الذي ورد في غالب كتب: التاريخ والأخبار وكتب الادب لابد ان يكون ما ورد غالبه معلا أخذا من العلة، وهي سبب خفي يقدح في صحة الحديث مع ان ظاهره السلامة من: العلة القادحة.
وأهل الاخبار والتاريخ والأدب حتى بعض اهل العلم والرقاق يقعون في نقل الاحاديث دون بصيرة بها بسبب عدم المعرفة التامة لعلل الحديث حتى وان كان ظاهر متنه السلامة من اي قادح يوجب رده.
ولهذا ورد كثير جدا أحاديث:
ضعيفة ،ومنكرة ،وموضوعة ،وشاذة ،ومعضلة ، ولا أصل لها
كله بسبب عدم ادراك حقيقة الحديث وما يعتريه مما يوجب تركه ويحصل الاثم بنقله.
والعلة موجب من موجبات رد: الحديث ولابد إذا كانت قادحة وكونها سميت علة لانها غامضة ولا تكاد تبين لغير اهل العلم الموهوبين او الذين نظروا طويلا في الرواة والاستانيد وطرقها المختلفة فهم يدركون العلة بجمع الطرق ونظر الاسانيد المتعددة حتى يقفوا على العلة الغامضة التي اوجبت رد هذا الحديث او ذاك.
وهذا ما دعاني إلى ضرورة ان يسأل الناس عن الحديث قبل رسمه في المؤلفات حتى يسلموا من تجهيل العلماء وحتى يسلموا من لوم ذوي الفطنة والوعي والذوق الايماني وان لم يكونوا من علماء السنة علماء الجرح والتعديل والعلة حتى يتبين امرها أذكر انها تكون في السند وقد تكون في المتن.
وكونها تكون: غامضة هي انها تحصل حتى في السند الذي لم يظهر فيه علة ما فيمر هذا السند على بعض العلماء وسواهم ممن اشرت إليهم فلا يقفون على قادح فيه، وهذا من اسباب كثرة الاحاديث الضعيفة والباطلة عند اهل التأليف من غير ذوي العلم اللازم تحقيقه, ولما كانت الحال تدعو إلى الامانة والتثبت والشعور بالمسؤولية خاصة في امور ثلاثة هي:
الأول : احكام العبادات والمعاملات.
الثاني: الغزوات والسرايا.
الثالث : احوال الصحابة وكبار التابعين.
وجب هنا على ذوي الدين والعقل ألا يرسموا حديثا حتى يقفوا على صحته من ضعفه ولابد وحينما لفظ جملة من المؤرخين وأهل السير والاخبار والادب وكذا اهل: الرقاق حينما لفظوا الساقط وقع عندهم مالا أشك أنهم لو وقفوا على ضعفه ماكتبوه خاصة ما يخص:
معاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهم.
من اجل ذلك كان علم الحديث دينا يجب على العلماء معرفة ممن أخذوه ويأخذونه من اي احد، أو من اي كتاب, فالحديث علم عظيم سندا ومتنا وهو دين يدين صاحبه الله تعالى به.
فلا يصح في دنيا الدين والعقل اخذ كل ساقط ونقل كل مرقوم كلا, ولهذا وقع كثير من اهل النقل المجرد للاخبار والسير فيما وقع فيه كتاب:
الاغاني, ، ومروج الذهب, ، والعقد الفريد
وكذا غالب من ألف في اخبار العرب وقصص العرب من المتقدمين والمتأخرين ولا ينبئك مثل خبير والحديث يعرف كونه ضعيفا أو موضوعا بأمور كثيرة منها:
1- مخالفته لاحكام الشريعة.
2- مخالفته لقاعدة من قواعد الدين.
3- ركاكة متنه.
4- سبه لدين أو أمانة صحابي او نقده لتقواه.
5- تجريح صحابي ما: لروايته.
6- مخالفة ما جاء للواقع وهذا يقع في الفتوح والغزوات والوفيات كمخالفة التاريخ والموقع.
7- مخالفة ما جاء للفطرة الصحيحة.
8- رد او مخالفة ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
9- تفسير حالة من حالات الغيب تناقض ما علم من العموم.
10- ما ورد في عبادة القبور والتوسل بها والنذر لاصحابها؟
11- تلفيق ما لم يكن اصلا وهذا غاية في الخطورة.
12- يكثر الضعف والوضع في مراسيل التابعين المختلفة، التي تلفقها فئات لا خلاق لها.
13- يكثر الوضع والضعف في كتب القصاص والمذكرين والادب والتاريخ والسير وكتب الامثال.
ويعرف هذا بتطبيق ما ذكرت على ما ورد فيها.
وحتى يدرك هذا أهل هذا العصر ومن بعدهم فإنني اورد اربعة أمثلة من كتب مختلفة فيها ما فيها مما غاب عن كثير من العلماء واهل الادب والتاريخ والنقد والتحليل، وحينما اتحدث عن هذه الكتب الاربعة فإنني لا اتحدث عن اصحابها فقد قدموا على ما قدموا من قول وعمل.
الكتاب الاول:
(الاغاني) فيه مائة وثلاثون من الرواة كذابون وضعفاء وفيه قرابة خمسون من الرواة مجهولون , ونتيجة لهذا فما ورد في كتاب الاغاني من الاخبار والنكت والمواقع والسير لا تقوم بها حجة، ومن يستشهد به وهو يعلم بسوء الكتاب فقد ضيع الامانة, ولا يلتفت الى ما ذكره ابن خلدون او غيره عنه فهم ليسوا من علماء الرواية ودراسة السند ومعرفة حال الرواة، ولهذا وقع ابن خلدون رحمه الله تعالى في اخطاء فيما يتعلق بصحة وضعف الاخبار.
الكتاب الثاني:
(العقد الفريد) فيه سبعون من الرواة ضعفاء وفيه قرابة مائة من الرواة مجهولون وفيه ستة عشر من الرواة كذابون ومع ان العقد الفريد احق وأحسن من: الاغاني لكنه يحتاج إلى نظر حاله: خبرا وسيرة ورواية.
الكتاب الثالث:
(الفتنة الكبرى/ وعلي وبنوه) وهذان كتابان يشكلان كتابا واحدا في محتواه المعنوي وطريقة الطرح وحال الرواية السردية وقد اجحف الكتابان جدا في حق كثير من: الصحابة، ولان: الكتابين صنفا ارتجالا من غير متخصص في علم: التاريخ الموثق ومن غير دقيق في نظر حال الاسانيد صار الكتابان يعجان بالطرح الانشائي المتكئ على الكتابة العفوية ولهذا وقع فيهما: ست وسبعون رواية مكذوبة واثنتان وعشرون رواية ضعيفة، وستة وعشرون خبراً لم أجد شيئا منها في مطولات الثقات.
الكتاب الرابع:
أهل الكهف وهو كتاب على شكل مسرحية نهج نهج المسرحية الفرنسية في العرض والحوار وهذا قد لا يعيب الكتاب ولكن طامة العيب فيه انه اخضع اهل الكهف للسرد المسرحي دون اعتبار لصحة او بطلان ما حصل، ومع ان الناحية الفنية غابت عنه إلا ان المشكلة في (الكذب) اصلا فقد اخترع المؤلف وزاد ونقص وطرح ما ليس حقا.
وكم كنت ألوم الشعراء الفحول المعاصرين وكتاب الرواية: ألا يذكروا إلا ما صح في امور حصلت حقا، والشعر ليس اعذبه أكذبه فهذا كلام ساقط في ميزان بقاء الصحيح ولهذا نجد العقلاء من الناس يقرؤون لهذا وذاك من الشعراء وهم يرثون لهم، ويأتي اليوم بقدرة الله يأتي اليوم الذي يتجرع فيه هؤلاء غصص الكدر امام انفسهم خاصة في حال ابتداء قول الشعر الذي لم يحسبوا له حسابا على مطلق.
فالشعر والرواية والقصة الطويلة والقصيرة ما لم تسر كلها على نهج صادق بعرض حي وحوار رفيع مشوق تصبح كلها امراضا مكررة بأساليب مختلفة وان طرب لها صاحبها ولهذا قيل:
يموت الفتى من عثرة بلسانه ولا يموت من عثرة الرجل |
وقيل:
ومن يك ذا فضلٍ فيبخل بفضله على قومه يستغن عنه ويذمم |
وقيل :
قدم لرجلك قبل الخطو موضعها فمن علا زلقا عن غرة زلجا |
والناس لا تخفى عليهم المسالك ولا يتركون الجراح تسيل دما إلا بفضل جلد حي من هذا وذاك.
والمقصود ان هذه الكتب الاربعة جعلتها مثالا حتى يتورع كثير من عقلاء الكتاب في التاريخ وغيره حتى يتورعوا من: مجرد النقل إلا بعد علم وفهم تامين تامين, وإلا بعد سؤال لذوي الاختصاص لتجتمع العقول وتصحح المفاهيم ويقفل الطريق امام الشيطان بصدق النية وصدق النقل وورع النشر.