يمر الاقتصاد السعودي بتغيرات بنائية كبيرة ولعل من ابرز هذه التغيرات زيادة المساحة التي يتوقع ان تكون من نصيب القطاع الخاص في الانشطة الاقتصادية ويستلزم هذا اتباع سياسة معينة كتخصيص بعض المؤسسات والمشروعات المملوكة للحكومة والسماح للقطاع الخاص بالاستثمار في مجالات كانت حكراً على الحكومة.
وهذا التوجه الجديد كان نتاجاً طبيعياً لنمو الاقتصاد المحلي واكتساب القطاع الخاص للخبرات والكفاءات والامكانات المالية التي تؤهله للاستثمار في هذه المجالات، كما كان ايضاً استجابة للتغيرات التي طرأت على الساحة العالمية.
والشيء الذي لايمكن اغفاله ان زيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد وتقليص مساهمة القطاع العام يهدف الى تحقيق عدة اهداف منها تخفيف عبء هذه المشروعات عن كاهل الحكومة ونقله الى القطاع الخاص, يضاف الى ذلك الاعتقاد القديم بأن القطاع الخاص اكثر قدرة على ادارة هذه المشروعات وتحويل خسائرها الى ارباح وزيادة معدلات الانتاجية والارتقاء بنوعية وجودة المنتجات، لكن يظل هناك تساؤل كبير جداً ينصب حول مصداقية امكانية انخفاض الاسعار وتحسن جودة المنتجات بمجرد تحول الملكية الى القطاع الخاص.
المتوقع ان مجرد التحول الى القطاع الخاص لايعني بالضرورة تحسن جودة المنتجات وانخفاض اسعارها لان هذا الامر مرتبط بدرجة كبيرة بوجود المنافسة, فالمنافسة هي الكفيلة بتحقيق هذا الهدف وربما كان الاحتكار عن طريق القطاع الخاص اشد ضرراً على المستهلك من احتكار الحكومة والتي تراعي بعض الاعتبارات التي لايتوقف القطاع الخاص عندها كثيراً, ولذا فإن من مصلحة المستهلك كسر هذه الاحتكارات والسماح بإنشاء مؤسسات جديدة الى جانب القديمة في القطاعات التي تعاني من هذه المشكلة ليتحقق التوازن بين المكاسب المستفادة من هذا التحول, الى جانب ان هذا سيجعل المؤسسات المحلية في وضع تنافسي يمكنها من الوقوف على قدم المساواة مع المؤسسات العالمية متى ما اصبحت المنافسة حتمية.
والخلاصة ان الشركات والمؤسسات التي تستند على دعم وحماية خارجيتين لايمكن ان تصمد كثيراً متى ماكان لزاماً الغاء الدعم والحماية ولربما شكلت ابشع صور الاستغلال الذي ينتج عن احتكار انتاج سلعة او خدمة الناس بحاجة اليها, فلتحقيق العدالة وتوفير اسباب الاستمرارية والبقاء الذاتية لهذه المنشآت فإنه لابد من الغاء الاحتكار والسماح لآلية السوق بالعمل بشكل طبيعي.
وفي هذا الاطار فإنه ينبغي توضيح نقطة مهمة هي ان التحول نحو القطاع الخاص لايعني اهمال حقوق بعض الفئات التي ربما تضررت من هذا التحول او اهمال جانب العدالة بالكلية, فتحويل شركة الاتصالات مثلاً الى القطاع الخاص لا يعني اعطاء الشركة الحق في فرض الاسعار وتحديد نوعية الخدمة التي ترى انها مناسبة وفي وضع صيغة معينة للعقد بينها وبين المستفيدين من خدماتها يحفظ لها حقوقها كاملة غير منقوصة بل ويسمح لها بتغيير بنود العقد في حين انه لايحفظ للطرف الآخر حقوقه, كل هذه الامور مردها توافر شركة الاتصالات علىقوة احتكارية تمكنها من فرض شروطها وتقبل الآخر لهذه الشروط بدون مناقشة والا فانه لن يتمكن من الحصول على خدمة الهاتف مثلاً هذا مجرد مثال لما يمكن ان ينتج عن الاحتكار من آثار سلبية.
ويمكن القول ان مجرد التحول الى القطاع الخاص قد لايحقق الكثير من تطلعات المستهلكين، والمفروض ان يصاحب هذا التحول تغيرات في الاطر والقواعد التنظيمية والهيكلية الحاكمة لهذه الانشطة حتى نضمن تحقيق الاهداف التي يرمي اليها التخصيص.
* قسم الاقتصاد الاسلامي جامعة الامام محمد بن سعود