كل انسان عانى من ضربات كف الجوع الكافرة لا يريد ان ان يرى اطفاله الا في حالة الشبع الدائم وبدون وعي تصل بعض الاحيان الى تخمة اطراف عمياء تشبه اطراف المرض.
كل انسان عانى من ذلك الحاجة اليومية التي تصل احيانا الى درجة بكاء الدم لا يريد ان يمر عياله بنفس الحالة التي مر بها في طفولته او صباه او مراهقته, كل انسان عاش طفولة بلا العاب وبلا سعادة او فرح لا يريد ان يرى فلذات كبده او عصارات روحه يكبرون بلا طفولة.
انها فلسفة التعويض عن حالة الفقد التي يكتسبها الفرد من تجربته الحياتية فما لم يستطع ان يحصل عليه اي واحد منا في طفولته او في فترة من فترات حياته يحاول ان يوفره لاطفاله.
ولكن هل يفهم الاطفال طبيعة هذه الفلسفة التي ليست لهم اية علاقة بها؟
هل يعرفون ان اباهم او امهم يحاولان توفير ما لم يتوفر لهم في طفولتهم؟
وهنا يكمن في تصوري لب المشكلة التي تعاني منها التربية الحديثة بشكل عام ليس في وطننا العربي فقط انما في سائر بلدان العالم.
اننا كآباء لابد ان نوفر لقمة العيش الجيدة والحياة الكريمة لاطفالنا وإلا لا نستحق هذه الابوة, ولكن هذا لا يعني ألا نترك المجال امام اطفالنا للاحساس ولو بشكل بسيط ومؤقت و اولي بألم الجوع، وبالتالي لا يمكنهم ان يفهموا ولو لدقيقة واحدة معنى ان يكون الانسان جائعا او ان هناك شعوبا تعاني من المجاعة.
نحن الآباء حينما نرى اطفالا جوعى في الشارع او على شاشات التلفزيون مباشرة نتعاطف معهم ونتمنى ان يكون باستطاعتنا اطعامهم خصوصاً ونحن نستطيع وقت المشاهدة ان نسترجع الشعور الحاد بألم الجوع الذي جربناه في يوم من ايام حياتنا, ولكن الاطفال لن يكون تعاطفهم قويا بسبب عدم مرورهم بمثل هذه الحالة الا اذا كانوا من اصحاب الاحاسيس المرهفة, وهذا يذكرني بالملكة الفرنسية ماري انطوانيت التي قيل لها ان الشعب الفرنسي ثار على الملكية بسبب عدم توفر الخبز فردت عليهم (اعطوهم البسكويت) او الكعك, وردها هذا ليس لانها ساذجة بل لانها لم تعرف معنى الجوع.
لا أطرح في وجهة نظري هذه ان نقوم بعملية تجويع اطفالنا من اجل تعليمهم وتدريبهم على الشعور بالجوع لان هذا سيكون جريمة نكراء ضد الانسانية، ولايمكن ان يقوم بها الا من فقد انسانيته بقدر ما اود ان اقول انه من الضروري الا نوفر كل ما يطلبه الاطفال وفي الوقت الذي يطلبونه لان هذا سيحولهم الى تنابلة وكسالى متبلدي الاحساس والشعور, الطفل في تصوري يحتاج الى الشعور بان هناك شيئاً ما ينقصه وهذا النقص هو الذي يقوده الى البحث عن الشيء الناقص.
توفير الالعاب الكثيرة للطفل وبشكل يومي لا يعطي له مساحة للتمتع باللعبة، تقديم الهدايا بمناسبة وبدون مناسبة لا يجعل الطفل يثمن الهدية.
توفير المال للطفل حسب الطلب يعلمه على الاخذ دون التفكير في العطاء.
تعويد الطفل على عدم احترام اصحاب المهن البسيطة والرثة لا يجعله يحترم العمل.
هل لنا ان نعيد النظر في اساليب تربية اطفالنا؟
ارجو ذلك.
|