مالقة هي احدى مدن اسبانيا المطلة على شاطىء البحر المتوسط وقد لعبت دورا هاما في تاريخ المسلمين بالاندلس نظرا لمواجهتها للشاطىء المغربي من ناحية وحصانة موقعها البحري من ناحية اخرى.
وقد ظلت عبر حقبها الاسلامية قاعدة بحرية هامة مشحونة بالاسلحة والرجال وبسفن الاسطول الاندلسي الذي دحر غزوات الفايكنج من اهل الشمال الذين عرفوا في المصادر العربية بالمجوس او النرمنديين (سكان الشمال) ومن مالقة ايضا فرض المسلمون سيطرتهم على جزر البليار وغيرها من جزر البحر المتوسط, واذا كانت مالقة من المدن التي اسسها الرومان في اسبانيا فان الحكم الاسلامي للاندلس قد زود هذه المدينة بما اشتهرت به من عمائر رائعة خلال عصورها الوسطى وهو ما تدل عليه بقاياها الشاخصة الى اليوم,والمدينة تشغل لسانين من البر يمتدان في البحر وقد احيطت بسور حجري قديم اعيد تشييده على يدي عبدالرحمن الثاني لصد هجمات الفايكنج كما تم تجديده غير مرة وخاصة في عصر حكام غرناطة من اسرة بني نصر.
وخلال العصر الاسلامي كانت المدينة مؤلفة من ربفين وقصبة واحدة والربض في المصطلح الاندلسي هو حي سكني تحيط به الزروع وهو غالبا غير محاط بالاسوار بينما تحاط القصبة وهي مقر الحاكم بسور وتزود بقلعة حصينة لتكون نقطة الدفاع الرئيسية عن المدينة عند مهاجمتها.
وقد اشتهرت مالقة بشجر التين الذي كان يحيط بارباضها وكان يحمل الى مصر والشام والعراق، وتعتمد الزراعة فيها على مياه الامطار نظرا لان النهير الصغير الذي يجري في واديها خلال فصل الشتاء لم يكن دائم الجريان.
ويبدو ان المسلمين عقب افتتاحها عام 93ه لم يشيدوا بها سوى مسجد صغير الى ان شيد الفقيه المحدث معاوية بن صالح الحمصي مسجدا اشتهر باسمه في قصبة المدينة وكان هذا الفقيه ممن حضر الموقعة التي قتل فيها مروان بن محمد آخر خلفاء بني امية في ابي مير الملق بمصر اقرب الفيوم وفر بعد مقتل الخليفة حتى وصل الى مالقة.
وتشير المصادر التاريخية الى ان مسجدها الذي حول بعد سقوطها الى كنيسة كان يتألف من اوسط تحيط به اربع ظلات اهمها ظلة القبلة المكونة من خمسة اروقة وكان للمسجد خمسة ابواب؛ بابان منها الى البحر، وباب شرقي يعرف بباب القصبة وباب غربي يعرف بباب الوادي وباب جوفي يعرف بباب الخوفة.
وكان بمالقة مبان فخمة وحمامات حسنة واسواق جامعة كثيرة تنتشر في الربض والقصبة ومن اسف ان اغلبها قد دمر على ايدي ملوك الاسبان النصارى عقب استيلائهم على المدينة التي كانت بحوزة بني نصر.
ورغم ان البربر اثاروا الاضطرابات في المدينة خلال عصور ملوك الطوائف الا ان ذلك لم يؤثر عل عمارتها حيث استوطنتها قبائل البربر لقربها من الشاطىء المغربي اما اهلها فقد شردوا وسفكت مهجاتهم فما نجا في البحر الا الشريد ولاتخلص الا السعيد ,وتوالت الفتن على مالقة قرب نهاية دولة المرابطين وفي بداية عصر الموحدين عندما استقل بها ابن حسون وقتل الكثير من اهلها او نفاهم بعيدا عنها ولكن المدينة ثارت على ابن حسون فاقدم على قتل نفسه بعدما احيط به فسبيت حرمه ومزقوا في البلاد كل ممزق وآسفت حاله ولله الحكمة البالغة .
اما اشهر الآثار الاسلامية الباقية في مالقة فتضم بقايا سورها العتيد الحصين الذي يحيط بقصبتها القديمة وقد فتحت به بعض ابواب بين ابراجها المتعامدة واسوار مالقة وابوابها مشيدة بمداميك من احجار متباينة الاحجام وتحيط بها اشجار النخيل والتين وكأنها تؤكد بخضرتها اقوال المؤرخين والجغرافيين المسلمين حول جمال هذه المدينة وشهرة مزروعاتها.
اما قصر القصبة بالمدينة فأهم ما تبقى من اقسامه جناح الاستقبال الذي شيده حكام النصريين على نسق قصورهم في الحمراء وجنة العريف بحاضرتهم الشهيرة غرناطة,ويتقدم جناح الاستقبال فوارة ماء حوضها من رخام ابيض تحيط به ممرات من بلاطات الخزف الاندلسي المعروفة بالزليج والاحجار ويلي الفوارة سقيفة المدخل التي يتوجها سقف منحدر من القرميد الاخضر محمول على بائكة ثلاثية العقود اعلاها واوسعها العقد الاوسط المدبب.
اما فتحة باب جناح الاستقبال فقد حلي باطن عقدها بصفوف من المقرنصات كما هي العادة في العمارة الاندلسية كما فتحت باعلاها ثلاث نوافذ ذات عقود نصف دائرية وقد غشيت باحجبة من الجص المزخرف.
ورغم ان قصر القصبة في مالقة يتضاءل امام قصور بني نصر في غرناطة الا ان بساطته كقصر لمدينة ساحلية لا تنفي عنه طابع الجمال الاخاذ الذي يجذب الزوار والسائحين على مدار العام.
اما كتب الادب العربي فقد احتفظت بالعديد من ابيات الشعر التي جاء بها ذكر مدينة مالقة منها الابيات التي قالها القاضي المحدث الشهير ابو محمد عبدالله بن سليمان بن حوط الله الانصاري حينما خرج اهلها لاستقباله بعد ان ولي القضاء بها اذ قال لهم:
مالقة حييت ياتينها الفلك من أجلك يأتينها نهى طبيبي عنك في علتى مالطبيبي عن حياتي نها |
د, أحمد السيد الصاوي