يتصف عصرنا اليوم بعصر المعلومات اي ان هذا يعني سهولة وسرعة وبساطة الحصول على المعلومات، مهما كان نوعها، او حجمها او المنتجات او الخدمات وبأسرع الوسائل المتاحة وأرخصها.
إن عصر المعلومات فرض حالة جديدة امام كافة المنظمات الادارية الكبيرة منها والصغيرة العامة والخاصة, والمقصود بالحالة الجديدة هو ان كل شيء اصبح الآن معروفا لكل طرف يتعامل مع المنظمات اي ان كافة الاشياء التي تخص منظمات الاعمال، وعلى كافة مستوياتها، من سلع وخدمات وتعاملات مع الآخرين، اصبح بالامكان الاطلاع عليها بسرعة ويسر, واستطاعت الاطراف التي تتعامل، او التي لها علاقة بالمنظمات الادارية، ان تحصل على ما تريد من تلك المعلومات بسهولة وبالتالي تستطيع الحكم والاختيار عند التعامل او الشراء, هذا يحتم على المنظمات الادارية ان تتعامل مع هذه الحالة الجديدة التي ظهرت بسبب ظهور وانتشار شبكات المعلومات والاتصالات, وبالتالي إمكانية الحصول على كافة المعلومات لكل من يطلبها.
هذه الحالة الجديدة اجبرت او فرضت (حالة الامر الواقع) في التعامل بين منظمات الاعمال والاطراف الاخرى, اي اجبرت بأن تكون اكثر وضوحا وشفافية واكثر نزاهة, حينما تتعامل مع الآخرين وتصبح تصرفاتها سليمة بما يضمن تحقيق مصالحها في الدرجة الاولى ومصالح الآخرين وتضمن تحقيق رغبات المستهلكين وتحقيق رفاهية المجتمع حيث ان عالم اليوم يعيش في عصر المصالح المشتركة والمتبادلة ذات النفع الاجتماعي العام.
اذن موضوع النزاهة والشفافية في العمل الاداري هي حالة اصبحت اكثر الحاحا في الاستجابة لمتطلبات التغيير والتطوير الاداري الحديث والتعامل على ضوئها وذلك من تحجيم وتقليل وتقليص دور العلاقات الشخصية غير السليمة في التعامل الاداري المبني على المصلحة الشخصية, والمبني على المنفعة الخاصة الذي يؤدي بدوره الى انتشار ظاهرة الفساد الاداري واستشرائه في المجتمع, ان هذا الموضوع (التغيير والتطوير) أصبح ضرورة ملحة لكافة المجتمعات لتلبية احتياجاتها ولقد ادركتها المجتمعات المتطورة (في الدول المتقدمة) بشكل مبكر وعملت على الاستفادة من هذه الدروس والتجارب لاجل تعميق وتطوير دور المنظمات الادارية لتعمل من اجل خدمة مجتمعاتها, وذلك من خلال وضع انظمة معلومات علمية سليمة وإجراءات عمل ووضع اهداف علمية سليمة في ظل قيادة علمية تعمل على تحقيق المصالح والاهداف المشتركة.
الا انه في بلدان العالم الثالث مازالت المنظمات الادارية على اختلاف أنواعها واشكالها وانتماءاتها لم تستوعب بعد هذه الحالة الجديدة المطلوبة والملحة التي يمر بها عالم اليوم (حيث اصبح عالم اليوم وما انتجه التطور التقني المعلوماتي - قرية صغيرة - كل شيء في متناول الجميع).
ان معظم بلدان العالم الثالث لا تزال تؤثر عليها العادات والتقاليد وتحد من نشاط واتساع اعمال هذه المؤسسات كما تلعب السياسة دورا كبيرا في السيطرة على خطط ومشاريع المؤسسات الكبيرة والصغيرة حيث تتدخل القيادات السياسية في مدخلات العملية الادارية وذلك لتلبية حاجات سياسية على نحو اوسع واكبر من طاقة وإمكانات المؤسسة الادارية من اجل كسب قضايا سياسية وقومية، بحيث تسيطر على نشاط معظم المؤسسات, وهذا يؤدي الى ظهور نقص في المعرفة لحاجات ومتطلبات الجماهير والمجتمع ونقص في المعرفة في امكانات وقدرات مؤسسات الاعمال.
إن منظمات الاعمال في العديد من دول العالم مازالت تتعامل في علاقاتها مع الآخرين تعتمد في الدرجة الاولى على ما يطلق عليه اسلوب (الطلاسم والالغاز) أي يتصف تعاملها وعلاقاتها مع الآخرين بالغموض وعدم الشفافية والافتقار الى النزاهة في التصرفات وهذا مما يشجع او يفتح الباب الى شيوع ظاهرة الفساد الاداري مما يسيطر على كافة العلاقات بين المنظمات الادارية.
وبما ان عالم اليوم والادارة اخذت تسير وفق منهج العلوم السلوكية والتأكيد على اهمية العنصر البشري باعتباره اهم عنصر من عناصر العملية الادارية والعملية الانتاجية، وباعتبار العنصر البشري هو الغاية والوسيلة لعمليات التنمية القومية الشاملة.
إذن يبقى التأكيد على اهمية بروز وشيوع وانتشار العلاقات الانسانية المتكاملة والمتبادلة والتي تركز على وجود قيادة ادارية وديمقراطية نزيهة تأخذ بمبدأ المشورة والمشاركة الجماعية والديمقراطية في العمل الاداري, لكي نستطيع ان نصل الى مثل هذه الحالة الجديدة لابد من اخذ النقاط التالية بعين الاعتبار.
1- وضع اهداف علمية سليمة واضحة المعاني بأشكالها العامة والتفصيلية وتحديدها بشكل علمي ليتسنى للمنفذين تحقيقها بشكل امثل.
2- تحديد دقيق وواضح للمسئوليات والواجبات والصلاحيات لكل المناصب الادارية المختلفة (الادارية والتقنية) مع الترابط والتكامل مع خطوط السلطة.
3- توضيح خطوط الاتصالات الادارية وشبكاتها الموجودة بالمؤسسة.
4- الاشراف العلمي السليم والارشاد والنصح بأهمية دور العنصر البشري في تحقيق اهداف العاملين ضمن الاهداف العامة.
5- اعطاء الحرية الكاملة لكافة العاملين لابداء رأيهم والمشاركة في وضع واتخاذ القرارات.
6- المشاركة في اللجان والتعبير عن الرأي بشكل واضح.
7- وضع انظمة تقييم اداء العاملين وذلك لتحديد نقاط القوة والضعف في اداء العمل، والعمل على تعظيم دور الجوانب الايجابية وتقليل نقاط الضعف.
8- العمل على وضع ارشفة وانظمة حفظ للمعلومات بشكل علمي ودقيق يجعل من السهولة الرجوع الى المعلومات والوثائق المطلوبة بالسرعة الممكنة, وسهولة الاتصال ما بين الجهات المختلفة ويمنع الاجتهاد واختراق سلسلة الاجراءات وظهور الفساد الاداري.
9- وضع معايير دقيقة لاختيار القادة الاداريين بشكل علمي سليم.
10 - وضع نقاط رقابة تتابع بشكل علمي سير الاعمال والتأكد من عدم وجود ثغرات يمكن استغلالها من قبل الفاسدين الاداريين.
11- وضع نظام عقوبات رادعة للفاسدين الاداريين.
12- العمل على اعادة النظر او اعادة التنظيم الاداري في المؤسسات التي استشرى الفساد الاداري فيها.
13- عمل انظمة حوافز ومكافآت تشجيعية تثمن دور العنصر البشري الجيد وتقيم عمله وتعطيه الفرصة للترقية والترفيع للارتقاء لمستوى اداري اعلى.
14- العمل على توفير المستلزمات السلعية والخدمية للعاملين في المنظمات بأسعار قياسية مجزية تساهم في سد احتياجات العاملين.
وانطلاقا من ان محاربة الفساد واجب ديني واجتماعي ووطني يقع على عاتق كل مواطن ولن يتأتى ذلك الا بتكاتف الجهود والتنسيق بين الاجهزة المختلفة والمكلفة بذلك قانونا لكل حسب اختصاصه, وتجنيد كل الامكانات المادية والبشرية مع تسخير اعلامي واع وحر للكشف عن مخاطر الفساد ومحاربته بذات الطريقة التي تحتاط بها ضد مرض الايدز والايبولا وجنون البقر وغيرها من الامراض الخطيرة.
إن مؤشرات الفساد قد تبدأ بمخالفات ادارية بسيطة او جرائم جنح او جرائم جنائية وغيرها من حالات الاهمال والتقصير والتسيب في اداء الواجب الوظيفي,, وقد لا يخلو مجتمع من المجتمعات من هذه المؤشرات.
*المنظمة العربية للتنمية الادارية 19 -22/9/1999م