كل مرة لا أقرأ قصيدة مالك بن الريب في رثاء نفسه حين أقرؤها بل أحياها، وألقاني مشدودة لبيت فيها ما أظنه يحسب في ميزان جمالياتها.
مالك الفارس المغترب ذاك الذي يواجه الموت وحيداً نائياً يرعبه خلو آفاقه من أحبائه فيتفجع شعراً تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد .
وهو يريد كل الدموع: العاجلة، الآجلة؛ أغزر ما قد تجود به أعين من دموع.
يستنزف بدءاً دموعاً ممن لا أعين لهم: يبكي سيفه,, يبكي رمحه ولا يكتفي,, يبكي فرسه ثم لا يكتفي.
يجتلب خياله صور قريباته البعيدات يحشدهن حوله: أم وابنتاها وخالة,, وقرينته عجوز اليوم وابنته، وبماسوشية تليق به وحده يجسد لهن ميتته التي لن يفينها حقها نياحة مالم يرينها، يبلغهن ألاّ تلاقياً بعد اليوم فيستجبن ويبكينه فلا يكفيه كل الدموع المنسربة من الأحداق الحبيبة لا ترضي إحساسه بقيمته كمفقود فيقود بناحية مجلساً لباكية أعلى صوتاً باكية أخرى تهيج البواكيا كلما جفت مآقيهن أنشجت فرفعت فيهن الوجع بكاءً يبدأ كي لا ينتهي ذا ما كان يشدني في القصيدة، كلما قرأتها توقفت عند بيته الذي حوي ذي الباكية وتناثرت استفهامات بعدد أحرفه, ترى من هي؟
قيل لي قد تكون زوجته وقيل بل ابنته وقيل ربما هي حبيبة ما أراد فضح اسمها وما تطاوعه نفسه نفسها اعترافه بوفائها الباكي له.
لكني بعد كل قراءة للقصيدة أخرج أكثر تشككاً في شخصيتها.
اليوم استرجع القصيدة وبيتها ال,,, فيعاودني استفهامي، لذا وجدتني أخط رمساً تذكارياً لمالك قرب مرابع أهله بداخلي ثم أصفُّ باكياته حوله فإذا بالباكية المجللة سواداً وغموضاً تظهر بطرف المكان, اقترب منها قبل أن تبدأ مهمتها الأهم وبتردد أرفع النقاب عن وجهها فيكتشف عن ملامح كملامحي!
|