نتطلع في هذه الايام الى صدور نظام العمل والعمال الجديد الذي ننتظر ان يكون في صياغته ومضمونه افضل من طيب الذكر سابقه الذي لم نلاحظ له اثراً فاعلاً في مواجهة العشوائية التي تسود في كل ارجاء سوق العمل السعودي, لقد كان من المفترض ان يكون نظام العمل والعمال السعودي قادرا على تأمين البيئة العمالية والعملية المناسبة كما كان من المفترض ان يكون مواكبا للمستجدات والمتغييرات الرئيسة في سوق العمل السعودي, الاان الملاحظ يجد ان هنالك بونا شاسعا بين التنظير والتطبيق حيث نجد ان النظام الحالي قد فشل في تفعيل الآلية اللازمة لزيادة مشاركة عنصر العمل السعودي كما فشل في الحد من التدفق العشوائي للعمالة الاجنبية وفشل في تقدير مستقبل سوق العمل السعودي مما خلف واقعا عماليا غريبا لا تحكمه انظمة ولا تنظمه قواعد عامة, السؤال هنا هو هل بالفعل كان نظام العمل والعمال غير قادر على تلبية الاحتياجات التنظيمية لسوق العمل السعودي؟ وهل تم اعطاء نظام العمل والعمال فرصة تطبيقية كافية حتى نحكم عليه بالفشل من عدمه؟
يمكن الاجابة على التساؤلات المذكورة من خلال النقاط التالية:
اولا: ان نظام العمل والعمال الحالي قد اعطي فرصة زمنية للتطبيق تفوق المفترض حتى ساد الاعتقاد بعدم وجود جهة مسؤولة عن هذا النظام تأخذ على عاتقها تعديل او تغيير هذا النظام الجامد غير القادر على تحقيق الاهداف المنشودة.
ثانيا: أن نظام العمل والعمال قد فشل الى حد ما في تقدير الطفرة الاقتصادية ومؤثراتها المختلفة مما افقد النظام في حالات كثيرة المقدرة على التعامل مع المستجدات في سوق العمل السعودي.
ثالثاً: ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لم تقم بمهامها المطلوبة لتأمين الحراسة اللازمة للنظام حيث ظلت معظم مواد وبنود النظام حبيسة التنظير بعيدة كل البعدعن التطبيق مما افقد النظام القوة الإدارية الكافية لمواجهة الواقع ومعالجة المشاكل العالقة, ولعل من المفيد في هذاالخصوص ان نعرض على سبيل المثال لا الحصر بعض مواد النظام التي اعتقد ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قد تساهلت في او اهملت مراقبة تطبيقها:
1- المادة 39 التي تنص على الأتي: تنشىء الوزارة (وزارة العمل و الشؤون الاجتماعية) مكاتب للتوظيف في الأماكن المناسبة لاصحاب العمل والعمال وتكون تحت اشرافها وتقدم هذه المكاتب خدماتها بدون مقابل,, وتقوم بجمع المعلومات الضرورية وتحليلها عن مركز سوق العمل وتطوره لكي تكون في متناول مختلف الهيئات العامة والخاصة المعنية بشؤون التخطيط الاقتصادي والاجتماعي وتلتزم هذه المكاتب بالواجبات الاتية:
أ) تسجيل اسماء طالبي العمل وبيان مؤهلاتهم المهنية وخبراتهم ورغباتهم.
ب) الحصول على بيانات بالاعمال الشاغرة من اصحاب العمل.
ج) إحالة طالبات العمال للاعمال الشاغرة الملائمة.
ح) تقديم النصح والمعونة لطالبي العمل فيما يختص بالتدريب المهني او باعادة التدريب اللازم للحصول على الاعمال الشاغرة.
خ) تسهيل نقل العامل من مهنة الى اخرى ومن منطقة الى اخرى.
د) غير ذلك من الامور التي يقرها وكيل وزارة العمل.
2- المادة 42 ونصها على صاحب العمل ان يبلغ مكتب العمل المختص بخطاب مسجل او اي وسيلة تثبت الاستلام عن الوظائف والاعمال المستحدثة ايا كان نوعها مع بيان نوع كل منها ومكانها والاجر المخصص لها والشروط التي يجب توفرها لهذه الوظيفة والتاريخ المحدد لشغلها وذلك في مدة لا تتجاوز عشرة ايام من تاريخ خلوها او استحداثها.
3- المادة 43 ونصها على صاحب العمل ان يرسل الى مكتب العمل المختص سنويا خلال شهر ذي الحجة من كل عام البيانات التالية:
أ) بيان بعدد عماله واسمائهم ووظائفهم ومهنهم واجورهم وسنهم وجنسياتهم ورقم رخص عملهم وتاريخها.
ب) بيان بالوظائف والاعمال الخالية والمستحدثة وانواعها واجرها وما شغل منها واسباب عدم شغل الباقي خلال السنة السابقة لتاريخ هذا البيان.
ج) تقرير عن حالة العمل وظروفه وطبيعته والنقص والزيادة المنتظرين في عدد الوظائف وذلك خلال السنة التالية لتاريخ التقرير.
4- المادة 44 ونصها مع عدم الإخلال بما تنص عليه اتفاقيات الامتياز,,, على كل صاحب عمل يستخدم مائة عامل فاكثر ان يدرب على الاعمال الفنية من عماله السعوديين مالا يقل عن 5% من مجموع عماله وذلك وفقا لبرنامج التدريب الذي تعده وزارة العمل,,, الخ.
5- المادة 45 ونصها يجب الا تقل نسبة العمال السعوديين الذين يستخدمهم صاحب العمل عن 75% من مجموع عماله وان لا تقل اجورهم عن 51% من مجموع اجور عماله ولوزير العمل في حالة عدم توفر الكفاءات الفنية او المؤهلات الدراسية ان يخفض هذه النسبة مؤقتا.
السؤال المهم هنا هو هل قامت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بواجبها في مجال تنفيذ المواد السابقة وغيرها من المواد الاخرى التي اشتمل عليها النظام؟ واذا كانت الإجابة بالنفي فلماذا ومن هو المتسبب؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فاين هي من الواقع ولماذا يصرح وزير العمل والشؤون الاجتماعية بان الوزارة قد بدأت خطوات جادة في سبيل تكوين قاعدة معلومات عن سوق العمل؟ ثم اذا كان النظام غيرمناسب فلماذا هذا السكوت من قبل الوزارة المعنية؟ ياسادة المشكلة اذا ليست مشكلة نظام حيث اشتمل نظام العمل والعمال على العديد من المواد الجيدة التي كان من الممكن لو حظيت برعاية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ان تجنبنا او على الاقل تحد من تأثير الواقع العمالي الحالي المشكلة في اعتقادي وقناعتي التي لايخالجها الشك مشكلة تقصير وإهمال في التطبيق مما يعني ان النظام قد افتقد على طول عمره الزمني للفرصة حتى يثبت فاعليته وكفاءته في التعامل مع المتغيرات والمستجدات في سوق العمل وعليه فإنني ارى بانا مهما اجتهدنا في اعداد وصياغة ومراجعة نظام العمل والعمال الجديد فإننا سنظل نراوح بلا تقدم ما في ظل النظام بدون حراسة وبدون فاعلية في التطبيق وبالتالي فان من المطلوب اولا ان نضمن هذه الفاعلية وهذه الجدية قبل ان نطرح النظام الجديد للتطبيق حتى لا نفقد الجهد ونفقد الامل في إصلاح الحال، يجب ان نعي باننا نتعامل مع قضية وطنية هامة لها علاقة بجميع جوانب الحياة المختلفة ولها مساس مباشر بجميع المواطنين ايا كان موقعهم الجغرافي والإداري مما يعني ضرورة التخلي عن المجاملة التي ساهمت وبشكل واضح في تنامي المشكلة وتعميق جذورها.
إشارة: ارجو من جميع المهتمين قراءة نظام العمل والعمال الحالي وبشكل خاص التركيز على احكام التفتيش واحكام تشغيل الاجانب واحكام مكافحة العطالة والتأهيل المهني للعاجزين وغيرها من الاحكام الصريحة التي ظلت مكبلة بقيود من حديد حتى يستطيع ان يصل الى النتيجة الصريحة التي تفيد بان النظام لم يكن سيئا ولم يكن قاصرا بالشكل الذي يعتقده البعض ولكن القصور كان في التطبيق ومراقبة التنفيذ.
إشارة 2:اعتقد ان مجلس القوى العاملة قد اكتشف مبكرا القصور في تطبيق النظام مما دفعه الى استصدار قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 50 في 21/4/1415ه الذي استهدف مساندة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتحقيق اهدافها في مجال سوق العمل الا ان المتابع يلاحظ ان القرار مازال يراوح مكانه بعد مضي خمس سنوات على صدوره على الرغم من ان القرار كان صريحا في تحميل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المسؤولية في متابعة التنفيذ والتعديل على القرار وفقا لما تقتضيه المصلحة فلماذا هذا التباطؤ في التطبيق والتنفيذ؟ اليس هو التقصير والإهمال بأمه وأبيه.
* استاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الامنية.