Monday 11th October, 1999 G No. 9874جريدة الجزيرة الأثنين 2 ,رجب 1420 العدد 9874


الفساد الإداري وحقوق الإنسان
الدور الرائد للجمعيات غير الحكومية في محاربة الفساد الإداري

مدخل:
ان ظاهرة الفساد بالمعنى العصري للكلمة ظاهرة كونية بمعنى انها موجودة في جميع بلدان العالم شمالاً وجنوباً, انها كونية بنفس المعنى الذي نتحدث به عن كونية حقوق الانسان, وتتفاوت بهذا المعنى انصبة الشمال والجنوب من كل من الفساد وحقوق الانسان تماماً مثلما يختلف نطاق انتهاكات حقوق الانسان في الشمال والجنوب، مثل ممارسة التعذيب في مخافر الشرطة.
ولن ألجا الى الخصوصيات الثقافية لتفسير ظاهرة تفاوت نسب مختلف انواع الفساد في الشمال والجنوب وما تحمله هذه النظرة من عنصرية,.
فاسمحوا لي هنا بتقديم تعريف ترانسبارنسي للفساد:
ان الفساد هو الشطط في استعمال السلطة العمومية واستغلالها من اجل الحصول على امتيازات لصالح خواص- فرد او عائلة، عشيرة، طائفة، جماعة الخ,, .
فالفساد حقيقة هو نوع خاص من الخرق لحقوق الانسان.
ويمكن ان نقول بأن الفساد هو نقيض حقوق الانسان الاستاذ باتريس ماير-بيش من جامعة فريبور بسويسرا .
بالفعل، فان الفساد هو النفي لمنطلق فلسفة حقوق الانسان الا وهو مبدأ المساواة: نحن متساوون في المبدأ، ونصرح بأننا متساوون في الحقوق.
فالفساد هو شكل من اشكال التمييز, D I S C R I M I N A T I O N .
مبدأ المساواة المطبق في ميدان علاقة الدولة بالمواطن يعني حق الجميع في معاملة متساوية من طرق مختلف دواليب الدولة اي معاملة لا تنبني على اي تمييز.
انها تعني المساواة امام الجباية، امام المشاركة في المناقصات العمومية، امام العدل، وحق الجميع في المشاركة في الحياة العامة، الخ.
أنواع من الفساد:
واستمراراً في منطق حقوق الانسان، لابد ان نتساءل عن الضحية في عملية الفساد.
ومنها نستخلص نوعين اساسيين من الفساد.
النوعان الاساسيان هما المتاجرة بالغش من جهة والابتزاز من جهة اخرى.
فالمشهد معروف: على الخشبة طرفان، الراشي صاحب الفلوس من جهة ومن جهة اخرى المرتشي صاحب مفتاح القرار الرسمي , فأين الضحية؟
أ- كثيرة هي انواع الفساد التي يتم فيها التعاقد الحر بين الطرفين لاقتراف جريمتها, فالطابع التعاقدي للعملية يشير من جهة الى استفادة الطرفين في آن واحد من عملية الفساد بينما سريتها بعيداً عن اي شاهد يدل من جهة اخرى على حرص المفسدين على تغييب الضحية من مشهد الجريمة.
ان ضحية هذا النوع الاول من الفساد هي الطرف الثالث الغائب غالباً، والذي يجعل ما يحال ضده، مثلاً:
- المشترك في مسابقة للحصول على منصب ماالذي لا يعلم ان مشاركته شكلية ولا تصلح الا للتغطية، حيث اسم المستفيد من المنصب قد تقرر مسبقاً قبل انعقاد المسابقة,, او
- المستهلك الذي سيأكل من مواد لم تتم اجراء عملية المراقبة عليها، بالصرامة الضرورية وهذا بسبب الفساد ، او المستهلك الذي سيستعمل ادوية تم استيرادها وقد مضى آجال استعمالها.
- المستعمل لعدد من المرافق العامة يمكن ان تتعرض حياته للخطر بسبب انتاج تلك المرافق دون المقاييس الضرورية، وهذا بسبب الرشوة ايضاً.
واخيراً، فان الضحية هي المال العام والاغلبية الساحقة من الناس,.
انها اصعب واخطر انواع الفساد لأن الضحية لا يمكن لها ان تشاهد الجريمة، وتجهل احياناً ان جريمة ما قد اقترفت ضدها.
ب - ان النوع الثاني من الفساد هو الابتزاز, ففي هذا النوع، يقف صاحب مفتاح القرار الرسمي حاجزاً بين صاحب حق معين، وحقه الذي يفترض ان يستفيد منه بالمجان التمدرس، او التطبيب، او رخصة، او شهادة،,, وغالباً ما يفرض صاحب مفتاح القرار الرسمي على الضحية دفع مقابل من المال او,.
فامتناع الضحية عن الشكوى غالباً ما يرجع بالاساس الى ثقافة الخوف الناتجة عن تاريخ طويل من القمع, فالخوف التقليدي والمشروع من الانتقام وافلات المجرمين من العقاب عنصران اساسيان لتفسير استمرارية ظاهرة الابتزاز.
فسر اندثار هذا النوع الثاني من الفساد في بلدان الشمال عموماً، يمكن ربطه بحوادث تاريخية ادت الى تفكيك نظم الامتيازات البائدة، وتكريس مبدأ المساواة.
كما ان دور الصحافة الحرة حقيقة بالشمال عنصر اساسي في وجود وحيوية رأي عام يكون ضغطا قوياً على المفسدين بأنواعهم.
واليوم وجود قضاء مستقل نسبياً في الشمال يمكن من الملاحقة القضائية للجميع دون استثناء او امتياز، وبمجرد انفضاح امر قضية للفساد, ان هذا جانب من جوانب سيادة القانون RULE OF LAW .
ان كسر ثقافة الخوف سيحرر طاقات خلاقة عظيمة عند الناس لبناء نظم النزاهة والشفافية, وسيمكن ضحايا الابتزاز من الدفاع عن النفس وسيضيق من مجال الفساد، وسيعيد للمواطنين وللموظفين معاً كرامتهم، وسيؤدي الى بزوغ رأي عام قوي يضرب له الحساب في مواجهة الفساد على انواعه.
دور الجمعيات غير الحكومية في محاربة الفساد
كلما تمتعت الجمعيات ومنها بالاخص غير المنحازة للحكومة بالشروط الملائمة للتحرك العادي، كلما تمكنت من لعب دورها المتميز في محاربة الفساد.
من بين مختلف الناشطين المجتمعين في مواجهة الفساد الحكومة، الاحزاب، القطاع الخاص، الصحافة،,, فللجمعيات دور متميز.
أ- لانها اقرب المؤسسات لمصالح المواطنين الذين هم دون ادنى شك اصحاب المصلحة بالدرجة الاولى.
ان الحكومة- مهما عظم تشبثها في محاربة الفساد- تدير اوضاع معقدة مثل الحفاظ على توازنات سياسية معينة مثلاً لا يمكن ان تأخذ محاربة الفساد اولوية ملحة في جدول عملها على المدى الطويل, عكس جمعية جعلت من محاربة الرشوة موضوعها الاساسي .
اما القطاع الخاص، فبسبب تورط بعض رجال الاعمال في الفساد، فالمبادرات التي يقومون بها تقابل بالتحفظ وتنقصها المصداقية، واحياناً ظلماً,.
وعكس ذلك، فيمكن ان تتدخل الجمعيات بفعالية عالية حيث انها تتمتع بمصداقية كبيرة شريطة ان تكون بدورها في درجة استثنائية من الشفافية.
واستقلالها من الصراع لا يمكن الا ان يزيدها مصداقية، وحرية للتحرك حتى اذا دخلت في بناء تحالفات.
وزيادة على ما سبق، فان حضور الجمعيات في عمل ما، بمعية مع الاطراف الاخرى لا يوجد تناقضات غير التي تنجم عما ينتج عن موضوع نشاطها.
ان دور الجمعيات في مسألة الارادة السياسية الرسمية جد مهم سواء في العمل الذي يهدف الى تطويرها ام في جعلها تدوم وتترجم الى تدابير ملموسة.
ان توعية الجمهور والطبقة السياسية ومساءلة بل محاسبة المسؤولين والعمل من اجل تقديم مقترحات كلها من الاساليب الاساسية التي تعتمدها الجمعيات.
فمن جهة لا يمكن الاستغناء عن دور الجمعيات في تدمير ثقافة الخوف التي تشكل السند الاساسي لادامة ممارسة الابتزاز.
ومن جهة اخرى، عند تطبيق تدابير رسمية ملموسة ضد الفساد، يمكن ان تلعب الجمعيات دورها التثقيفي والتعبوي في صفوف مستعملي المصالح الادارية، واليقظة تجاه ما من شأنه افشال التدابير المعادية.
ان الجمعيات غير المنحازة عليها ان تشكل الطاقة الهائلة التي ستساهم بشكل حاسم في المكافحة ضد الفساد لان هذا العمل النبيل يشكل استمراراً او تطويراً وتقوية لمكتسبات المعارك الماضية لمناصرة حقوق الانسان,.
سيون أسيدون- كاتب عام
الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة- ترانسبارنسي المغرب

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
ندوة الجزيرة
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved