تحدثت في الاسبوع الماضي عن استخدام الرقم الافرنجي بحجة انه الرقم العربي الصحيح، واصرار عدد من المجلات الشعبية على استخدامه، ومخاطر هذا الاستخدام في ترسيخ معلومات غير صحيحة في اذهان القراء خاصة شريحة الشباب منهم، واشرت الى تصدي مجلة عالم الكتب لبحث هذا الموضوع بحثا علميا جادا من خلال دراسات احتواها عدد خاص صدر لمناقشة هذه القضية.
وفي هذه الحلقة سوف اقتبس واشير الى بعض الدراسات التي تضمنها ذلك العدد الخاص، فقد درس الدكتور قاسم السامرائي الموضوع في عمل عنوانه الارقام في المشرق عربية النجار وفي الغرب الاوربي سنسكرتية هندية الدثار وهي نقد لكتاب الارقام العربية نبع الحضارة الانسانية لعبداللطيف جاسم كانو الذي يقول عنه السامرائي: انه يدور برمته حول رأي فطير استند في اسه ومبناه على الانبهار بمقولة غربية خاطئة هي ان الارقام التي يستعملها الغرب الاوروبي ومن يدور في فلكه انما هي ارقام عربية الاصل والنجار وان الارقام التي يستعملها العرب في المشرق انما هي هندية الاصل والنجار، وقد سبق ان تبنى هذا الرأي واذاعه فئة من الكتاب المنبهرين بما فيهم المؤلف نفسه في الصحف وغيرها من وسائل الاعلام ودعوا بحماس دافق دونه حماس التبعية الفكرية الى تبني الارقام التي تستعملها اوروبا ونبذ الارقام المشرقية .
وقد دحض السامرائي آراء كانو وبين خطأها، واوضح بشكل لايقبل الجدال ان الارقام المشرقية هي العربية، وان ما يستعمله الاوربيون انما هي الارقام السنسكرتية.
اما الاستاذ هزاع بن عيد الشمري فقد قدم مادة علمية ثرية في طرح هذا الموضوع من خلال دراسته الموسومة ب الارقام العربية والارقام الافرنجية التي ركز فيها على أصالة رقمنا العربي بالادلة والبراهين التراثية والتي اكد فيها ايضا على شيوع الرقم العربي في المشرق في كل انحاء العالم الاسلامي بما في ذلك بلدان المغرب العربي التي تنطلق منها اليوم الدعوة الى ترك الرقم العربي الاصيل واستخدام ما يشيع في بلدان المغرب حاليا وهي الارقام الافرنجية وهو يقول في هذا الصدد ان: الدلائل الثابتة القطعية انه حتى اهل مراكش المملكة المغربية اليوم لم يستخدموا هذه الارقام الافرنجية في معاملتهم الرسمية والتجارية الا بشكل ضيق للغاية، وانما كانوا يستخدمون الرقم العربي حتى في ظل الاستعمار الاوروبي، وليس ادل على ذلك من وجود المخطوطات والوثائق والكتب التي طبعت في المغرب في اوقات سابقة .
كما يوضح الشمري ان الجزائر وتونس وموريتانيا كان يشيع فيها الرقم العربي الاصيل، وان الرقم الافرنجي شاع بتأثير من الاستعمار في فترة متأخرة.
اما دراسة الاستاذ نايف الشرعان ظهور الارقام على النقود الاسلامية فكانت بحثا تقصى فيه ماوقف عليه من معلومات عن استخدام الرقم العربي في المسكوكات، وظهر له ان هذا الرقم كان هو الذي يسود في كل انحاء العالم الاسلامي.
وركز الاستاذ عبدالله المنيف على نماذج من المخطوطات المغربية من عصور مختلفة وجد فيها الارقام المشرقية خاصة في القرن الرابع عشر الهجري مما يعني انها كانت هي السائدة والمستخدمة على عكس الفكرة المتداولة بين الناس بأن المغاربة كان لهم رقمهم الخاص وهو الرقم الافرنجي الذي يؤكدون على عروبته ويسعون الى نشره.
ختاما: فإن هذه القضية الشائكة قد يذهب الظن ببعض الناس الى انها لا تستحق البحث وانها نمط من اضاعة الوقت في امور شكلية، ولكن الامر ليس كذلك بل هي من صميم ما يجب ان يناقش ويثار من اجل الدفاع عن جزء من تراثنا الحضاري العربي الاسلامي يتعرض اليوم لهجوم شرس من ابنائه المبهورين بكل ما هو اجنبي.
د, دلال بنت مخلد الحربي