الغربال أ,د, عبدالله بن محمد أبو داهش |
قال الشيخ علي الطنطاوي: إني أكتب اليوم عن أمي، ولكن كل واحد منكم سيقرأ فيه عن أمه هو,, فمن قعد يقرأ هذه الحلقة وله أمٌ، فليتدارك ما بقي من أيامها، لئلا يصبح يوماً فلا يجدها، ولا يجد ما يعوضه عنها، وإن كانت عجوزاً، أو كانت مريضة، أو كانت مزعجة بكثرة طلباتها، فأذكر انها ان احتاجت إليك اليوم، فلقد كنت يوماً أحوج إليها,,, (1) .
أقول : يهمل بعض الناس اليوم برّ الأم، ويتناسون فضلها وطلب رضاها، ولأنهم بصنيعهم هذا يرون اسباب النهوض بدواعي برها دون ما هم فيه، وهم عندئذ مخطئون غير منصفين, وذاك لعدم مصداقيتهم على واقعهم، ولتغلب هواهم على ارادتهم، سنون مضت والام تغذي هذا الحنان، تعمر تلك المشاعر بآمال البر الذي تأمل في تحقيقه، تغدو وتروح على فيض من العواطف الصادقة، حتى إذا رغبت في بسطها والاستئناس بها ألفت ابنها أو بنتها منشغلين بهموم اخرى لا تدع لذاك الحنان مكانا يخصب فيه هذا الشعور، ويمرع.
الأم تلك الينبوع الصافي الفياض، والحنان الممرع الصادق، هل وجدت مكانها اللائق في مشاعر ابنائها؟ قد تغيب هذه الشؤون على كثير من الابناء، وكأنهم في شغل مستديم عن واجب بر أمهاتهم، أنهم يخطئون في تصورهم، لمن ركنوا لسداد مشاعر أمهاتهم، ولمن اطمأنوا لوفاء ذلك الحنان، أغفلة تلك الاحاسيس ام جحود؟
نعم ! صوت تلك الامومة، واشراقة ذاك الحنان، وما تفيض به اسباب المشاعر الصادقة تظل مجتمعة: ندية الذكرى كلما نهض داعي الاحساس ببر الأم، قد تفقد الام شيئا من معطيات الحياة، ولكنه من الصعب فقدان البر الذي تؤمله في ابنائها، انها تظل مكسورة الخاطر حتى ينهض ابنها برد ذاك الاعتبار، وسد تلك الخلة بالحنان والشفقة.
إن الأم من قبل ومن بعد ذات مشاعر انسانية، وهي في الوقت ذاته امرأة قد يغلب على حالها الضعف او القصور، فلا تصبر لذاك العقوق، والجفاء، فهلا حقق الابناء: الأمن النفسي لأمهاتهم، ومضوا مغذين السير في كسب رضاهن، فالحياة ومضة سعادة قد تطفأ فلا توجد، وقد تغيب فلا تعود،
قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها,,,,) (2) .
الحواشي:
(1) ذكرياته من الحلقة 48.
(2) من آية 15 سورة الأحقاف.
|
|
|