,, وهذا طرف آخر مما ساقه صاحب الجرجاني من حواريته حول تجربة علي الدميني الأدبية، إذ سأله محاوره:
س - بصرحة هل يمكن القول إن الدميني شاعر مهمل في حق نفسه شعريّا؟
ج - لا,.
س - كيف تعامل الوسط النقدي مع قصيدة الدميني؟
ج - هو معدود رمزاً من رموز التحديث للقصيدة في المملكة,, وتجربته محلّ فحص في دراسات نقدية وأطروحات أكاديمية ومع هذا فالقصور في تعامل الوسط النقدي بعامة مع شعرنا الحديث - وقبله الوسط التعليمي والاعلامي - سؤال قائم، محفوف بحسابات قد لا تكون لها علاقة موضوعية بالجودة,.
س - تجربة الشاعر الدميني الصحفية ماذا يمكن ان نقول عنها؟
ج - أهم مافي تجربته الصحفية من وجهة نظري تجربته النقدية,, فالدميني ناقد مرهف,, وهذا جانب غير مضاء من تجربته,, وهو بذلك يثير سؤالاً قديماً حول نقد الشعراء,, ومن متابعتي لما يكتب وما ينقد في صحفنا أجده يقدم لوناً من النقد الشاعريّ، حيث تتداخل أدواته هنا أيضاً، وعن قصد, وهو لون مشروع من القراءة، قد يكون له من نفاذ البصيرة الفنية ما يعوز الناقد المدرسي، وإن لم يَرضَ هؤلاء عن مثل هذا القول,.
س - كمتذوق للشعر او كشاعر ومتخصص في الادب والنقد ما الذي لم يعجبك في شعر الدميني؟
ج - لو كنت متذوقاً فقط لربما كان لي أن اجيب عن هذا السؤال,, لكنك تعلم أن متلبّساً بالشعر لا يمكنه ان يكون بريئاً في إعجابه او عدم اعجابه,, هذا فضلاً عن ان مسألة الإعجاب في الفنّ مسألة نسبية,, ما تعجب به قد لا اعجب به,, لكن إذا حاول المرء التجرد النسبي عن المسألة التذوقية هذه بسماتها الشخصية الى الادوات الفنية بمحدداتها النقدية، فإنه يمكنني القول ان شعرية كشعرية علي الدميني خليقة بأن تجعل لها مكانة مهمة على الخارطة التاريخية للابداع الشعري، حينما تأخذ نفسها بدراسة تمحيصية لسلامة ادواتها الفنية التكوينية الاساس، من لغوية وايقاعية ذلك ان الموهبة وحدها لا تكفي في اي فن من الفنون.
س - في الختام هل لك ان تسمعنا شيئاً من شعر الدميني؟
ج - من "غيمة لي وقميص لفتنتها"مقطع "صباح الجمعة"(بياض الأزمنة: 86):
(ولي وطنٌ) قاسَمتُه فتنة الهوى ونافحتُ عن بطحائه من يقاتلُه إذا ما سقاني الغيث رطباً من الحيا تنفّس صبح الخيل وانهلّ وابلُه وإن مسّني قهرٌ تلمّستُ بابه فتورق في قلبي بروقاً قبائلُه تمسّكت من خوفٍ عليه بأمّتي واشهرتُ سيف الحبّ هذي قوافلُه |
-2-
وقد تقدم ان الدميني متواصلٌ حميم مع قرائه (قال صاحب الجرجاني):
* هذه طبعة معدلة من بياض الأزمنة,, مع تحياتي,.
* أهديك رفيف أجنحتها وهي تنازعنا حقوقنا من إرث الأجراس والنوافذ وما ينهد من الأرض والجسد,, 8/مارس/99م.
ثم في 20/5/99م أيضا:
* هذه نسخة اخرى اجرينا فيها بعض التعديل واستكملنا ما حذف في الطبعة الاولى من قبل أكثر من جهة فنية وسواها,, (بياض الأزمنة).
* تواصلاً مع مساقاتك وإنجازاتك عن المبصرين والعميان,, أهديك أجنحتها وعليك البحث عن "باقيها"، مع,.
,, الدميني هكذا شاعر في إهداءاته وفي تفاعله الثقافي العام، وإن جاء مغلفاً بظروف مصرفية!,.
لكني لم أجد في طبعة مجموعته "بياض الأزمنة"الجديدة (دار الكنوز الأدبية: 1999م)، بنسختيها، ما يشير إليه آنفاً من التعديل والاستكمال، اللهم إلا انه قد حذف قصيدته الواردة في طبعة البياض الأولى (ط, 1995م) بعنوان "ركائب اللثغة الأولى"، تلك التي كنتُ قد أشرتُ في مساق قديم إلى ما اعتور بعض مقاطعها من خلل ايقاعي, فإن كان ذلك وراء الحذف فهو دليل على جدية الدميني في حساباته الفنية, مع أن الأمر في ذلك من وجهة نظر نقدية كان أهون من تصفية كامل القصيدة:
الصخر أصدق إنباء عن اللعبِ في صوته الحدّ بين الغمّ والطربِ لهوتُ حتى سَها اللاهون عن سحبي وأيقنوا أنني قد نمت في كتبي وجئت من لثغة اولى إلى لغةٍ تدني الركائب حولي وهي تفتك بي,,. |
- 3-
أمّا قلادته الجديدة "بأجنحتها تدق أجراس النافذة"(ط,(1)، دار الكنوز الأدبية: 1999)، فهي تدخل به إلى افق جديد من مشروعه الشعري، أفق يسلم نفسه للهمس في مقابل صهيله المتوارد من قبل مع التراث المنبري للقصيدة العربية, إنه يحتفي بصمت الكتابة الكامن خلفه ظلّ الكلام ناشراً ريشه، على حد تعبيره في مستهلّ فاتحة ديوانه الجديد: قصيدة "فوضى الكلام"، التي سبق الاحتفال بها ها هنا إبان نشرها بجريدة الرياض.
يسعى في مجموعته العتيدة إلى استنطاق شعرية اليومي البسيط، مع التكثيف الشديد في ومضات خاطفة:
لم أر من قبلُ نهار بلدٍ،
ينحلّ في حديقة
حتى لمستهُ، متّشحاً بلوزة الرفيقة
هذه لديه قصيدة كاملة، وعلى هذا المنوال يمضي: "بيت,, مسافة,, الشاي,, الشباك,, بلوزة,, وهكذا"، نَهجَ (سعدي يوسف) في مراوداته الشعرية الأخيرة.
ولهذا العمل مساق لاحق.
* آداب جامعة الملك سعود - قسم اللغة العربية