تزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة بالاقتصاد الاسلامي سواء على مستوى البحث والتنظير او على مستوى التطبيق وسواء من المسلمين او من غير المسلمين, فعلى سبيل المثال هناك العديد من الكتب والبحوث التي كتبت وتكتب باستمرار، وهناك العديد من الاقسام العلمية والمراكز البحثية المتخصصة في هذا المجال, كما ان تطبيق الاقتصاد الاسلامي اصبح واضحاً في مجال المصارف الاسلامية وفي الطرق والاساليب المتعلقة باستثمار الاموال وفقاً للشريعة الاسلامية, ولعل من الاسباب الرئيسية التي ساعدت على تزايد الاهتمام بموضوع الاقتصاد الاسلامي شيوع رغبة لدى شريحة كبيرة من المسلمين في ان يكون التعامل في الجوانب المالية والاقتصادية والتجارية ضمن الاطر الشرعية وان تكون الحلول لمشاكلهم في هذا الجانب مرتبطة بعقيدتهم ودينهم كما ان العرب و بخاصة المفكرون والواعون اصبحوا مبهورين بحضارة الاسلام وما يقدمه من مناهج ورؤى وافكار لحياة اكثر تطوراً وسعادة فتجد الكثير منهم متطلعين لمعرفة الجوانب المختلفة لهذه الحضارة كل في تخصصه.
وتنبع اهمية الاقتصاد الاسلامي من كونه جزءاً من دينهم ينظم جانباً من جوانب حياتهم فلايمكن اهماله لانه بالدرجة الاولى مفروض عليهم فلا بد ان تؤدي الاوامر وتجتنب النواهي، التي يشتمل عليها هذا الجانب مع التشريع، وبخطى من يظن ان الاقتصاد الاسلامي غير ممكن التطبيق في الحياة الاقتصادية المعاصرة المتشعبة والمعقدة والتي تحتوي على كم هائل واشكال مختلفة من المعاملات والمبادلات و السياسات التي تمس الفرد والمنشأة والحكومة والمجتمع كله, وممكن الاجابة على هذا الظن بان النظام الذي وضعه خالق الكون بدون شك سيكون اكثر قدرة على التعامل مع هذه الامور ومعالجتها من الانظمة التي وضعها البشر والتي ثبت الفشل الكلي لبعضها والفشل الجزئي للبعض الاخر بل لربما أوجدت هذه الانظمة الوضعية العديد من المشاكل و التي لايمكن ان تحل من داخل هذه الانظمة, هذا بشكل عام وبشكل خاص فالاقتصاد الاسلامي يمكن النظر اليه على انه مجموعة من القواعد والضوابط الكلية المستمدة والمستنبطة من مصارد التشريع الاسلامي والتي تختلف طرق واساليب تطبيق بعضها تبعا لاختلاف المكان والزمان والاحوال اما البعض الآخر فهو ثابت لايتغير فمثلاً لايمكن ان يتصور تغير حكم الربا او حكم الزكاة وفي جانب اخر فان القواعد الكلية الحاكمة للوقف ولمصارف الزكاة على سبيل المثال لاتمنع من الاجتهاد في هذا الجانب بما يتناسب وهذه الاطر الشرعية وحاجة المجتمع ليتحقق مقصود المشرع, وتطبيق الاقتصاد الاسلامي يحتاج الى جهد كبير من قبل المتخصصين لوضع الاسس والضوابط التي تحكم مسار المجتمع الاقتصادي بما يتواءم مع القواعد الشرعية وحاجات المجتمع المعاصرة والمتفحصون في هذا الجانب هم من يملكون تأهيلاً اقتصادياً شرعياً عالياً : فلا يكفي توافر احدهما بدون الآخر ومتى ما اصبح هذا ممكناً عن طريق البحوث والدراسات الجادة والرغبة الصادقة في التطبيق فسيجد المجتمع في الاقتصاد الاسلامي واقياً بإذن الله من العديد من المشاكل الاقتصادية وعلاجاً لما يمكن ان يمر به المجتمع من صعوبات والشواهد في هذا الاطار كثيرة فعلى سبيل المثال هناك نظام الزكاة والذي يمكن ان يقوم بدور هام في تغطية بعض جوانب الانفاق وايضاً توفير رؤوس الأموال لتمويل مشروعات معينة ويتيح التطبيق المعاصر للوقف اسلوباً جديداً لتمويل بعض برامج الانفاق العام كما توفر بعض صور التمويل المشروعة كالتمويل بالمشاركة طريقاً لتوفير رؤوس الأموال لاصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة, ويسهم الاقتصاد الاسلامي بشكل فاعل في التخفيف من مشكلة الهدر في الموارد الاقتصادية فهو يمنع توجيه الموارد الاقتصادية نحو انتاج وتوفير السلع والخدمات المحرمة شرعاً مما يعني تحرير قدر كبير من الموارد الاقتصادية التي تستغل في هذا الجانب وبالتالي يمكن توجيهها نحو انتاج وتوفير سلع وخدمات اكثر الحاحاً للمجتمع.
هذه مجرد امثلة لواقع الاقتصاد الاسلامي والذي يعاني كثيراً من انهزامية بعض المسلمين ومن الاحكام الجاهزة التي لاتنم عن علم وادراك, كما ان البعض قد يسيء اليه من حيث يريد الاحسان وذلك عندما يعرضه في شكل انشائي بعيد عن التحليل العلمي والموضوعي المتفق وطبيعة هذا العلم والتشريع الاسلامي ككل.
*قسم الاقتصاد الإسلامي -جامعة الإمام محمد بن سعود