* إذا كانت الفئة الثقافية عندنا هي فئة انحدرت من أصول قروية، وأنها بذلك تساهم في بناء ثقافة ناقصة,, - كما ذكر احد مدعي النقد في الساحة قبل أسبوعين في ملحق الرياض الثقافي -,, فإن هذا يدل دلالة قطعية على أن ثقافة الأمة قد أعلن عليها السلام، وأننا يجب أن ننظر إلى ذواتنا الانسانية والثقافية طبعا, فقد نشكل خطرا مستقبليا لإنسان هذا الوطن بسبب أننا قدمنا صورة أو أخرى من جذور أو نزوح أو هجرات قروية إلى المدن، وكأن المدن التي أتينا إليها مدن فاضلة ثقافة وحضارة ومعايشة!، أو كأننا قد أتينا من بقاع متوحشة وغير أخلاقية وتدين بمذهب الوحشية التخريبية.
إذا كانت القرى والهجر والبداوة - مع اختلاف وسائلها الانتاجية - قد أتت بمفاهيم التخلف إلى المدينة لتلوثها,.
فقد وجب على أهل المدن أن يضعوا حراسا عند مداخل المدن لكي يحافظوا على مستواهم المدني والحضاري والثقافي والنابغي، منعا للتلوث الثقافي، وإذا كانت مرجعيتنا الثقافية التربوية والسلوكية والمعيشية,, أي المجموعة الثقافية الأولية، من القرية وأنها لن تضيف بهذه الانتمائية شيئا إلى الثقافة المدنية,, فقل: اللهم أمطر على عقولنا وثقافتنا وإنسانيتنا حجارة من السماء.
***
نقول لأخينا الناقد الكريم، مع احترامنا لرأيه وتحفظنا على المهاترات الهجائية التي لا تفيد الساحة ولا الثقافة ولا الأدب ولا الفن عموما، بأية فائدة، وكما عبر الاستاذ حسن السبع في ثقافة الرياض - الاسبوع الفائت,,
نقول:
هل ترى يا أخانا أن ثمة فرقا بين القرية والمدينة في أمر الثقافة اليوم - محليا - وغير اليوم أيضا، فنحن نعتقد أن الفرق يكمن في المباني والوسائل فقط، وليس في الثقافة - صحح الله بصيرتك -، فما هي الثقافة الفاضلة أو المتقدمة التي سبقت بها المدينة إنسان القرية الذي جاء ليقيم بها؟
وهل استطاعت المدينة أن تتقدم عن القرية بفعلها الثقافي الجان جاك روسو ، بحيث أن المدينة تصبح وتمسي على الفضائل الإنسانية في القيم، وفي المرجعية وفي الثقافة المنثورة على الأرصفة من شدة الاهتمام والتركيز؟
ماذا أضافت المدينة إلى القروي الذي جاءها باحثاً عن التزويد الثقافي والإنساني عامة؟
ما هو الموقف الثقافي الساطح الذي تخاف عليه من المثقف القروي وهل أنت بثقافتك وغيرتك، ونتاجاتك حريص إلى هذا المبلغ من التلوث الثقافي القروي,, أفدنا فقد نكون في سهوة قروية شنعاء,, فمن علّم اليوم أحدا توجيها فقد كسب أجر من هدى ضالاً إلى غايته.
إن الفذلكة اللغوية المستطردة دون جوهر مفيد,, لا يمكن أن تزكي الناقد، ولا المثقف، ولا الأديب، وحالنا - هنا - في جنس الكتابة - لأن اللغة ليست إلا وسيلة وليست غاية، أو مطية من أجل أن يرفع من على صهوتها الناقد أو المثقف، وأريد أن أبين أني قرأت موضوعك المقدر,, أكثر من مرة، وكأنني أتهجى لغة موصوفة باللغة دون أن تكون فناً، وإنما كتبت لسبب هو التعبير عن فكرة غير واضحة، ألا تشاطرني الرأي وأنت الناقد أن اللغة تكون فاشلة إذا لم تستطع التعبير عن الفكرة؟,, ولست راغبا في الهجائيات لأنني أرى أن لا فائدة منها، وليست هذه مرحلة لمن ينظر بعقلانية إلى واقعنا الثقافي لمثل هذه الحزازات، فنحن نحتاج إلى من يطرح على وجوده الثقافي السؤال التاريخي,, واقعاً,, مستقبلاً,, ماضياً، كما أننا - حسبما أرى - لسنا بمحتاجين إلى تلميع الذات على نفقه الساحة، ولسنا في حاجة إلى من يقول: (من - هنا - تساؤلية وليست جازمة):
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا ؟ |
***
إننا لسنا في مرحلة تمكن الثقافة عندنا أن تكون لذاتها بل هي في ذاتها,, ومع ذلك فاسمح لي القول.
لعلنا نعلم أن الأدب الذي لا يحمل خصوصية المكان، وبالطبع الزمان لا يمكن أن تكون له هوية اجتماعية، ولعلنا نعلم أن نوبل منحت للكاتب الإسرائيلي 1967م، عجنون بمبرر أصحاب الجائزة,, أنه حرص في كتاباته السردية على مرجعية وتأصيل قومه!!، علامات التعجب - هنا - تاريخية وليست بمقياس معرض ديزني الأخير.
وإذا كانت غالبية ثقافتنا المحلية قروية,, أعني حسبما قال استنباطك,, فماذا يضير استراتيجية الثقافة فكرنا وثقافتنا الوطنية,؟ هل هنا يعني أن التركيبة الثقافية المحلية والسيكولوجية نحو الهاوية؟
صحيح أن الثقافة في المدينة المتعددة الوسائل المتباينة في مدينة مثل طوكيو أو باريس أو جاكرتا أو القاهرة أو الدار البيضاء أو السمراء,, أو غيرها,, قد (أقول قد) تمكن المثقف من الاستفادة من الوسائل، أو أنها، تتباين بوضوح موضوعي، فقد لا يكون في القرية مسرح أو منتدى ثقافي، أو مركز فني، أو مكتبي، معلوماتي، أو مشهدي محاضراتي، أو,, أو,, لكن ليس هذا بمنظار إلى مدننا, فالقرية عندما تحمل مُثلا وقيما وإنسانية عالية نحتاج إليها في يومنا,, ربما لا تحملها المدن، ومن الضروري - كما ارى فكريا - أن نقيم ونحافظ عليها وعلى خصوصياتها,, فالقرى مرجعية لا تعيب بقدر ما تشرف أمام المدينة التي تسلخ الانتمائية المكانية بصورة حضارية.
لعلنا نجد حتى الحارة المدنية ,, قد اندثرت وأصبح النسيج الاجتماعي فيها ملغى، وبطريقة أمريكية كرتونية استهلاكية ممسوخية، بل إنك تستطيع أن تتخذ رأيا طبقيا من مجمعات القمامة التي تحوي أكبر كمية من الورقية المستهلكة في الاحياء، مع أننا لا نستطيع أن نجد تمييزاً بين المستهلك هنا وهناك، فالكل يأكل البروست والماندويل والكت كات ,, لا يخيفك أننا قرويون,, بل تذكر أننا نحتاج إلى المرجعية الانتمائية لأنها هي الوحيدة التي تحافظ على إنسانيتنا وصفاء ثقافتنا، وبالله التوفيق.