طباق وجناس الأخ نبيل ,, يحول إلى الحلقة ؟! محمد أحمد الحساني |
منذ ان بدأت السعودة وبعض الجهات المختصة لا هم لها سوى التركيز على سعودة اسواق بيع الفاكهة والخضار او الحلقة كما تسمى شعبيا واصبحنا نقرأ بين يوم وآخر تنظيمات صادرة من تلك الجهات حول سعودة الحلقة والتشدد في ذلك حتى صدر مؤخرا تنظيم يمنع منعا باتا ان يقوم غير السعودي بمباشرة البيع في الحلقة من خلال المباسط حتى لو كان المحل مسجلا باسم مواطن سعودي والعامل البائع على كفالته لأن ذلك يعتبر في نظر الجهات المختصة نوعا من التستر التجاري، ولذلك فلا بد ان يكون صاحب المحل نفسه موجودا في محله على الدوام.
والواقع اننا نشكر لهذه الجهات حماسها منقطع النظير لسعودة اسوق الفاكهة والخضار التي يوجد منها واحدة في كل مدينة او محافظة وربما واحدة اخرى في بعض المدن او المحافظات الكبرى ولكن ما نود الاشارة اليه هو ان التركيز على (الحلقة) في كل مدينة او محافظة وبهذا الشكل مع ترك غيرها من المحلات التجارية ذات الانشطة المختلفة والتي تحمل اسماء مواطنين من القبائل والحواضر، وفي كل محل ما يزيد عن اربعة او خمسة بائعين غير سعوديين، هو امر يدعو للعجب حقا لاننا لو احصينا جميع العاملين من غير السعوديين في حلقة الخضار بأي مدينة او محافظة وقارنا عددهم بعدد من يعملون في محلات تجارية موجودة في شارع فرعي صغير من شوارع تلك المدينة او المحافظة لوجدنا ان عدد العاملين في الحلقة كلها اقل من عدد العاملين في المحلات الموجودة في ذلك الشارع الفرعي الصغير، فاذا علمنا انه يوجد في المدينة او المحافظة الواحدة مئات من الشوارع التجارية الفرعية التي بها آلاف المحلات التجارية فإننا نستطيع ان ندرك حجم العمالة غير السعودية الموجودة في المحلات التجارية التي لها نشاطات مختلفة من بيع الاثاث الى الخردوات والملابس والعطور وغيرها ويمكن تقدير عددهم بعشرات الآلاف من العمال البائعين في كل مدينة ومحافظة فماذا يمثل عدد العاملين في حلقة الخضار مقابل هذا العدد الهائل من العاملين في المحلات التجارية ولماذا لا يطالب اصحاب هذه المتاجر ما طولب به اصحاب المحلات الموجودة في الحلقة,, ان يمارسوا البيع بأنفسهم؟!
ونحن هنا لا نتحدث عن المطاعم والمطابخ ومحلات سمكرة السيارات والورش بجميع انواعها والاعمال الفنية الاخرى لانه قد لا يوجد العدد الكافي الذي يقوم بها من الاخوة السعوديين في الوقت الحاضر ولكني اتحدث عن محلات البيع والشراء الاخرى التي لا تحتاج الى موهبة تزيد عن موهبة بائع الرجلة والجرجير في الحلقة ومع ذلك تم التركيز على العاملين في الاخيرة وهي وحيدة يتيمة الدهر وترك عشرات الآلاف من البائعين في المحلات التجارية الاخرى يعملون متسترين تحت اسم مواطن سعودي وفي وضح النهار,!
وقبل مدة زرت الرياض في مهمة عمل بعد سنوات طويلة من الانقطاع عن العاصمة فعنّ لي أن أزور حيها العريق القديم (البطحاء) فدخلته بعد المغرب وهالني ما رأيته وظننت انني في مدينة بومباي وما حولها فهناك مئات المحلات التجارية التي تبيع كل شيء مباح من الملابس حتى التوابل ومعظم القائمين عليها من جنوب آسيا، بل ان زوار الحي وشوارعه وسكانه هم من الفصيلة نفسها وان وجد آخرون فعددهم لا يبلغ العشرات وقد لاحظت ان في الشارع نفسه ما يزيد عن عشرة مطاعم (هندية) مما يؤكد وجود مستهلكين للمأكولات الهندية في البطحاء بشكل لا يوجد له مثيل فاذا كان هذا هو الحاصل في الرياض فإن الوضع في مدينة مقدسة مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث يفضل الكثير من المسلمين العمل فيها لاسباب دينية، هذا الوضع لا يحتاج الى شرح او تجسيد وبإمكان اي واحد ان يدخل شارع المدعي بأم القرى او اي شارع تجاري آخر حول الحرم المكي الشريف ليرى العجب العجاب,,!!
لقد ارتاح بعض التجار من اصحاب الشركات والمؤسسات الى مسألة سعودة الحلقة وظنوا انها ستكون مخرجا لهم للتهرب من السعودة وان سعودتها ستكون نهاية المطاف حتى قيل ان احدهم كان اذا جاءه طالب عمل من الشبان فإنه (يشرح) له على المعروض المقدم لسعادته بعبارة الاخ نبيل,, يحول الى حلقة الخضار ,, ونبيل هذا اسم من الاسماء التي تليق بسكرتير او امين سر او نحوهما، فاذا قابل ذلك الشاب (الاخ نبيل) مسكه باب الحمال فلا يوجد غير الحلقة ولا شيء غير الحلقة فان أبى اتهم بالدلال وعدم الرغبة في العمل مثل غيره من الشباب السعودي (الهامل)!
وخلاصة القول ان قضية اسم السعودة تحتاج الى المزيد من الحزم والارادة الرسمية لتطبيقها ولا بد قبل كل شيء ان يكون لدى وزارة العمل والشئون الاجتماعية وفروعها قوائم بالاعمال التي يوجد من يشغلها من السعوديين ويمثلها غيرهم في الوقت الحاضر لمجرد ان هؤلاء العاملين يقبلون بأجر يعد في نظر صاحب العمل اقل من الحد الادنى للاجور في بلادنا، فاصحاب العمل ولا سيما كبارهم يهمهم ان يحصلوا على المزيد من الارباح السالمة من الضرائب الخالصة لهم ولكن لا يهمهم ان يؤدوا واجبهم نحو وطنهم ولذلك سيظل الحال على ما هو عليه خاصة اذا تم التركيز على حلقات الخضار او المحلات الصغيرة التي بها عدد محدود من العمال البسطاء وتم تناسي المؤسسات والشركات الكبرى التي يوجد في الواحدة منها آلاف العمال مجاملة لاصحابها الذين يشاركون في كل ندوة او مناسبة حول السعودة مرحبين بها أيما ترحيب ولكنهم اذا ما رجعوا الى مكاتبهم ورأوا على ابوابهم طالب عمل حجروه بنظرة ثاقبة ينخلع لها قلب الشجاع وقد نجد اكثرهم كياسة ودهاء من يرحب بطالب العمل ثم يحوله الى الحلقة عن طريق نبيل او ادهم او سمير لبيع الرجلة والجرجير الذي يوضع احياناً تحت السرير!!.
رحيل,, عيسى خليل؟
عندما زرت جريدة الندوة لاول مرة عام 1390ه اي قبل ثلاثين عاماً حاملاً بعض قصائدي التي جمعتها فيما بعد في ديواني الاول (رعشة الرماد) كان على رأس الجريدة يومها ثلاثة رجال حامد مطاوع رئيس التحرير ونعمان طاشكندي مدير التحرير وعيسى خليل سكرتير التحرير وثلاثة محررين هم محمد حافظ وحامد عباس وفايز حسين، وكانوا الدينمو المحرك لها، والسير الذي تمر عن طريقه جميع المواد والصفحات وتعلم على يديه الشداة من الصحفيين هو عيسى خليل، وكنت احدهم وقد اصبح بعضهم في مراكز صحفية مرموقة وقد علمت فيما بعد ان (الاستاذ) عيسى خليل قد عاصر الندوة قبل عام 1380ه خلال رئاسة الشيخ صالح جمال لتحريرها في عهد الافراد ثم واصل العمل فيها في عهد المؤسسات وعمل مع كل الاساتذة رؤساء التحرير حامد مطاوع مدة 23 عاماً ويوسف دمنهوري 13 عاماً واخيراً عبدالرحمن العرابي الحارثي حتى قدم استقالته من العمل قبل نحو عام بعد ان تجاوز الستين من عمره واشتعل الرأس شيباً وقرر ان يترجل بعد اربعين عاماً من العطاء الصحفي المتواصل,, ليستريح من عناء العمل قليلاً ولكن يبدو ان القدر لم يمهله حتى يستريح!، فكانت (الراحة الكبرى) ان شاء الله تعالى حيث لقي ربه في الاسبوع الماضي بعمان بالاردن اثر نوبة قلبية.
لقد كان الاستاذ عيسى خليل صحفياً عربياً موهوباً وصاحب قلم متمكن وقدرة مميزة على العطاء الجيد، واذكر انه كان يحضر الى مقر الجريدة قبل صلاة الظهر ولا يغادر مواقع العمل الا قبيل صلاة الفجر لانه يقوم بعمل عدد من الرجال في وقت واحد لا سيما في عهد المطاوع الذي كان الاستاذ يحظى بثقته المفرطة نظراً لما بين الرجلين من تفاهم وانسجام وتقدير متبادل وفهم مشترط لمعظم الامور استمر نحو ربع قرن وكان الاستاذ خليل جديراً بذلك كله حيث نجح في ادارة دفة العمل بصبر وجلد وتفان دون كلل او ملل طوال عهد المطاوع ثم استمر عطاؤه في عهد الدمنهوري، ولكن بدرجة اقل من المسئولية بعد ان تم توزيع جزء من اعبائه على آخرين عندما اصبحت الجريدة تطبع طبعتين فكان هو مسؤلاً عن الطبعة الاولى (وهي الأهم) وعندها اختصر دوامه اليومي الى عشر ساعات فقط لا غير!!.
لقد كان - رحمه الله - علامة بارزة في تاريخ جريدة الندوة واستاذاً لجميع من مر عليها من شداة الصحافة والادب ومدرسة للمحررين والمندوبين الصحفيين بل ان بعض القيادات الصحفية المعينة في الندوة من خارجها قد تعلمت على يديه الكثير من اسرار مهنة الصحافة وهؤلاء موجودون على قيد الحياة وبامكانهم - إن انصفوا - ان يضمنوا شهادتهم ما للرجل عليهم من فضل وفير.
إنني اكتب عن رجل اعرفه حق المعرفة وقد كنت تلميذاً في مدرسته الصحفية ما بين عامي 1394 - 1408ه وقبل ذلك التاريخ كنت ازوره حاملاً قصائدي الرائعة بصوت الارض المحتلة التي اصبح اسمها اسرائيل!؟ فيأخذ شعري المتواضع ويبرزه ويحسن اخراجه تشجيعاً لما يرى انه بداية طيبة لعطاء واعد.
وكان في الندوة صفحة تحمل اسم (نداء القدس) تبناها الاستاذ خليل وسلمها لصحفي موهوب هو الزميل الاستاذ رفقي الطيب الذي يعد من المع الصحفيين في الصحافة السعودية وهو الآن المسؤول عن فرع صحيفة الوطن في المنطقة الغربية وسبق له ان عمل مديراً لتحرير صحيفة الشرق الاوسط في لندن لمدة اربع سنوات، فكانت قصائدي الوطنية تحول الى صفحة (نداء القدس) فيتغنى بها الطيب ويزينها بالرسوم المعبرة ويضع لها مقدمات حتى ظن بعض الناس انني والطيب من ابناء فلسطين اصلاً ومنشأ وولادة، وقد اختفت (نداء القدس) من جريدة الندوة بعد ان خفت صوت المدافعين عن القدس في العالم العربي الكبير؟!.
وأخيراً فلقد رحل عيسى خليل دون ان يتسلم مكافأة الخدمة المقررة له بموجب النظام على الرغم من اعتراف الندوة له بهذا الحق كاملاً، وذلك بحجة عدم توفر ما يغطي هذا الحق مع انه من (الديون الممتازة) حسب المادة الخامسة عشرة من نظام العمل وقد علمت ان اسرته في امس الحاجة لذلك الحق الذي آمل ان تعنى به ادارة الندوة فوراً.
|
|
|