Monday 11th October, 1999 G No. 9874جريدة الجزيرة الأثنين 2 ,رجب 1420 العدد 9874


الاضطرابات النفسية عند الأطفال

إن التطوير النفسي عند الطفل اثناء مراحل النمو يؤثر تأثيراً شديداً على مستقبل الطفل، بل ان شخصية الطفل تتأثر تأثراً واضحاً بعدة عوامل مترابطة بعضها مع البعض وهذه العوامل هي عوامل بيئية كالمحيط الاسري والاجتماعي والجغرافي ولا تقف هذه التأثيرات عند هذا الحد، بل تترك آثارا مستديمة على شخصية الفرد مستقبلاً.
فالعادات التي تتكون في سن معينة من الصعب التخلص منها في مراحل النمو اللاحقة كما ان العادات والسلوك التي لا تكتشف اثناء مراحل الطفولة يصعب تكوينها في وقت لاحق.
ان وضع الطفل في الحياة يختلف اختلافاً كبيراً عن وضع الانسان الراشد، فالطفل في علاقة من التبعية العاطفية والمادية ازاء الراشدين الذين يحيطون به، والعوارض التي تظهر عليه تبدو وكأنها عادية دون اية ميزة وهنا يأتي دور الوالدين في اكتشاف هذه الاضطرابات النفسية المبكرة ومن ثم تداركها في الوقت المناسب كما ان المعلم والبيئة المدرسية لهما دور ايضاً في اكتشاف هذه الاضطرابات النفسية.
وقد قام العالم النفسي - اريكسون (1950) بوضع نظريات عن التطور النفسي الاجتماعي لدى الطفل, فلقد قام بتصنيف مراحل النمو الى ثماني مراحل:
(1) من الولادة حتى نهاية السنة الاولى: ويتصف الطفل فيها بالثقة مقابل عدم الثقة.
(2) السنة الثانية من العمر: ويتصف الطفل فيها بالاستقلالية مقابل الخجل والشك.
(3) مرحلة ما قبل المدرسة (3 -5) سنوات: ويتصف الطفل فيها بالمبادأة مقابل الشعور بالذنب.
(4)مرحلة الدراسة الابتدائية (6 - 12 سنة): الحيوية والانجاز مقابل الشعور بالنقص.
(5) مرحلة البلوغ والمراهقة (13 - 18 سنة): الاحساس بالهوية في مقابل الخلط في الادوار.
(6) مرحلة بداية الرشد (18 - 25 سنة): الود والألفة في مقابل العزلة.
(7) مرحلة وسط الرشد (26 - 40): الوالدية مقابل التقوقع حول الذات.
(8) مرحلة الرشد المتأخر (41 - 55): التوحد والتكامل في مقابل اليأس.
قد يقول القارئ ما الغرض الذي جعلني استرسل في الدخول في هذه النظريات السيكولوجية المعقدة، واقول بأن ما افترضه اريكسون من فرضيات في عملية التطور النفسي والاجتماعي تتمحور حول نقطة (تحقيق الذات) فشخصية الانسان تنمو اعتمادا على خطوات سابقة ومحددة بمقتضى استعداد الفرد النامي الى التوجه او التفاعل مع الهيئة المحيطة به, فمرحلة الدراسة الابتدائية (6 - 12 سنة) تعتبر من اهم مراحل الطفولة والتي يكون الطفل فيها مهيأً لاستقبال اكبر كم من المعلومات والمهارات, كما انه مهيأ الى التوجه الى الاتجاه المرغوب او غير المرغوب والطفل في هذه المرحلة يتميز بالاستقرار والانتظام, وشعور الطفل واستعداده النفسي في هذه المرحلة يكون متجهاً ناحية الحيوية والانجاز مقابل الشعور بالنقص, وهنا يبرز دور الاسرة والمدرسة والبيئة المحيطة في إلغاء عامل الشعور بالنقص وتقويم اتجاه الطفل ناحية الحيوية والانجاز.
نقطة اخرى يجب الا تغفل وهي ان مراحل النمو هي عبارة عن عملية تدرج مستمر وليست وثبا ومن ثم فإن الطفل الذي يفقد التوجيه السليم خلال المراحل الاولى من العمر - من المرحلة الاولى الى الثالثة - يصعب تدارك ذلك خلال مرحلة المدرسة فيواجه الطفل صعوبات دراسية وتنقلب شخصيته رأساً على عقب ومن ثم تواجه الاسرة مشاكل جمة وتحتاج الى جهود جبارة لتقويم سلوك الطفل وارجاعة الى المنحى الطبيعي.
ذكرت في بداية مقالي العوامل البيئية التي تلعب دوراً رئيسياً في تكوين شخصية الطفل وتؤثر على نموه النفسي والاجتماعي وحقيقة يصعب ذكر هذه العوامل بالتفصيل لانها تشكل علماً بحد ذاته قام العلماء النفسيون بدراسته بالتفصيل ووضعوا الكثير من النظريات عنها, ولكني سأسوق بعض الامثلة التي تمثل شاهداً حقيقياً يفيد القارئ ويعطيه صورة توضيحية عن كيفية تأثير هذه العوامل على نمو الطفل النفسي والاجتماعي, فتغذية الطفل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً وذات تأثير كبير في شخصية الفرد, يقول كوبر (عالم نفسي - 1950): (تكمن اهمية الغذاء بالنسبة للطفل باعتباره الوسيلة الاولى لقيام اول علاقة نفسية اجتماعية), ايضاً نوعية الغذاء لها دور آخر فالرضاعة الطبيعية لها دور ليس فقط من الناحية الغذائية والصحية بل تدخل في تكوين شخصية الطفل وتنمي جانب الحب والألفة بين الطفل وامه كما ان اهم ما يتعلمه الطفل من علاقته بوالديه خلال المراحل الاولى من حياته الحب والكراهية وعلاقة الحب ليس لها اساس فطري ولكنها تنشأ نتيجة لاشباع الحاجات وحاجات الطفل التي يصبو اليها خلال هذه السن تشمل الطعام والشراب والحنان والمودة وغيرها, فهل تعتقدون ان الطفل سيشبع رغباته عن طريق الخادمة التي تعتني به بينما الاب والام ابعد ما يكونون عن الطفل وهذا للاسف هو الوضع المنطبق في الكثير من البيوت.
اعود للحديث عن الرضاعة الطبيعية والتي تحمل جانباً آخر يحمل الكثير من الألم للطفل ألا وهو الفطام.
فالفطام يعتبر نقطة هامة ومؤلمة للطفل تلعب دورا خطيرا في تكوين شخصية الطفل والفطام يحدث طبيعيا في نهاية السنة الثانية من حياة الطفل والاخطاء الكثيرة الحدوث من قبل الامهات ليست عملية الاسراع في الفطام فقط، بل المباغتة فيه مما يسبب للطفل آلاماً قد تقلب كل الحب الذي حاولت الام ان تغرسه في قلب طفلها الى كره واحساس بالشك وعدم الثقة ولا سيما انها حصلت من اقرب الناس له, قال تعالى: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة).
ما رغبت ان ابرزه واركز عليه في مقالي هذا ان عملية النمو عملية تدرج مستمرة وان شخصية الفرد تبدأ بالتكوين في اللحظة التي يولد فيها المرء ومن ثم تتبلور وتتمحور اعتمادا على العوامل البيئية المحيطة به والتي يلعب دور الوالدين والاسرة والمدرسة دوراً رئيسياً فيها.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
ندوة الجزيرة
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved