الإدارة الحكومية,, ومتطلبات العصر محمد بن ناصر الياسر الأسمري |
الإدارة وعناصرها: التخطيط، التنظيم، الرقابة المتابعة والتقويم، من أهم عوامل النجاح فيها وجود القائد/المدير/الموجه, وفي الجهاز الحكومي يأتي على رأس التنظيم الإداري الوزير,, الذي يرسم السياسة, ويضع القرار في وزارته وفق سياسة الحكم.
لا أعلم إن كانت كلمة وزير قد جاءت من الوزر، أي الذنب, واوزار المسؤولية صعبة الحمل وهنا فإن تحويل المسؤولية واوزراها الى امجاد شيء منطقي ومقبول حين يكون الجهد والهم منصرفا الى تقديم افضل وارقى الخدمات للشعب,, إعمالاً لسياسة الدولة.
والقيادة السياسية تستوزر الوزير من اجل تنفيذ سياساتها الوطنية,, الداخلية والخارجية التي من اولوياتها مطالب الشعب/ الوطن في العيش الكريم,, والكرامة في المعاملة والتعامل,, والارتقاء بالمستويات في كل مجال.
ان في رضا الشعب عن خدمات التنمية والإعمار والتعليم والصحة والغذاء والامن مقياس للجودة التي تجتهد الدولة ورأسها في تحقيقها والسهر على سبل تنميتها وتطويرها,.
ولقد مرّ على بلادنا في عمر الحكومات منذ تشكيل مجلس الوزراء منذ اكثر من حوالي نصف قرن، وزراء رائعون قدموا للوطن خدمات جُلّى,, وعملوا على تنفيذ خطط وطموحات القيادة السياسية رغم قلة الموارد المالية والبشرية تعليما وتأهيلا الى نمط من السلوكيات الإدارية المنضبطة,, من خلال الصدق في المعاملة والوضوح في الرأي,, والمشورة وتحمل المسؤولية,.
منصب الوزير صناعة السياسة و القرار في وزارته لتكون جزءاً من سياسة الدولة - خطة ومنهجا وممارسة وليس الانشغال بالاعمال الروتينية التي لا تبقي للفكر والإبداع مجالاً في دفع إدارة المنشأة إلى الإنجاز.
لقد فرح الوطن بفرح القيادة بارتفاع مستوى التأهيل لمن استوزرتهم القيادة السياسية السعودية منذ اكثر من عقدين من الزمان كنتيجة للعائد الاستثماري من بعثات التعليم وقد احسنت القيادة السياسية حين أصّلت وقعّدت اصول ومنهجية الإدارة من خلال ايجاد اللجنة العليا للإصلاح الإداري كأعلى سلطة ادارية مرتبطة بالملك رئيس مجلس الوزراء لها صلاحية رسم الهيكل التنظيمي الإداري للوزارات,, وتحديد اهدافها ومهامها,, وتوضيح العلاقات التنظيمة الرأسية والأفقية بين مستويات القيادات الادارية, وهكذا فان لكل وزارة هيكلا تنظيميا معتمدا,.
لقد جاء اجراء القرار السياسي التنظيمي من اللجنة العليا للإصلاح الاداري مفسحا المجال الارحب للاداء العملي بشكل منظم محدد بعيداً عن المزاجية والعشوائية والاجتهادات الفردية,, ومتاهات الاجتهادات للادارة بالفكر التقليدي!!
ولعل مما ساعد على نجاح اللجنة في مسارها واعمالها ان فوّض ولي الامر النيابة عنه في رئاستها الى اشهر الوزراء في بلدنا وعياً وديناميكية، الامير سلطان بن عبدالعزيز الذي قاد بنجاح منقطع النظير تحويل القوات المسلحة الى اكبر وافضل قطاع انتاجي في الوطن,, واهم مركز لتدريب العمالة الوطنية الماهرة المهنية العلمية التأهيل والحرفية التي استوعبت اعقد تقنيات السلاح والتخطيط الشمولي الواعي فكرا وانتاجا وممارسة الاعمال الحرفية التقليدية والمتطورة بعقلية منفتحة على التطور والارتقاء والتعامل مع المستجدات الفكرية والتقنية,, وما ذلك إلا مثال رمز لمقدرة المدير القائد على استثمار طاقات وفكر وإبداع القيادات المبدعة في قطاعات القوات المسلحة.
إن الحقيقة الماثلة للعيان- وقد سبقني كتّاب كثر الى معالجة وطرح الأمر- ان الادارة الحكومية قد بدأ يدب فيها خلل ما,, ربما نتيجة ما قد يكون حدث في التطبيق لقرارات وتوصيات اللجنة العليا للإصلاح الإداري، مما سمح بالكثير من التجاوزات والتعطيل لمسار الإدارة الحكومية وبالتالي تدني مستوى الاداء المهني والتطبيق العملي مما يبدو وكأنه جرس انذار في تدني مستوى الادارة الحكومية,, والذي يستوجب التوقف للنظر في الاسباب والمسببات حتى تكون الإدارة الحكومية قادرة على التفاعل الواعي والاداء المتطور,, لمقابلة نمو القطاع الخاص وحسن التعامل معه في فتح آفاق اقتصادية انمائية، اجتماعياً ومهنياً,, وعالمياً,, ولاسيما ومفاوضات الدخول في منظمة التجارة الدولية على وشك الانتهاء وبقاء الاداء والحكومة على حالها الراهن,, خطر على تعثر مسار التوجه,, في البحث عن مجالات للدخل وتوظيف الموارد وإدارتها ادارة انتاجية,, وفي اعتقادي ان من الاسباب الكامنة خلف تخلف الادارة الحكومية ما يلي:
* تسرب اعداد من القيادات والموظفين,, الاكفاء ومن ذوي التأهيل العلمي والتدريبي من قطاع الإدارة الحكومية في عدد من الوزارات وفي الجهاز المركزي - مركز التخطيط والتطويروالتنظيم والرقابة والمتابعة، احتراماً لأنفسهم ومستوياتهم الفكرية كبشر وكمواطنين شرفاء لا يرضون برؤية الاخطاء والتجاوزات القاتلة، وهؤلاء يرون ان خدمة الوطن شعبا وقيادة لابد ان تكون مبنيّة على الصدق والمنهج العلمي والصراحة,, في ابراز المعايب والمعوقات والبحث عن علاج لها,, بدلا من اخفائها.
*هذا السبب ادى بطبيعة الحال الى وجود موظفين وقيادات ادارية في مواقع الجهاز المركزي,, من ذوي المستويات التأهلية الضعيفة علمياً,, وربما تجد ادارة عامة جل العاملين فيها من العاملين على بند الاجور او بند الساعات,, من المتسربين من مراحل التعليم العام,, الذين لا تساعدهم قدراتهم الفكرية على الفهم.
* بقاء مجموعات من القيادات الادارية من اجيال سابقة لم يستطيعوا الفهم والتفاهم مع لغة العصر,, واساليب الادارة الحديثة التي تعتمد على الجودة والقيمة والوقت والمال واستخدامات التقنيات الحديثة,, والمناهج العلمية في الدراسات والبحوث والتطبيقات,, وهنا فان وقتا طويلا يهدر في محاولة رأب الصدع في الهوة الثقافية المعرفية مما يعطل سير الادارة والتنمية,, ويخلق الاحباط للاجيال الجديدة التي درست وعاصرت وتدربت على مستويات عالمية عالية محلياً,, في الجامعات,, او خارجيا.
* احاطة بعض الوزراء انفسهم بعاملين في مكاتبهم واستشاراتهم بأشخاص ممن يجيدون,, نرى والرأي الأتم لمعاليكم,, او ما ترون فيه الخير والبركة,, ولعل من زيادة المأساة ان مستشارين ومنهم اكاديميون,, رضوا بالعمل كمتشارين غير متفرغين طمعاً بمكافأة 3000 ريال شهرياً كدخل ثابت دون اشارة او مشورة تتفق على الاقل مع المستوى الفكري والاجتماعي الذي يُنظر به اليهم.
* كل هذا قاد الى وجود بعض الادارات الحكومية التي لا تجاري الزمن,, مما عطل مصالح كثير من العاملين والمتعاملين مع الاجهزة الحكومية,, وهدر الوقت والمال والجهد مما سبب حرجا بالغاً للقطاع الخاص في استقطاب شركات عالمية للاستثمار في الوطن وتنمية التجارة والصناعة,, مما سبب لنا غياباً لا يتفق وحجم بلادنا سياسيا واقتصاديا - وجود النفط - والغاز,, والمقدسات.
* زاد على ما سبق أن توقف التوظيف لخريجي الجامعات علىمدى سبع سنوات تقريبا قاد الى زيادة الخلل الاداري,, وعندي ان وجود موظف ذي تأهيل جامعي - سوف يرتقي بالعمل من خلال المقدرة على استيعاب المعلومات,, والتأهيل المهني بالتدريب على رأس العمل ولذا فإن اجهزة الرقابة في البلديات والصحة وقطاعات الإنشاءات والنقل غالبية العاملين بها فئات ضعيفة وضئيلة العدد والوجود والقدرات مما سبب الكثير من تواجد المتخلفين والمتاجرين بأقوات الناس وشغل مواطن العمل والإنتاج,, وتفشي الغش والخداع,, في الاسواق والمطاعم والمشافي,, بل ان التستر جاء من جانب هذا الخلل الاداري.
- تراجع وتدني التدريب وإلغاء الحوافز كان من اسباب تواضع مستوى الادارة الحكومية.
- نمطية الاداء الاداري في مقابل الاستخدام التقني,, والوعي المعلوماتي,, لا يتفق وما يجري من عولمة التجارة,, والافكار وفتح الحدود.
* تعمد تغييب العناصر الشابة من حضور جلسات الاجتماعات والمناقشات والمفاوضات والمثال ما يدور في شأن مفاوضات الانضمام الى منظمة التجارة الدولية,, فالمفاوضات من اهم اسباب ارتقاء اسلوب العمل والاداء الاداري فكرا وممارسة,, فالافكار من الشباب اكثر اتقاداً,, وحماسة وليس بالضرورة اخذها على مائدة المفاوضات، بل قبولها,, وبلورتها بصدق وشفافية سيؤدي الى خلق مجالات ارحب للتفاوض من مواقع قوة مستندة الى الفكر والمنطق القانوني والمنهج العلمي,, ولنا في تراثنا - المرء بأصغرية: قلبه ولسانه - ففي القلب الوعي وفي اللسان البيان.
هذا الغياب ادى الى خلل في معرفة السياسات,, والتوجهات,, والأهداف,,واذا جهل الانسان هدفه في حياته العملية والحياتية,, فإن التخبط والاكتئاب كفيلان بتحويل الاداء الى ملهاة موجعة,, وفشل مريع.
لقد كان مثار الإعجاب,, في مواجهة ما سبق ان توجهت القيادة السياسية من خلال قرارات مجلس الوزراء في الاشهر الماضية,, ومن خلال تلميحات ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الى لجم كثير من بعض الممارسات,, بمنع اصدار اوامر تمس الناس ومصالحهم دون ان تكون صادرة من مجلس الوزراء,, وهذا عين العدل والصواب, لوضع حد لنرجسيات بعض القيادات الحكومية!
كما ان انطلاقة ولي العهد,, في جولات عالمية,, تسويقية لما لدينا من ثروات وقيم,, قد صاحبها خطاب جدّي في اننا سوف نتعولم بفكرنا وتراثنا واصالتنا مع العالم بلغة المصالح,, دون حساب للحدود.
وإنني لعلى ثقة بأن هذا الخطاب سيكون هو النهج الاداري السليم الذي تتجه اليه القيادة السياسية في بلادنا,, كنقلة نوعية عالية المستوى والفكر والنهج,, ولايخالجني شك في ان تطوير الادارة الحكومية سيكون من اهم واولى المهام للمرحلة التاريخية التي ستدخلها بلادنا مع دخول القرن 21 اذا وعت وزارة الخدمة المدنية محتوى ومضمون الخطاب السياسي,, فهذا الوطن واهله, هم غاية الاستثمار,, وحماية الوطن بسياج من ابنائه الاكفاء هو الربح والعائد الاوفر,.
لقد آن الاوان لخلع رداء التقليدية في الادارة الحكومية,, واحلال الكفاءات المؤهلة لتؤدي واجبها والنهوض بالاداء,, ومنعه من الترهل و السقوط فهذا الذي يحتاج اليه الوطن حاليا كبلسم,, لمداواة الجراح,, والاورام، فالعصر لم يعد يقبل بالمحسوبيات,, والمجالات (وهذا نسيب,, وهذا ولد عم وهذا ولد خال,, ما نبيله بديلة),, حتى يمهل فك الاختناقات,, المحيطة بالخدمات,, وتشابك وتداخل السلطات والاختصاصات.
|
|
|