مرايا د, عضيمة اليابانية! 1-4
اليابان بلاد مشغولة بحالها، ولا جوار لها إلا هي أو اليابان تحد اليابان من جميع الجهات، او ما شابهها من عبارات او مطلقات يرشقنا بها د, محمد عضيمة، وهو يدخل الثكنة التكنولوجية اليابانية محاورا ومشاغبا ذهنية الياباني الموصومة - من وجهة نظره - بثقافة الانسجام التي تجعل كل ما عداها أجنبيا في نظر اهلها.
تعرفت على اسم د, عضيمة من خلال قصائد متفرقة كانت تنشرها الجرائد والمجلات لشاعر عربي يقيم في اليابان، وكنت اتعاطي مع كتاباته بلغة التعاطف مع تجربة عربي مغترب يقيم في ارض الشمس ولم اتعاطف مع شعره، وحين نشرت جريدة اليوم - مؤخراً - مقالاته عن الشعر وقصيدة النثر العربية - لا اليابانية - استفزني بإطلاق احكامه التي اعدها مصادرة او تعميما لا أساس موضوعيا - في رأيي - له.
في دار الكنوز بالبحرين قبل اسبوعين قال لي عبدالوهاب العريض: سيصل الليلة محمد عضيمة في طريقه الى اليابان وسنسهر معه حتى الصباح، فهل ترافقنا؟
كان مزاجي شديد الحموضة فأجبته: تكفينا شطحات بعض المتناقدين عندنا من شباب كتابة المصادرة المجانية هذه الايام باسم النقد ولغته المهووسة بذاتها، ومضيت، لكنني اشتريت كتاب عضيمة غاية المرايا اليابانية .
قرأت هذا الكتاب، وكان مفاجأة مدهشة استمتعت بها وانا أركض خلفه وهو يترحل الى اعماق المجتمع الياباني وتركيبته النفسية والذهنية وأتقمص مرافقته وهو يعاين منجزات هذا المجتمع محاولا من كل ذلك الوصول إلى اجابة السؤال الضخم الذي نطرحه على انفسنا دائما: كيف وصلت اليابان إلى عصر الحداثة مع احتفاظها بموروثها الثقافي المحافظ والممعن في الانغلاق؟
وبعد مطالعة مطولة لهذا الكتاب غفرت للدكتور عضيمة ما اقترفه بحق الشعر - في تلك الاحكام القطعية المنشورة في جريدة اليوم - لانني وجدت مثقفا عميقا يمثل سياقا ثقافيا يمكن التعرف على منطلقاته ومحاورة اطروحاته مهما اختلفنا معها، واستغنيت عن مشقة مقاربتها بمساجلة الشاعر حسن السبع لها في مقالته الضافية بجريدة اليوم.
وغابة المرايا مدونة سيرة ثقافية عاشها د, عضيمة في غابة المرايا اليابانية المعاصرة والقديمة صيغ باسلوب سردي له نكهة الطزاجة وحرارة التدفق الحيوي الممتع، كتابة مشغولة بحرفية عالية تسندها عين لاقطة للتفاصيل المحملة بجمالية المفارقة والسخرية والتأملية القريبة من مناخات الشعر، لكنه كان يبث من خلالها احكامه ذات الطبيعة الاطلاقية المستفزة وغير المجانية ايضا!
فحين يصدر حكما مثل كل شيء في ذهن الياباني عبادة، ممارسة النظام عبادة وطريقة الاكل دين طريقة تقديم الاكل دين فإنه لا يصل إلى ذلك التعميم إلا بعد ان يأخذنا الى الشوارع والقاطرات (المكتظة بالموظفين وبطالبات الثانوية الذاهبات إلى مدارسهن) والمطاعم والمقاهي وأماكن المتع وأروقة الجامعة والملاهي لينسج شبكة من المشاهد المتصلة من الحوادث والحوارات الصغيرة والاسترجاعات الثقافية حتى يبلغ لحظة اطلاق رصاصة التعميم او الحكم - وما أكثرها:
اما الغربة، ذلك السيف المسلط والوحش الذي يلف خطوات الغريب في هواء المدينة، فإنها تتبدى في نظرة الياباني اليك حين لا تتناول طعامك بنفس طريقته، والذي يراك اجنبيا حين تكشف عن سحنتك الداخلية في حمام السباحة، وأكثر من ذلك حين ينظر إليك الياباني كمغتصب وأنت ترافق صديقتك اليابانية الى مطعم للغداء.
أيراشي أيراشي أهلا وسهلا باليابانية تخفي تحت لطفها كينونة اخرى تبقيك على مسافة من قائلهارغم الابتسامة والود الظاهرين, لذلك فإن عبارة د, عضيمة او حكمه المجازي التالي يغويك بالموافقة على جملة الاحكام التي سكها في هذا المتن القصير حيث يقول: في باريس تقول لك المدينة: كن من أنت، وأنا سوف أظل من أنا، أما طوكيو فلا تقبل بغير الذوبان او لا مكان لك,لماذا يبدو الامر هكذا يا عضيمة سان؟
سيضحك عضيمة ويفتل شاربيه اللذين اصبحا علامة فارقة على أجنبيته وكثفا من حدة اغترابه، وبعد عدد طويل من سردياته سيقول: هناك معامل لانتاج الاجوبة الواحدة، والتقاليد الواحدة، والعادات الواحدة، الابتسامة الواحدة والانحناءة الواحدة؟
ولكن أليس لنا هنا مكونات ثقافية تؤدي إلى نفس النتيجة؟
ولعل د, عضيمة لا يفاجأ بالسؤال لانه يملك ادراجا موثقة من الشهادات النافية لجوهر السؤال، وسيقول: لا,, لان مكونات الثقافة اليابانية البوذية والكنفوشية والشنتو والتي ليست دينا ستفعل في الياباني بمكوناتها العجيبة اكثر مما تفعله اية ديانة اخرى، فهنا يمكن ان تكون بوذيا او كنفوشيا او مسيحيا او مسلما ولكن لا يمكنك ان تكون من الشنتو، لأنك لست من اصول سلالة ابناء الشمس اليابانية.
إذن فأنت في اليابان غريب بالوراثة!
|