رياض الفكر التسول,, طرق وأساليب سلمان بن محمد العُمري |
تتعدد الأساليب والطرق التي يستخدمها المتسولون في بلادنا، وتختلف الأوقات والأماكن التي يقبعون بها، حتى اصبحت ظاهرة التسول يومية ومستمرة بعد ان كانت موسمية!!.
فحالات التسول اصبحنا نراها ظاهرة في الشارع، وعند اشارات المرور، وحتى في الفنادق والأسواق والمستشفيات، ناهيك عن المساجد التي تعتبر أماكن تقليدية لتلك الفئة التي تركت العمل، وعاشت عيشة الكسل، واستمرأت مد الأكف استجداء للعطاء، مستغلة طيبة هذا المجتمع وروحه الانسانية، ومحبته لفعل الخير.
والتسول ينجم عن حالة في نفس الانسان منحرفة عن الوضع الطبيعي، يميل فيها الشخص لطلب العطاء واظهار كل مظاهر التذلل، وقلة الاحترام اللذات، أملا في الحصول على شيء ما، ففي التسول يحطم الانسان نفسه وذاته، ويجعلها حقيرة ذليلة ضعيفة أمام الآخرين، ويفقد شخصيته ويصبح عبدا في متابعة الآخرين، واستجدائهم -والعياذ بالله-!!.
وللتسول أسباب منها ما يكمن في ذات الانسان مثل ضعف الشخصية، وانعدام الوازع الديني والجهل، ومنها ما هو مكتسب مثلما يحدث مع مدمن المخدرات أو المستغل للاعاقة أو المرض كذريعة للتسول، ومنها ما يتعلق بالمجتمع ككل مثل التفكك الاجتماعي، والانحلال الأسري، وعدم وجود التكافل الاجتماعي وانتشار البطالة والفقر، ومنها ايضا ما يأتي بشكل منظم عن طريق بعض الجماعات التي تأتي من خارج البلاد لعمل تنظيمات هدفها جمع الأموال عن طريق التسول.
والمتسول يختار - وهو أو من يقف خلفه- أماكن استراتيجية لهذا الهدف، تكون مناسبة من حيث تواجد اشخاص يمكن ان يعطوا اذا طلب منهم، كما يتمتع المتسول - مع مرور الوقت- بفراسة عجيبة تمكنه من اختيار ضحيته اعتمادا على المظهر العام، وعلى الشخصية، وعلى نوعية السيارة واللباس والبيت.
أما أساليب الابتزاز فهي كثيرة ومتنوعة، فإما ان يتظاهر المتسول بأنه فقد محفظته، أو أنه مقطوع في هذه المدينة، أو أنه من أسرة غنية، ولكن الظروف أدت به لذلك، وقد يستدر عطف الآخرين باظهار تشوهاته أو عاهاته أو باصطناع ذلك.
وعملية التسول لا تقتصر على جنس دون الآخر، فهناك الذكور والإناث، وكذلك تشمل كل الأعمار من الطفل الى المسن، ومما يزيد الأمر سوءا وتعقيدا وجود الكثير من الأطفال والنسوة على قارعة الطريق حتى ساعات متأخرة من الليل!! وما قد يصاحب ذلك من مفاسد ومخاطر لا حصر لها.
ولا ننسى هنا احتمال وجود آفة المخدرات خلف بعض حالات التسول، بسبب الحاجة الماسة عند هؤلاء للأموال لشراء المخدرات، وبالتالي يجدون في التسول طريقا سهلا للوصول لطلبهم، ومن هؤلاء ما نشاهده من البعض ممن يجوب الشوارع في سيارته الخاصة ليلتقط ضحية هنا أو هناك، فيستغل الطيبة، ويطلب مبالغ زهيدة كثمن البنزين مثلا، وقد يكون المبلغ المطلوب عشرة ريالات فقط أو أقل ضمانا للاستجابة.
وحتى المطارات لم تسلم من هؤلاء المتسولين الذين اصبحوا يشوهون المنظر الحضاري للبلد، ويستغلون لحظات السفر للتظاهر والادعاء للحصول على كسب غير مشروع، أضف الى هذا وذاك قصور الأفراح والفنادق التي لم تسلم من الطريقة والنهج الذي يقوم به المتسولون مستغلين الفرح والنشوة الغامرة لأهل العروسين.
إن تفشي مثل هذه الظاهرة الخطيرة يعد مثارا للدهشة والغرابة، خاصة ان في بلدنا -والحمد لله- يتحقق مبدأ التكافل الاجتماعي حيث يقف المجتمع كله لحماية أفراده من شر الفاقة والعناية بصحتهم، وهناك بالتحديد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي تسهر على هذا الأمر، وتساعد الناس على تحسين معيشتهم، وهناك الضمان الاجتماعي من هذه الدولة المباركة للفئات المحتاجة، ولا ننسى ايضا الجمعيات الخيرية المنتشرة في ارجاء الوطن بهدف تقديم المساعدة للمحتاجين من ابناء المجتمع، واسعاد أفراده، ومن هنا تنتفي الحاجة للتسول باعتباره مرضا خطيرا وآفة خبيثة يجب اجتثاثها.
والتسول لا يقتصر على مجتمع دون غيره، وفي بلادنا يقوم بعض الإخوة المقيمين بذلك، ويستترون بالزي السعودي، كما يمارس بعض ابناء البلد هذه العادة السيئة التي ينبغي حشد الطاقات لاجتثاثها وعلاجها.
ان المحتاج الحقيقي غالبا لا يسأل الناس، والاسلام يحثنا على البحث عن هؤلاء لتقديم الدعم والمساعدة المطلوبة لهم، أما الذين يرفعون صوتهم وأيديهم بالطلب، فيجب التحري بدقة عن وضعهم وكشف حقيقتهم.
صحيح ان التسول يقوم به أفراد، ولكنه يشكل ظاهرة اجتماعية تسيء للمجتمع ككل، وتعطي انطباعا غير حضاري عنه، ومن هنا يجب تكاتف كل الجهود، وعلى الأصعدة كافة لمحاربة هذه الظاهرة، وان تسعى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالتنسيق مع الجهات الأمنية المعنية لهذا الأمر بدراسة تلك الظاهرة دراسة جيدة، وايجاد الحلول المناسبة للقضاء عليها حيث ان ادارة مكافحة التسول لن تستطيع وحدها السيطرة على هذه الظاهرة.
يجب ان تتدخل الجهات الأمنية بتنظيم حملات مكثفة للقبض على هؤلا المتسولين، على ان تدرس حالاتهم بشكل جيد من قبل جهات مختصة، فإن كانوا من ابناء الوطن يجب معالجة أوضاعهم، وان كانوا من غير ابناء الوطن فينبغي ترحيلهم من حيث أتوا، كما انه يجب ان يعاد النظر في تيسير أنظمة الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي حول كيفية مساعدة المحتاجين وعدم التضييق عليهم,!.
كما ان للائمة والخطباء والدعاة اثرا كبيرا في محاربة ذلك لأن مجتمعنا -والحمد لله- مبني أساسا على الدين الحنيف، وتأثير الكلمة ووقعها في النفوس كبير، والمواعظ توجه لأولئك المتسولين وكذلك لباقي أفراد الأمة لكشفهم، وكف ايديهم وابلاغ الجهات المعنية عنهم.
موقعنا مميز بين الأمم -والحمد لله- وعلينا الحفاظ عليه، ولا يجوز ان نسمح لفئة لا يمكن وصفها إلا بالمستغِلة - أو المستغَلة- بأن تشوه الصورة المشرقة والحضارية لبلدنا الذي ينعم -بفضل الله- بنعم كثيرة ينبغي ان نشكر الله عليها، وان نتعاون حكومة وشعبا ونكون يدا واحدة في سبيل منع مثل هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر التي تسيء الى بلدنا ومجتمعنا.
|
|
|