مؤسساتنا الثقافية,, ركض إلى أين,,؟! (3) اعداد : منير عوض |
في ظل التسابق الكثيف الحاصل في العملية الثقافية أجمع، وبروز المثقف المبدع كرمز حقيقي في كيان أي تواجد على البسيطة,,.
لا يشك أحد أن عملية احتواء المبدع هي الركيزة الأساسية في انطلاق أي حضارة من الحضارات وتكوين هوية واضحة لأي شعب من الشعوب.
الآن حيث القنوات الثقافية تفتح آفاقا أرحب للمبدع من خلال طبع الكتب والدوريات وإقامة الندوات والأمسيات الثقافية، وخلق أجواء رحبة للحوار والنقاش,.
يظل العمل المؤسسي على جميع الأصعدة بحاجة إلى التعديل والتغيير في عملية تطويرية لا تنتهي.
* فكيف هي آلية العمل الثقافي في ظل التطلع إلى تحقيق الأهداف والطموحات؟!
* وهل استطاعت المؤسسات الثقافية احتضان المبدع واحتوائه وتطوير ثقافته وانتاجه، لتقديمها فيما بعد للمتلقي التواق للمزيد؟!
الاستاذ الشاعر محمد الحرز من رؤية شخصية يتحدث قائلا: في عمق المشهد الثقافي الذي نحياه، ليس ثمة آليات ذات نسق متكامل، وأدوات ذات حضور فعال في بنية المشهد ذاته، ولا يشكل الوجود الثقافي بوصفه وجودا يتوجه دائماً إلى الحد من وحشية الإنسان، وإلى إضفاء الوجود الروحي عليه أولا، واكسابه معرفة معمقة وغنية ثانيا، تساعده كثيرا في التعبير وبحرية مطلقة عن إنسانيته بالدرجة الأولى، كل ذلك، يبقى حبيساً ومتقلصا ضمن دوائر العمل الثقافي، وإذا كان هناك من يرى، أنه يمثل عنصرا في حياتنا الثقافية، وله - نوعا ما - حضور مؤثر، فإن هذا الحضور - في ظني - لا ينبع من الحياة الثقافية نفسها، وإنما جذورها تتصل بالثقافة اللاوعية التي تحكم فئات عموم أفراد المجتمع، بمعنى أن عناصر الثقافة الواعية كعناصر ذات بنية فوقية، تبقى في دوائر قصية وبعيدة عن دائرة التأثير والتأثر، إلا ما ندر وفي بعض الحالات الثقافية أو الذوات المتطابقة مع نفسها سلوكياً وثقافيا ومعرفيا, ويبدو أن الإنطلاق من هذا الأفق إلى المشهد، يفضي بنا إلى تجذرات راسخة، تتحكم بصورة أو بأخرى، في مجمل تصوراتنا ومفاهيمنا حول الثقافة والمثقف، وحول ما ينبغي أن يقوما به من أدوار فعالة داخل المجتمع بشكل عام, والسؤال الذي ينبغي أن يخترقنا من العمق، كمثقفين ومبدعين على السواء هو: كيف يمكن أن نستوعب تلك المفاهيم ضمن شرطها التاريخي الواعي واللا واعي، ومن ثم توظيفها في حياتنا الثقافية والاجتماعية بحيث تقودنا إلى ما يمكن أن نسميه بأفق التوازن بين ماضٍ يشكلنا وحاضر ومستقبل نشكله بما يتوافق وآليات المعرفة الراهنة - الشاملة!؟
وليس أكيداً أن يكون واقعنا الثقافي قد راهن على مثل تلك التساؤلات أو حتى تلمس تفرعاتها المندسة هنا وهناك، إن كل ما يبدو - حالياً - لا يؤسس وعيا ثقافيا بالمعنى المعرفي الحديث، ولا يخضع وعيه الحالي للصدمات النقدية الكفيلة بإحداث إزاحات ليس على مستوى الفكر فحسب، وإنما كذلك، يطال الواقع المعيشي بتشكلاته وطبقاته الاجتماعية المختلفة، وحسبنا هنا أن نؤكد على ضرورة المسألة، ليس من جانبها المعرفي فقط، وانما ينبغي أن يتعدى ذلك إلى الممارسة الفعلية التي هي في نهاية المطاف، التحدي الحقيقي لتكوين حياة ثقافية لها طابع الحركة والتغيير والاتجاه إلى المستقبل بكل طاقاتها وإمكاناتها الخلاقة, وإذا كنّا بهذه الكيفية أو تلك، نحاول - ولا نزال - الخروج من شرنقة الآخر، ومن أثره النفسي والمعرفي الضاغط على حياتنا الفكرية والواقعية، فإن تلك المحاولة بدلا من أن تفتح أفقا ثقافيا مغايرا ومتجددا، تحولت إلى مجموعة اثقال تحبس الفكر والثقافة والمعرفة في دوائر وهمية، تكرر نفسها بالقدر الذي تتبنى فيه حلولاً جاهزة ومؤقتة، تنبع من وعيها الإيديولوجي لا من وعيها المعرفي، ورمبا كنا نشير - هنا - إلى إشكالية لا تمس مشهدنا الثقافي باقليميته فقط، وانما تمس عموم المشهد الثقافي العربي، حيث نرى تماما أن الفصل بين ما هو إشكال داخلي وآخر خارجي، لا يؤدي إلا إلى مزيد من ضياع المسألة الثقافية، وما يتعلق بها من مهمات منوطة بالمثقف والمفكر والمجتمع على حد سواء.
وقد يشكل الوعي الجماعي في التفكير، الاثر الفاعل والمؤثر في وضع اللبنات الأولى على طريق التغيير والتثوير، وهنا يأتي دور المؤسسة كدور، ينظم الحياة الثقافية بصورة أكثر فاعلية وأكثر تطورا وتنوعا من حيث الأسلوب والمعطيات والمنهج والرؤية وأيضا حتى المواقف المترتبة عليها وعلى نتائجها.
وهنا نتساءل عن مدى فاعلية تلك المؤسسات بوصفها كذلك!!؟
غالباً لم تسع مؤسساتنا الثقافية في نطاق مهماتها المفترضة، وفي مجمل دورها الراهن على أرض الواقع بأن تقوم بمهمة التأسيس والتأصيل، بمعنى آخر:
لم يشمل سؤال المؤسسة الثقافي على الكيفية التي يتم من خلالها استقطاب عالم الطفل بوصفه عالماً من شأنه أن يحدث انعطافة نوعية، مستقبلا، تُسجل لصالح الحياة الثقافية في مشهدنا برمته، ولم تُنشأ - لأجله - قنوات ثقافية منبرية - ورشية عملية، منفتحة، يشترك في دعمها جميع المؤسسات الثقافية والتربوية حسب توجهاتها المختلفة بحيث تصب جميع نشاطاتها في دعم الحياة الثقافية، برفع مستوى الثقافة/ الطفل أولاً وبإحداث نوع من التراكم المكتسب في السلوك الثقافي للإنسان والمجتمع بصفة دائمة ومستمرة، ثانياً، وإن كان هناك من مهمة تضطلع بها مؤسساتنا الثقافية، فإنها تصب جميعها في خانة (المثقف المؤسساتي) الذي يتلقى الثقافة بوعي مغلق على نفسه، وبمنظومة قيم، لا تقبل الإزاحات - من جهة - ويسعى إلى تحريرها - من جهة أخرى - إلى طابور من المتلقين، الذين هم بدورهم، يأخذونها دون إضافات، تميز فيما بينهم ثقافياً، وإذ نركز على هذا الجانب المُستلب من دور مؤسساتنا، فنحن لا نعدم الجانب الإيجابي منها، فقد تشكل عبرها جانب مهم من المسألة الثقافية ذاتها، وهو تنامي الفكر المؤسساتي، وتبلور بنيته في ظلها، وتحت رعايتها المتواصلة، وهذا مؤشر باستطاعته أن يتغلل داخل بنية التفكير الاجتماعي، وفي داخل سياقاتهم الثقافية والفكرية والأدبية، شريطة أن يتم ذلك كله، ضمن التوجه بآليات الاستقطاب الثقافي الشامل لكل فئات المجتمع دون تمايز أوتراتب، وهذه مهمة، تنهض بها مؤسساتنا الثقافية بتوجهاتها المختلفة دون منازع، وغير ذلك فلا!.
|
|
|