دون المبادرات اللازمة لإنجاح عملية البناء والتشييد.
إن الاهتمام بترشيد العمل الإداري من خلال تنظيم وتنسيق العمل وتبسيط الإجراءات وتقديم الخدمات للمستفيدين بأسرع وقت وبكل كفاية واقتدار وتحسين الأداء وتطور الإنتاجية، لاتحدث هذه دون وجود متابعة ورقابة فعالة على الأداء، فبالرقابة الفعالة يتم التثبت من تحقيق المهام المطلوب إنجازها، كما أنها ترشد الإدارة الى مواطن الضعف أو الخلل في الجهاز لكي يتم تصحيحه في وقته.
إن إحداث التطوير الإداري وتطويع الأساليب الإدارية الحديثة لتلاحق التطورات الاقتصادية والاجتماعية أصبح أمرا ملحّا إن لم يكن من أقصى وأشد الضرورات لمؤسساتنا الحكومية وغير الحكومية، خاصة وأننا نعيش في ظل نظام التكتلات الاقتصادية الدولية الذي يتطلب منا التسريع في وضع خطة وطنية شاملة لبناء أجهزة إدارية قادرة على امتصاص مختلف التغيرات البيئية الداخلية والخارجية وتكون مستجيبة لما تقتضيه عوامل التبدل والتطور وحسن الإدارة لكي تحقق تلك الأجهزة الأهداف الأساسية التي أنشئت من أجلها, ذلك أنه مهما توافر للدولة من أموال وقوى بشرية وتقنية متطورة لا تكفي وحدها في تحقيق التطور والتنمية المنشودة إذا لم يصاحب ذلك المقدرة على تحريك عناصر الإنتاج وحسن توجيه وتوزيع تلك الموارد في عملية التنمية التي تعيشها بلادنا الغالية من خلال تسخير العملية الإدارية لإدارة المشروعات التنموية ومن خلال مواكبة الإصلاح والتطور الإداري لأي تطورات أو إصلاحات اقتصادية قادمة.
واحرى بنا في هذه العجالة التذكير بضرورة التسريع في عملية التحديث أو التطوير للأنظمة واللوائح الحالية وإعادة النظر في بعض السياسات والاجراءات الداخلية المنظمة للعمل وكذلك مراجعة وتطوير جميع الهياكل الإدارية لأجهزتنا العامة والخاصة على ضوء الأسس والمبادئ العلمية المتعارف عليها في التنظيم الإداري، وكذلك الاهتمام المستمر والدائم في تطوير وتنمية العناصر البشرية الوطنية وتسخير التقنية الحديثة في خدمة الإنسان.
إن ترشيد العمل الإداري هو ضرورة محورية في عمل الإدارة اليومي والمستمر، لأن الإدارة الحكومية ليست إلا جزءاً من السلطة الحاكمة, وعليه وبترشيد الأعمال الإدارية سنصل إلى تحقيق المصلحة العامة المنشودة والتي هي في حقيقة الأمر، مصلحة الوطن والمواطنين.
* متخصص في التخطيط الاستراتيجي